تستمر أسعار الذهب بالتخبط عالمياً ليؤثر سعره مباشرة على السوق السورية، ومن ثم يتعبد طريق التهريب من وإلى الدول المجاورة، حيث الأرباح السريعة وتأمين القطع الأجنبي بات أهم من الحفاظ على المخزون الحقيقي للذهب داخل البلاد.

 فتيات يعملن في تهريب الذهب

لم يتردد أبو مازن (صاحب ورشة لتصنيع الذهب) في التصريح لـ «الأيام» عن استغلال بعض تجار الذهب خلال السنوات الماضية العديد من الفتيات لتهريب الذهب السوري إلى دول الجوار، كاشفاً عن الطريقة المتّبعة في التهريب بالقول: تقوم الفتاه بوضع عدد من المشغولات الذهبية (سوار وخاتم وسلاسل وقرطاً) لتغادر البلاد برفقة أحد الأشخاص الموثوقين من قبل التاجر بحيث تكون مهمته توصيل هذه المشغولات وتسليمها إلى التاجر المقصود في البلد المجاور.

ويضيف أبو مازن قائلاً: إن العملية تتم ضمن الاتفاق على مبلغ محدد يختلف من مرة إلى أخرى، وذلك بحسب الكمية المهربة، والبلد المقصود التهريب إليه، فالفتاة التي تسافر إلى لبنان غير الفتاة التي تسافر إلى دولة خليجية، لافتاً إلى أن جميع الجهات المعنية في سورية تعلم بأن الصاغة يعيشون من تهريب الذهب، لاسيما في ظل ما تعيشه البلاد، وعرقلة قوانين استيراد الذهب الخام وتصدير المشغول منه، ومن لديه سبائك خام، لن يقدم على التصريح عنها، لعدة أسباب: أهمّها أن الصاغة يعتبرونها مخزوناً لهم في أوقات الشدة، ومن ناحية ثانية، لا أحد يرشد الحرامي إلى خزنته، فالظرف الأمني لا يساعد، وكل كيلوغرام من الذهب يساوي 8 ملايين ليرة.

ويتابع أبو مازن بأن الذهب السوري مرغوب بشكل كبير في لبنان والعراق ومصر وإيران والجزائر، فهو يتميز عن غيره في الدول المجاورة. والحرفيون السوريون هم الوحيدون الذين يصنعون أنواع «كسر شفت، والمباريم» التي تحمل اسم الحرفي ودمغة الجمعية، والعيارات 21 لـ «أساور الجدل، وأساور مبطن والجنازير، وعيار 18 للسلاسل والطوق والخواتم»، كاشفاً عن أن الأتراك حاولوا تقليدها في بلدهم إلا أنهم فشلوا ولم يستطيعوا المنافسة.

150 ألف ليرة… أرباح كيلو المهرب

في سياق متصل يتحدث عبد الخالق تاجر ذهب في سوق الحريقة لـ «الأيام» قائلا: إن الظروف التي تمر بها البلاد حوّلت الاتجاهات، حيث أصبح السوريون يبيعون الذهب المشغول، في حين يتجه من يريد الادخار إلى شراء الليرات الذهبية فقط، ويضيف: «نحن كتجار نبيع الذهب الفائض لدينا لتجار الكسر من أصحاب الملاءة المالية، ممن يقومون عبر قنواتهم الخاصة بتهريبه، بعد صبه في سبائك، وكونه سريع الذوبان لا يمكن معرفة مصدره أو دمغته»، ويقول عبد الخالق إنه فيما لو أرادت الحكومة قطع الطريق على عمليات التهريب لكان بإمكانها شراء الذهب من التجار، ومن ثم التوجه إلى تصديره وتأمين القطع الأجنبي، أو تعزيز احتياطي الذهب لديها، لأنها على علم أن التجار في النتيجة لا يكدسونه في بيوتهم إنما يقومون بتهريبه.

وأشار عبد الخالق إلى أن عمليات التهريب انتشرت في بداية الأزمة بأرباحٍ بسيطة لا تتجاوز 15 ألف ليرة للكيلو الواحد، لتتضاعف اليوم وتصل الأرباح المحققة من تهريب كل كيلو غرام ذهب إلى ما يقارب 150 ألف ليرة سورية، في حين أن التكلفة لا تتجاوز 10 آلاف ليرة، لافتاً إلى أن ذهب محافظة حمص تم تهريبه بشكل كامل إلى لبنان حين كانت تحت سيطرة المسلحين، في حين تم تهريب (75%) من ذهب حلب إلى تركيا.

  تهريب طن واحد كل يوم

وفي الوقت الذي تنفي فيه جمعية الصاغة وجود عمليات تهريب إلى دول الجوار، قدّر رئيس جمعية الصاغة السابق جورج صارجي تهريب الذهب إلى دول الجوار بحوالي طن يومياً أي ما يقدر بـ 360 طناً سنوياً، ما يعني أن ما يهرّب سنوياً من الذهب يزيد عن 14 ضعف احتياطي المركزي من المعدن النفيس والمقدر وفق مجلس الذهب العالمي بـ 26 طناً، والأمر ذاته سبق وأكد عليه وزير المالية السابق محمد الجليلاتي بقوله إن ما يهم الصياغ هو التهريب، وذلك في تعليقه على مطالبهم بتخفيض الرسوم الجمركية أسوةً بالدول المجاورة، من دون تحريك أي ساكن لضبط عمليات التهريب، التي باتت حقيقة طالما أن جميع أطرافها معترفون بحدوثها.

 الجمارك تكشف الكميات المهربة

مصدر مسؤول من مديرية الجمارك بدمشق  أكد لـ «الأيام» أنه تم ضبط 4 قضايا خلال عام 2018 قيمتها مجتمعة بحدود 12 مليون ليرة سورية، كما تم ضبط  كمية سبعة كيلوغرامات من الذهب الصافي أثناء محاولة تهريبها إلى لبنان، داخل سيارة سياحية لبنانية يقودها سائق لبناني الجنسية، وبحسب المصدر فإنه في عام (2016- 2017)، تم ضبط تاجر في مطار دمشق الدولي يحاول تهريب سبائك ذهبية بقيمة 250 ألف دولار، كما تم القبض على مسافر وبحوزته 100 كيلو قادم من دبي، لافتاً إلى وجود عمليات تهريب ولكن لا توجد أرقام دقيقة لدى المديرية، لأن عمليات التهريب تتم عبر المناطق التي كانت تقع تحت سيطرة المسلحين.

من جهته، يؤكد المحلل الاقتصادي علي الأحمد لـ «الأيام» أن التهريب ليس مستجداً على الاقتصاد السوري، فهو استمرار لحالة الفوضى الاقتصادية التي كانت سائدة وصورة مصغرة للاحتكار، موضحاً أنه من المتعارف عليه منذ عشرات السنوات أن الصاغة لا يستوردون الذهب نتيجةً لارتفاع الرسوم الجمركية حيث يتكلف الصاغة حوالي (250) ألف ليرة لكل كيلو ذهب خام يتم استيراده، في حين تصل رسوم الذهب المصنّع إلى (80%). وإذا كان سعر الكيلو 5 ملايين ليرة فرسمه يصل إلى 4 ملايين ليرة، ليتجه العاملون في هذه المهنة إلى التهريب، وبذلك يتم التهرب من الضرائب والرسوم، إضافة لتفريغ البلاد من أهم حافظ للقيمة وهو الذهب.

ليس الذهب هو السلعة التي انتشرت عمليات تهريبها إلى دول الجوار، إنما هي جزء من مئات السلع التي تاجر بها ضعاف النفوس وراكموا ثروات من ورائها خلال الحرب، وكله في النهاية كان على حساب المصلحة الوطنية والاقتصاد وعلى حساب المواطن أيضا

سيريا ديلي نيوز- نور ملحم


التعليقات