لم تتمكن مختلف الدول من حل أزمات السكن لديها بمجرد النية والرغبة، بل اتجهوا جميعا إلى جعل السياسة الإسكانية، جزءا من استراتيجية الدولة الشاملة في إصلاح الاقتصاد وتنمية المجتمع.
وعلى الأغلب لن يلبث أي مسؤول في وزارة الإسكان أن يسمع بكلمة «استراتيجية» حتى يقول «إننا نعمل على وضع استراتيجية سكنية متكاملة»، تلك الاستراتيجية التي تم الحديث عنها لأول مرة منذ عام 2008 وحتى اليوم أي بعد 10 سنوات، وفي ظل الانتصارات العسكرية والسياسية التي حققتها سورية لا تزال تلك الاستراتيجية الحديث المفضل لمسؤولي الوزارة.
يقول الباحث العقاري عمار يوسف: «إن المراقب للوضع الإسكاني العام في سورية، وخاصة في فترة الحرب التي وصل فيها حجم الدمار إلى ملايين المساكن بما فيها المدمرة بالكامل أو بشكل جزئي، أو المناطق السكنية التي دمرت فيها البنى التحتية، يلاحظ أن وزارة الإسكان ومن خلال ذراعها التنفيذية المؤسسة العامة للإسكان، لم تقم بأي عمل يستحق الذكر، خاصةً وأن المؤسسة قامت بتخصيص المساكن المكتتب عليها في السكن الشبابي وتلك العمالية، ونقول هنا تخصيص وليس تسليم، والفرق كبير بين الأمرين، إذ أن التخصيص لا يعني دخول هذا المسكن في الاستثمار العقاري الفعلي، بل هو من مبدأ ذرّ الرماد في العيون والإيحاء بأن وزارة الإسكان تعمل مع العلم أن التخصيص لا يتجاوز ال 500 مسكن، في وقت تحتاج فيه سورية إلى ما يزيد عن أربعة ملايين مسكن».
ويشير إلى أن «هذا الأمر لا يقتصر على العام الماضي، بل هي حالة مستمرة من عدم الإنجاز على مدى عقود طويلة».
«تطور إسكاني» بالتصريحات الكلامية
يعتقد العديد من المتابعين للشأن العقاري أن التطور الملحوظ في عمل الوزارة خلال العام الماضي، اقتصر خلال فترة الأزمة على دور وحيد، هو إجراء المؤتمرات الصحفية وورشات العمل والمعارض ومذكرات التفاهم، التي لا تسمن ولا تغني عن جوع.
وهنا يؤكد يوسف على أن «السمة الواضحة هي السمة التنظيرية، والتي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تؤدي إلى إعادة الإعمار».
وأكد أن «السير بهذه الطريقة في العمل الإسكاني سوف يرفع مدة إعادة الإعمار في سورية إلى ما يقارب خمسين عاماً».
سبب الفشل
وأما حول سبب فشل الوزراة على مدى السنوات الماضية، فيشير الخبراء إلى أن السبب الرئيسي في الفشل هو «العقلية المسيطرة على وزارة الإسكان، وهي ذهنية عفا عليها الزمان، تبدأ من اعتماد الإسكان على فكرة أنها مسؤولة عن 7% فقط من الخطة الإسكانية في سورية، وتتخلى عن النسبة الباقية للجمعيات وتجار القطاع الخاص، من دون أن تقدّم لهم أي تسهيلات من أراضٍ معدة للبناء أو توجيه تلك الفعاليات لإعادة الإعمار نتيجة ظروف الحرب، وهي تقف على الحياد تماماً، ويقتصر عملها في المرحلة الحالية على إعطاء التصريحات والتسويف والتنظير على المواطن، ولا ننسى فروقات الأسعار غير المقبولة التي تعتمدها المؤسسة العامة للإسكان، لتسعير المساكن الجديدة المخصصة وغير المستلمة».
فشل كامل!
اجتمع عدد من الأساتذة الجامعيين والاقتصاديين، على رأي وحيد عند سؤالهم عن نجاحات الوزارة خلال العام الماضي، وعلى ما يبدو أن الفشل طغى على المشهد، بحيث لا يمكن التحدث عن النجاح.
وهنا قال الباحث يوسف «لا يوجد ما يمكن تسميته نجاحاً بأي شكل من الأشكال، بل على العكس تماماً هنالك فشل كامل، ومسيطر على كافة مفاصل الوزارة وعلى واقعها العملي، خاصة في ظل هذا العدد الكبير من النازحين والمهجرين الذي دمرت مساكنهم، والذي لا يوجد لديهم أي مأوى»، لافتاً إلى أن «هذا العدد الكبير هو الترجمة الفعلية لحالة الفشل وعدم الإنجاز»، متسائلا عن معنى «تخصيص 500 مسكن في ظل دمار يعادل ثلاثة ملايين مسكن، وحاجة فعلية إلى ما يزيد عن أربعة ملايين مسكن»!
مشكلة قديمة
لا يتردد أي خبير عقاري يُسأل عن أزمة السكن، في أن يقول إنها «أزمة سورية الأزلية».
فقد أشار الخبير العقاري رياض كحالة إلى أن «الطلب الكبير على وحدات السكن، مشكلة سورية الأزلية، خاصة عندما يكون الطلب أكبر من العرض، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع أسعار العقارات».
وأضاف «بغياب التمويل طويل الأمد والفوائد الرمزية، تعاني الأسر ذات الدخل المحدود من تأمين سكن، خاصةً بعد أن يتزوج الأبناء ويأتي دور الأحفاد، ومع ظروف الحرب على سورية والهجرة الجماعية إلى داخل سوريه وخارجها، وإخلاء مناطق سكنيه بكاملها، زاد الطلب بشكل كبير مع غياب العرض الذي يخلق التوازن».
كما رأى أنه «بغياب التمويل اللازم لم تستطع الوزارة تلبية الطلب المتنامي على الوحدات السكنية، ولم تتمكن الوزارة من تلافي هذا العجز لأن العمل يجري بوتيرة متواضعة».
وأكد كحالة أن «مشاريع تنظيم للسكن الفاخر مثل منطقه جنوب الرازي جاءت بوقت غير مناسب، وتحتاج لبعض الوقت لحين توازن دخل الطبقة المتوسطة قياسا لما كان عليه العام 2010».
سيريا ديلي نيوز
2019-01-09 21:08:23