لربما سيصبح ارتياد الأسواق فناً من فنون التعذيب النفسي في ظل زيادة الأسعار فأصبحنا بحاجة إلى إقامة جمعية أو سحب قرض -كما يقول مواطنون-.
وكأنه من كوكب آخر.. تبدو مشاعر المواطن متلاطمة عند ذهابه إلى التسوق هذه الأيام، يقضي فترة تسوقه بفرك عينيه وتعاطيه المهدئات والتحسر على حاله وشتم تجار الأزمة، لينتهي به الحال في آخر المطاف إلى عودته خاوي الوفاض من دون شراء أي قطعة، فلديه ملابس قديمة لاتزال صالحة للاستعمال بعد إجراء بعض التصليحات عليها، ممنياً نفسه بكنز القناعة الذي لا يفنى… فهل من المعقول أن ترتفع أسعار الملابس أكثر من 50% في أقل من شهر؟ ولاسيما بعد عودة المحال التجارية للعمل بقرار فك الحظر الجزئي..؟ فالتجار يحاولون تعويض خسارة تعطلهم، فأين هي الرقابة؟
فحش وغلاء
تسرع أم عامر إلى واجهة أحد المحال للتدقيق بسعر أحد القمصان الرجالية المعروضة ظناً منها أن عيونها «غبشت» فأصبحت ترى أصفاراً إضافية، لكنها تكتشف أنها لاتزال شابة ونظراتها ثاقبة فسعر القميص الرجالي 110 آلاف حقاً!! تفقد سيطرتها على لسانها وتصرخ معبرة: «يعني معقول من الذهب مصنعينه؟ شو هالفحش بالأسعار.. وين الرقابة؟ بدي أفهم مين بدو يشتري هيك قميص؟».
ينما بدت أسارير أحد المواطنين عند إصدار قرار إغلاق محلات الملابس بسبب الكورونا قائلاً بشماتة: «إن شاء الله ما بتفتح محلات التجار، فهل من المعقول كل هذا الفحش في الأسعار؟».
ووصل سعر الكنزة النسائية الى 12 ألف ليرة، والبنطال الجينز الرجالي الى 30 ألف في حده الأدنى، وتراوح سعر المانطو النسائي ما بين 50 ألفاً و65 ألف ليرة في محلات الصالحية والطلياني.
ارتفاع أسعار الملابس كان يمكن حله سابقاً باللجوء إلى «سوق الفقراء» لكن هذا لم يعد ينفع، فقد طال الغلاء سوق البالة أيضاً، فأصبحت تبدو اليوم شبه خالية، إذ وصل سعر القميص إلى 4 آلاف بعد أن كان يباع في أحسن الأحوال بـ400 ليرة ووصل سعر بنطال الجينز إلى 4 آلاف، بينما بات ثمن الحذاء 7500 ليرة.
الصناعي ماهر الزيات أكد أن تكلفة الألبسة تختلف من معمل لآخر ومن موديل إلى آخر، ولا يمكن التسعير بسعر واحد لجميع الألبسة والأقمشة، مشيراً إلى أن المحلل للأسعار قبل الأزمة وبعدها يتبين له أن الأسعار حالياً أرخص مما كانت عليه قبل الأزمة، لكن انخفاض قيمة الليرة والدخل لدى المواطن هو ما جعل الأسعار تبدو مرتفعة.
وأكد الزيات أن أغلب الأقمشة مستوردة، ولا يوجد سوى نوع واحد من الأقمشة القطنية مصنع محلياً، إضافة لكون جميع المستلزمات الأخرى من خيط وإكسسوارات وكرتون وحبر مستوردة، مشيراً إلى أن البنية التحتية للصناعة تأذت وهي بحاجة إلى وقت لتتعافى، إضافة إلى قلة الإنتاج، ففي اليوم الواحد يتم إنتاج 500 إلى 700 قطعة، بينما كان الإنتاج لايقل عن 3 آلاف قطعة.
ورأى الزيات أنه لا يتم ضبط أسعار الملابس إلا بوجود المنافسة وليس من خلال العقوبات التي يقوم بها عناصر التموين أحياناً، فما يحكم تجارة الملابس قانون العرض والطلب فقط.
قلة البيع
الخازن في غرفة دمشق محمد الحلاق أكد وجود صنفين من التجار أحدهم يبيع بأقل من سعر التكلفة لحاجته لسيولة نقدية لتسديد ما لديه من التزامات، وآخر يبيع بأسعار مرتفعة جداً، ولكن بسبب ضعف المبيعات فهو بالكاد يجني أرباحه، ولا سيما أن الألبسة باتت تعد في المرتبة الثالثة على سلم الأولويات بعد الغذاء والطبابة بالنسبة للمواطن، فهناك مواطنون لم يشتروا أي قطعة ملابس منذ عامين بسبب ارتفاع سعر كل شيء.
وأكد الحلاق أن الكثير من المعامل حالياً تعمل ليومين أو ثلاثة فقط، وتبيع على القطعة فقط بسبب مستجد كورونا الذي أثر على التصريف والاستهلاك، مشيراً الى أن أسعار الملابس حالياً غير متناسبة مع الدخل لكنها في الوقت نفسه أقل بكثير مما يجب أن تكون عليه بسبب ارتفاع تكلفتها.
الحلقة الأضعف المواطن
عضو غرفة تجارة حلب محمد الصباغ كان شفافاً إلى حد ما، فقد اعترف بأن كل مصاريف القطعة التي تقع على الصناعي والتاجر من رواتب عمال ومصاريف استيراد ومواد أولية ورسوم جمركية وكهرباء وإيجارات و.. يدفع ثمنها المواطن في نهاية المطاف، فالتاجر من المستحيل أن يخسر وكذلك الصناعي، وكل ما اختلف على الصناعي والتاجر بأن نسبة أرباحهم انخفضت فقط لا غير، فالذي كان يربح مليوناً يومياً أصبح يربح 500 ألف بسبب قلة المبيعات.
وأكد أنه خلال جولاته على أكثر من محافظة لاحظ توقف 9% من الماكينات والمنشآت بسبب عدم وجود منافذ وأسواق خارجية للتصدير بالدول الصديقة ولا في الدول التي كان يتم التصدير لها، فتجد 1% فقط من التجار الذين يقومون بالتصدير، متسائلاً من المسؤول عن تباطؤ تصدير ألبسة الصناعات النسيجية ؟
ورأى أن هناك حلقة مفقودة ما بين الصناعي والمستهلك ألا وهي التاجر الذي لا يقبل بأن تكون أرباحه أقل من 25 الى 50% وحجته بفرض أسعار مرتفعة.
عدم وجود أسواق تصريف في الداخل ولا في الخارج، فلا أحد يشتري حالياً سوى المضطر أو الذي يقوم بالتجهيز للحفلات والأعراس، لذا فلديه قناعة تامة بأنه مهما خفض من أرباحه لن تكون هناك قدرة شرائية لدى المواطن، فيقوم برفع سعره ليؤمن مصاريف محله من أجار وعمال وكهرباء و..، بينما الصناعي فأسعار مستلزمات تكلفة إنتاجه من خيوط وإكسسوارات ومواد قطع تبديل الآلات قد ارتفعت.
ورأى الصباغ الحل في التدخل الحكومي السريع لدعم قطاع الصناعة الذي كان يؤمن أكثر من 27% دعم لخزينة الدولة قبل الأزمة، وذلك من خلال تخفيض الرسوم الجمركية والنفقات الحكومية من فوائد وغرامات تأخير بمقدار 50% إضافة إلى تأمين أسواق خارجية للتصدير، ناهيك بالنزول على أرض الواقع ومعالجة المشاكل بشكل حقيقي بعيداً عن الإغلاقات والتشميع والمصادرة التي تقوم بها عناصر حماية المستهلك ظناً منها ضبط الأسعار.
حماية المستهلك أكدت أن أغلب التجار يقومون بطبع كروت أسعار على الألبسة بأسعار مرتفعة جداً ليعلنوا عن تخفيضها في موسم التنزيلات بشكل يضمن ربحهم الأكيد، مشيرة إلى أن إجراءات وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك تقتصر على سحب عينات من الألبسة في حال الشك بارتفاع سعرها وفي حال الشكوى، فالمراقب التمويني لا يستطيع ضبط الأسعار فهو على غير دراية بالتكلفة الحقيقة للمنتج كما أن المنتج يعمل على تغطية نفقاته ضمن الفاتورة، لذا فهو يقوم بسحب عينة عند وجود سعر مرتفع للغاية.
وأضافت: في حال تم سحب عينة يقوم بعرضها على لجنة دراسة الألبسة الجاهزة المؤلفة من مندوب عن غرفة التجارة والصناعة والحرفيين وجمعية حماية المستهلك التي تقوم بدراسة التكلفة وتقرر المخالفة، إضافة لكتابة تعهد على المنتج بعدم تكرار الموضوع ثانية، مشيرة إلى أنه مهما كانت الأسعار منخفضة فلن تتناسب مع القوة الشرائية والدخل لدى المواطن.
سيريا ديلي نيوز
2020-09-01 19:03:55