سلّط مركز دمشق للأبحاث الضوء على موضوع إصلاح الدعم، وذلك في ورقة سياسات نشرها أمس، بيّن فيها أن رفع الدعم الآن وكل أن مسألة خطرة إذا لم يترافق بمظلة من الإجراءات الحكومية التي تساعد على الخروج الآمن، وفي مقدمتها التمكين الاقتصادي.
كما أن رفعه «بالصدمة» يمكن أن يكون كارثياً، فالرفع إذا تمّ يجب أن يكون تدريجياً وانتقائياً لبعض الجوانب، وضمن حزم وبعد دراسة تأثيراته المتوقعة، ويجب التمييز بين الدعم الاجتماعي ودعم الإنتاج والمنتجين، فبعض القطاعات يجب الاستمرار في دعمها مقابل أخرى يكون دعمها آنياً أو مرحلياً، كما يحتاج إلى رفع الدعم إلى حزمة متكاملة من السياسات (ضرائب، أجور، موازنة عامة للدولة، إدارة إنفاق وإيرادات…) وإلا فسيكون المردود السلبيّ قاسياً جداً.
وبسبب الورقة، فإن منعكسات العلاج الصادم في المجتمعات الهشة خطرة جداً، لذا يجب العمل على عقلنة الدعم ووضعه في سياقه الصحيح، وضمان وصوله إلى مستحقيه، وهذا يجب أن يكون مشروعَ دولة وجزءاً من خطة ورؤية حكومية، هذه الرؤية مفقودة اليوم.
 
سيناريوهات وسياسات الدعم
بيّنت الورقة أنه يمكن التفكير في سياسات الدعم عبر أربعة سيناريوهات، أولها هو السيناريو الاستمراري، أي الاستمرار بالآليات الحالية، وهو أمر غير قابل للاستدامة، إذ إن مشكلات الدعم الحالية سوف تستمر، ويمكن أن تتفاقم في الأمدين المتوسط والبعيد.
أما السيناريو الثاني، فهو الرفع التدريجي، وهو سيناريو طويل الأمد، لأن متطلبات تحقيقه تتوقف على أهداف وسياسات التنمية على المدى الطويل، ويقوم على التمكين للناس اقتصادياً شيئاً فشيئاً، بحيث نصل إلى مرحلة التوازن بين الدخول والأسعار ومرحلة قطاعات اقتصادية متطورة قادرة على المنافسة.
السيناريو الثالث هو الرفع بالصدمة، وهو أسوأ السيناريوهات، ويقوم على رفع الدعم بشكل فجائي من دون حساب المفاعيل والتأثيرات الاجتماعية أو السياسية أو الاحتجاجية لهذا الإجراء، وهذا ما حدث عام 2010.
السيناريو الأخير هو الإصلاحي، ويقوم على الاستمرار بالدعم مع إصلاح آلياته الحالية، ووصوله إلى مستحقيه، والتفكير بموارد أخرى لدعم الموازنة العامة للدولة، وهو سيناريو مركب يجمع بكفاءة بين الاحتفاظ بالحدّ الأدنى للمسؤوليات الاجتماعية للدولة وتخفيف تأثير الضغوط والتشوهات الكلية التي يســببها الدعم على المدى الطويل.
إصلاح الدعم
إن تطبيق السيناريو الإصلاحي يستدعي تبني وتنفيذ سياسات إصلاحية كحزمة واحدة، تشكل بمجملها مساراً واضحاً وشفافاً يحقق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية بشكل عقلاني ومدروس.
والمطلوب بحسب الورقة على المدى القريب والمتوسط، تصحيح تشوهات وأخطاء حسابات الدعم، وهي خطوة استهلالية للوقوف على الحجم الحقيقي للدعم وتقييم تأثيره في المواطنين والقطاعات المدعومة والموازنة العامة للدولة، إضافة إلى تبني آليات استهداف شفافة ومتطورة لإيصال الدعم لمستحقيه، فالآليات الحالية يشوبها الكثير من أوجه الفساد والبيروقراطية.
ومطلوب أيضاً حصر مكونات الدعم وتقسيمها إلى مكونات شمولية ومكونات استهدافية، إذ إن معظم مكونات الدعم الحالية تتسم بالشمولية في التغطية ولا تميّز بين فقير وغني، ومن ثم لا تؤدي دوراً واضحاً في تخفيف سوء عدالة التوزيع، إضافة إلى تخفيض الفجوة بين الدخول والأسعار (تكاليف المعيشة) ليس بزيادة الرواتب والأجور فحسب؛ بل بخلق فرص عمل ومصادر دخل جديدة، والقضية الأهم في هذه السياسة ليس المفاضلة بين زيادة الرواتب والأجور أو خلق فرص عمل، بل السياستان مطلوبتان لتحقيق هدف تحسين الأحوال المعيشية.
كما طلبت الورقة منهجية سليمة وواضحة لصنع السياسات العامة وتسلسلها، فمن المفترض أن تبنى السياسات المالية والنقدية لتحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية، وليس أن تتحكم السياسات المالية والنقدية بسياسات وأهداف التنمية الأخرى، فمنهجية صنع السياسات العامة الحالية غير واضحة وغير مترابطة.
أما على المدى البعيد، فتُعد سياسات رفع الدعم جزءاً من منظومة التنمية التي لا يتم تنفيذها وتحقيقها إلا على المدى الطويل، ورغم الفعالية النسبية لسياسات الدعم وأهميتها، وبخاصة في الدول التي تمر بحروب وأزمات، ودورها في تحقيق الأهداف المنشودة في الأجل القصير، إلا أن الواقع العملي برهَنَ على أن الاستمرار فيها على المدى الطويل تترتبُ عليه جملة من التداعيات، منها تشجيع وزيادة استهلاك السلع والخدمات التي يشملها الدعم، وتسريع وتيرة نمو النفقات العامة وتشجيع التهريب، وتباطؤ نمو الموارد العامة، إضافة إلى التشوهات السعرية للسلع عبر الحدود.
علاوة على ذلك، وفي ضوء التحديات المالية التي تواجهها اقتصادات الدول النامية، ومنها سورية، فقد أصبح من الصعب الاستمرار في تمويل التكلفة المرتفعة لبرامج الدعم الذي أصبح يزاحم تمويل الاستثمار العام في البنى التحتية والاجتماعية كالنقل والبنية التحتية، والتعليم، والرعاية الصحية.
في ظل هذه التداعيات ازدادت الحاجة لإعادة النظر في نظم الدعم الحكومي في معظم البلدان والتدرج في خطوات إصلاحية على المدى البعيد لمنظومة الدعم، بشكل يخفف من التأثيرات السلبية في الفئات السكانية والقطاعات المتضررة، ليس من منظور اجتماعي وتنموي فحسب؛ بل من منظور سياسيّ، فعادةً ما تترافق إجراءات رفع الدعم بحراك شعبي رافض لهذه التدخلات، كما حدث في بلدان عديدة (تونس، مصر، الأردن.. وغيرها).
 
في هذا الخصوص ركزت أغلبية الدول النامية على إصلاح الدعم الذي يشكل عبئاً على الموازنة العامة مثل دعم الطاقة الذي بات يقتطع جزءاً من الموارد العامة.
هذا التحول السياساتي الذي انتهجته بعض الدول هَدَفَ إلى ضبط وترشيد الدعم وإعادة هيكلته والانتقال إلى وسائل بديلة، مع ضرورة الأخذ بالحسبان أن بعض أشكال الدَّعم باقية ومبررة مع بقاء الحالة التي استدعاها تبني سياسة الدعم كدعم بعض أوجه الإنتاج والتصدير وهي متغيرة ومتبدلة حسب الحاجة، ودعم الأسر والفئات الأكثر هشاشة، إضافة إلى ضرورة استمرار ممارسة الدولة لمسؤولياتها الاجتماعية في الصحة والتعليم وكفالة الفئات الهشة من السكان.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات