"هل أنا مجنونة لكي أقوم بذلك حالياً " بهذه الجملة علقت مها على سؤالنا حول إنجاب الأطفال بعد زواجها، فالخوف من إنجاب الأطفال ضمن الظروف الاقتصادية الراهنة يسيطر عليها وعلى آلاف الشباب والشابات الذين لا يتخيلون فكرة أن يبدأ الطفل بإحصاء خسائره منذ السنوات الأولى فالوضع غير مناسب لخلق روحاً جديدة في مكان غير مستقر اقتصادياً واجتماعياً
ظروف البلد ...
مها التي تعمل مدرسة في إحدى الحضانات الخاصة في دمشق تقول لوكالة أنباء آسيا، ضمن الظرف الذي تعيشها سورية صعب جداً تكوين أسرة كاملة فتردي الأوضاع الاقتصادية وانهيار قيمة الليرة السورية، لذلك ليس من قدرت أي زوج وزوجة تأمين حياة كريمة ومستوى تعليمي جيد لطفلهما.
لا ترفض الفتاة الثلاثينية فكرة الإنجاب بشكل مطلق، ولكن لن تقدم على ذلك ولن تخلق طفلاً وتربيه إلا خارج سورية هو الحل الأمثل بالنسبة لها ولزوجها فلا ترغب أن يعيش أطفالها نفس التجارب القاسية والظروف القاهرة التي عاشها جيل الحرب الذي تنتمي إليه بحسب تعبيرها.
البحث المستمر ...
أسباب آخرى ترافق ارتفاع تكاليف المعيشة، وعدم جودة التعليم الحكومي المجاني وارتفاع أسعار التعليم الخاص تدفع ميساء والتي تعمل محامية في دمشق، للتفكير بعدم الإنجاب حالياً وهي سكنها مع أهل زوجها بعدما خسرت منزلها نتيجة العمليات العسكرية في ريف دمشق بحرستا.
انخفاض عدد الولادات 50% و25 حالة عقم يومياً
 
تقول لوكالة أسيا، الوضع غير متوازن سواء على الصعيد الاجتماعي أو الاقتصادي أو التربوي، والأهم من ذلك ارتفاع أسعار إيجارات المنازل والذي يعد أساس تكوين الأسرة، إضافة لعملية البحث المستمرة للحصول على الحليب المخصص للأطفال الرضع ووصول سعر علبة حفاضات الأطفال للعشرة ألاف وغيرها من مصاريف لطبيب الأطفال والأدوية واللبس والقائمة لا تنتهي وفي حال انجبت طفلاً في سورية اليوم فلن يكون قادراً على مسامحتي عندما يكبر لو فرضنا أن الوضع بقي على حاله، فتعقيدات الحياة تُجبر الشباب على الوصول لسن الثلاثين وهم يبحثون عن فرصة عمل لائقة .
25 حالة عقم يومياً ...
فكرة عدم الإنجاب لم تؤثر سلباً على باسمة فبعد خمس سنوات من الزواج دون إنجاب، كانت تتعرض لكثير من الضغوط من جهة أهلها وأهل زوجها، جراء التدخلات وكثرة الأسئلة، والمضايقات بحسب قولها.
مبينة أنه وبعد الضغط الكبير قررت إجراء الفحوصات التي أظهرت عدم قدرت الزوج على الانجاب نتيجة " العقم " ويحتاج إلى علاج، وتكمل في حديثها لوكالة آسيا نحاول الابتعاد عن التجمعات ـ حتى العائلية ـ تجنبا لكثرة الأسئلة المتعلقة بتأخر الإنجاب، مطالبة بأهمية توعية المجتمع، ومراعاة شعور الزوجين في قضية تأخر الإنجاب، وعدم التضييق بكثرة السؤال وتضخيم الأمر أمامهما علماً أن حالة زوجي ليست الأولى وليست الأخيرة فهناك حوالي 25 حالة عقم يومياً تراجع المشفى بحسب إحصائيات مشفى التوليد الجامعي بدمشق
300 ألف طفل جديد
انخفضت نسبة عدد الولادات في سورية 50% خلال العام الماضي، رغم أن سورية تعد قبل الأزمة من الدول العالية الإنجاب بنصف مليون ولادة سنوياً.
وأكد الدكتور بشير الشيخة أستاذ في قسم التوليد كلية الطب في تصريح لوكالة أنباء آسيا انخفاض عدد الشباب الراغبين بالاستقرار والزواج، نتيجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة إضافة لهجرة عدد كبير الشباب الذين بلغوا سن الزواج
وأضاف الشيخة أن عدد الولادات انخفض إلى نحو 300 ألف طفل خلال النصف الأول من العام الحالي حيث يتم إجراء 40عملية بين الطبيعية والقيصرية يومياً في دمشق فقط في الوقت الذي كانت العدد مضاعف خلال السنوات السابقة، لافتاً إلى إنه لا يمكن تحديد النسل خلال المرحلة الراهنة، لأن الظروف لا تسمح أبداً ولاسيما بعد هجرة عدد كبير من الشباب إلى خارج البلاد، إضافة إلى أن إنجاب الأطفال يعد حرية شخصية للزوجين ضمن القانون السوري.
بالمقابل أنجب السوريون النازحون في لبنان فقط والمسجلين في المفوضية العليا لشؤون اللاجئين 198 ألف طفل على الأراضي اللبنانية حيث أن العدد ارتفع 10% عن العام الماضي بحسب إحصائيات المكتب الإعلامي للمفوضية.
إنجاب الأطفال أزمة ...
الإحصاءات الدقيقة والمسوح الموثوقة تغيب عن سورية منذ ثلاث سنوات تقريباً بحسب ما أكده الباحث الاقتصادي والمهتم بملف السكان الدكتور شادي الأشقر لافتاً إلى أن الواقع الاقتصادي يلعب دوراً في إنجاب الأطفال، لكن حجم هذا الدور يعود إلى المستوى الثقافي والاجتماعي للزوجين، فمن الملاحظ أنه كلما زاد الفقر وتدنى المستوى الثقافي، زاد عدد أفراد الأسرة لأسباب تتعلق بالمحرمات الدينية وعدم امتلاك ثقافة تحديد النسل.
وأضاف الأشقر عدد الولادات قبل الحرب، وصل إلى 670 ألف ولادة، في وقت كان يبلغ عدد سكان سوريا نحو 23 مليوناً، وفق المكتب المركزي للإحصاء، أي بفارق نحو 270 ألف ولادة عن المسجلين في عام 2019 موضحاً أنّ الأرقام التي يعلن عنها تشمل بعض المناطق، ما يعني أن هناك جزء كبير من سورية والسوريين، لم تشملهم الإحصائية.
مشيراً إلى أن إنجاب الأطفال في ظل التدهور الذي تعيشه سورية على مختلف الأصعدة، هو أزمة بحد ذاتها فهذا الجيل يأتي الى بلاد دمرت، ويموت فيها المئات شهرياً، لذلك تتطلب سورية تغيير حقيقي يجتمع على إنجاحها كل السوريين على مختلف مكوناتهم لإنقاذ مستقبل أبنائهم.
تراجعت معدلات الزواج لدى 47% من السكان أثناء الأزمة، بينما ارتفع المعدل لدى نسبة 26% منهم، ويأتي هذا التراجع نتيجة الظروف الصعبة، وارتفاع تكاليف المعيشة وغياب عوامل الاستقرار. أما معدلات الطلاق فقد ارتفعت إلى نسبة 24% لدى السكان.

 

سيريا ديلي نيوز- نور ملحم


التعليقات