تمكنت إيران من خلال تواجدها الاقتصادي الجديد في سورية من رفع سوية علاقاتها الاقتصادية معها بعدما كانت تعاني من مشاكل هيكلية واستثمارات منخفضة بالرغم من كثرة الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين، وقد تأثر الميزان التجاري الإيراني إيجابا بالعلاقات التجارية مع سورية خلال فترة الحرب، وتحديدا من ناحية الصادرات، وقد ارتفعت قيمة التجارة الإيرانية من 361 مليون دولار في عام 2011 إلى حوالي 869 مليون دولار في 2017، وأدى ارتفاع الصادرات الإيرانية إلى سورية بشكل مطّرد إلى تحول سورية لسوق تصريفية للمنتجات الإيرانية لتصبح الشريك التجاري الأول لسورية.
وعلى الرغم من التسهيلات المالية الكبيرة التي قدمتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى سورية، فقد تسلل بعض ضعاف النفوس السوريين عبر بنود اتفاقية الخط الائتماني بين البلدين ليحققوا مكاسب شخصية، مستغلين نفوذهم ومدعومين من بعض الفاسدين في البلد، الأمر الذي حول تلك الاتفاقية إلى مسرح للفساد للكثير من السلع المستوردة بناء عليها كالشاي والحديد والسكر والأرز وغيرها، حيث امتدت أذرع أخطبوطات الفساد إلى اتفاقية الخط الائتماني الإيراني السوري فكيف حدث ذلك؟ وما هي السلع التي طالتها يد الفساد؟
المضمون القانوني والاقتصادي لخط الائتمان
صُدقت اتفاقية خط التسهيل الائتماني الأول بين سورية وإيران في طهران بتاريخ 16/1/2013، وكانت قيمة خط التسهيل 1 مليار دولار أمريكي أو ما يعادله من العملات الأجنبية، وهدف خط التسهيل إلى استيراد بضائع وسلع (ذات منشأ إيراني حصرا)، وتنفيذ مشاريع بين البلدين، وكانت الجهات المنفذة للاتفاقية هي المصرف التجاري السوري وبنك تنمية الصادرات الإيراني، وفي عام 2015 أعيد تصديق الاتفاقية وتم توقيعها في دمشق بتاريخ 19/5/2015، وبقيمة 1 مليار دولار أمريكي أيضاً ولذات الأهداف الاقتصادية.
ووفق بنود الاتفاقات يجب أن تكون 60% من السلع المشتراة ذات منشأ إيراني، يمكن للأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين الاستفادة من هذه الاتفاقية سواء كانوا بائعين أو مشترين (إيرانيين أو سوريين)، ويمكن شراء المواد الأولية والبضاعة الاستهلاكية والبضاعة الرأسمالية، وتنفيذ مشاريع، ونصّت الاتفاقية على تقسيم المبلغ إلى قسمين: الأول، 500 مليون دولار من قيمة التسهيل تقدم للموّرد بالعملة الإيرانية، و500 مليون دولار المتبقية تقدم للشاري وفق شروط الاتفاقية الفنية.
وقصدت الاتفاقية بالتمويل القصير الأجل بأنه التسهيل الائتماني المقدم من بنك تنمية الصادرات الإيراني، الذي تكون المدة القصوى لسداده عامين ونصف، والتمويل المتوسط الأجل هو التسهيل الائتماني المقدم من بنك تنمية الصادرات الإيراني الذي تكون المدة القصوى لسداده سبعة أعوام.
عين على الاقتصاد السوري
حصلت إيران على استثمارات مميزة وسريعة الربح مثل رخصة خط الجوال الثالث، واستثمارات استراتيجية في مناجم الفوسفات بخنيفيس، وعقود لبناء مصفاة نفط كبرى قرب مدينة حمص بطاقة تكريرية 140 ألف برميل يومياً، وعلى الرغم من ذلك فإن المشغل الخليوي الثالث لم ير النور، ومحطة التكرير لم تولد بعد وذلك بفعل ظروف الحرب.
كما ساهمت الشركات الإيرانية بشكل كبير في المعارض المقامة في دمشق لأغراض إعادة الإعمار، ووقعت عقوداً مهمة في هذا المجال إذ بلغت القيمة المالية للعقود الموقعة بين شركة «مبنا غروب» الإيرانية مع وزارة الكهرباء السورية في عام 2016 حوالي تريليون ليرة سورية.
وبالإضافة إلى الاستثمارات والمشاركات التجارية فقد دعمت إيران سورية مالياً بمبالغ وصلت إلى حوالي 5.6 مليار دولار لوقف العجز المالي في الموازنة العامة لسورية، وتجنب توقف المؤسسات عن العمل. كما قامت بمد الأسواق السورية بالمواد الغذائية خلال السنوات السبع الماضية من خلال إدخال مواد كانت ممنوعة نتيجة العقوبات الاقتصادية على سورية.
كرت بلانش
تعد اتفاقية الخط الائتماني الإيراني بين سورية وإيران بمثابة كرت بلانش في يد الحكومة السورية، ولكن على ما يبدو أن الفساد ما زال يتغلغل في نفوس الكثير من الذين يجلسون على الكراسي، ولهم يد في إدارة تلك الاتفاقية، وانطلاقا من ذلك يقول مصدر مطلع في وزارة الصناعة لـ «الأيام»: إن الكثير من المواد التي دخلت إلى سورية عبر خط الائتمان، كانت غير مطابقة للمواصفات والمقاييس الدولية المعتمدة لدى سورية، وقد تمت صفقات عديدة بعلم اللجنة الاقتصادية، منها صفقة واحد طن من الشاي والتي اعترض على إدخالها العديد من المعنيين لعدم مطابقتها للمواصفات، إلا أن أحد أعضاء اللجنة الاقتصادية وهو وزير مالية سابق قد فرض إتمامها وقد شبه ذلك المسؤول تلك الصفقة بقوله: «عندما يقدم لك جارك طبق من البرغل عليك قبوله حتى ولو كان خامم». ومن ثم قام ذلك المسؤول ببيع الشاي إلى وزارة الدفاع!!
وأضاف المصدر قائلا: إن الحكومة السورية كانت تجد صعوبة في شراء السلع الغذائية بسبب العقوبات المفروضة عليها، مما جعلها تتبع أسلوبا جديدا في مناقصات شراء السكر والأرز والطحين، عن طريق استخدام بنك تنمية الصادرات الإيراني لدفع الثمن، ونتيجة لذلك فقد تم عقد مناقصات من قبل المؤسسة العامة للتجارة الخارجية في سورية، لشراء 150 ألف طن من السكر، و50 ألف طن من الأرز، و25 ألف طن من الدقيق وسلع غذائية أخرى، باستخدام خط ائتمان من إيران وتم استيرادها ولكنها لم تكن مطابقة للمواصفات أيضاً.
ولم يكتفِ ضعاف النفوس بإدخال المواد الغذائية الفاسدة للبلد، بل امتد الأمر ليشمل المواد الداخلة في البناء فكانت صفقة الحديد المنفذة على اتفاقية الخط الائتماني أيضاً، والتي تم إيقافها في ميناء طرطوس بداية الأمر لعدم قدرتها على تحمل الزلازل، أي أنها كانت مخالفة للمواصفات أيضاً.
بضائع فاسدة…
في سياق متصل يقول التاجر محمد الحجلي لـ «الأيام» أن مصلحة الدولة السورية تقتضي مد اليد إلى الجانب الإيراني للعمل معه، والاستفادة من خبرته في إدارة الأزمات الاقتصادية، خصوصاً أن إيران عانت لعقود طويلة من العقوبات والحصار الاقتصادي، واستطاعت التغلب عليها وبناء اقتصاد ضخم مقاوم للأزمات، لافتاً إلى أنه من الممكن الاستفادة من الخبرات الإيرانية، في كافة مجالات إعادة إعمار سورية والنهوض بها،
إلا أن الكثيرين من الذين استفادوا من خط الائتمان الإيراني، باستيراد السلع قد استوردوا السلع الرديئة لسورية، والتي باتت تملأ أسواق المحافظات، علما أنه كان بإمكانهم جلب النوعيات الجيدة من السلع.
ويؤكد الحجلي أن التسهيلات التي وفرتها السلطات السورية هي التي تشجع التجار على استيراد المواد الغذائية من إيران، وموضحاً أن الأجور الرمزية التي تُستوفى عند المنافذ الحدودية عند إدخال البضائع تُعد محفزاً آخر على التعامل مع إيران، متسائلاً «لماذا لم يتم العمل بطريقة جيدة واستيراد سلع ذات نوعية ممتازة؟»
وبحسب الحجلي فإن المنتجات التي جرى التعاقد عليها وتثبيت كمياتها على الخط الائتماني الإيراني، قد أدى ضخها في الأسواق إلى توفر السلع وتخفيض الأسعار. فالمواد المستوردة من إيران غير ممنوعة من الاستيراد من قبل القطاع الخاص، وبالتالي ستخلق منافسة بين سلع القطاع الخاص، والسلع القادمة من الخط الائتماني الإيراني، مما ينعكس إيجاباً على المواطن، وينشط عمل مؤسسات التدخل الإيجابي، حيث سيلاحظ المواطن عودة القطاع العام للنشاط من خلال تقديم السلع بأسعار معقولة ومقبولة للجميع.
مواد مقبولة وليست ممتازة
يقول الحجلي: إن معظم المواد الغذائية المستوردة من خط الائتمان هي مواد مقبولة، وليست من الصنف الممتاز. لأن مؤسسات القطاع العام تتولى عملية استلام هذه البضائع فور وصولها لتباشر بيعها عبر منافذها، كمؤسسة الخزن والتسويق والمؤسسة الاستهلاكية، ومن الجدير بالذكر أنه لا يوجد هناك سقف زمني للخط الائتماني الإيراني، ويتم استخدامه وفق احتياجات السوق عندما تستدعي الضرورة له، لافتاً إلى أن الفائدة عائدة على الطرفين الإيراني والسوري، من خلال تنشيط عمل الشركات الإيرانية، واستفادة السوق السورية من المواد والسلع التي ستورد من هذا الخط بأسعار مقبولة. ولفت الحجلي إلى أن التعاون الاقتصادي بين البلدين قديم ومعزز منذ إنشاء اللجنة العليا السورية الإيرانية، التي يرأسها رؤساء وزراء البلدين والتي تجتمع سنوياً مرة في طهران ومرة في دمشق، بمشاركة عدد كبير من الوزارات السيادية والمختصة. إن الاجتماعات المتكررة التي سبقت الحرب على سورية أنتجت الكثير من الاتفاقيات بين البلدين، ورفعت قيمة التبادل التجاري والتعاون الصناعي الذي وصل إلى حد الصناعات الثقيلة وخير مثال عليها معمل السيارات المشترك بين البلدين. وختم الحجلي مؤكداً أن التعاون الكبير الذي سبق مرحلة الحرب ولم ينقطع خلالها، وفي أوج استعارها، من المؤكد أنه سيكون على مستويات أكبر في الفترات الأخيرة منها وما بعدها.
6 مليارات دولار دعم إيراني لسورية
مصدر من المصرف التجاري السوري أكد لـ «الأيام» أنه تم تخصيص ما يقرب من 6 مليارات دولار، على شكل اعتمادات مالية مخصصة للتجارة بين سورية وإيران، لكن ليس من الواضح حتى الآن ما هي المبالغ التي صرفت منها. مع أن زيادة الاعتمادات إلى ثلاثة أضعاف عما جاء في الاتفاقيات، يدل على زيادة الحاجة إلى اعتمادات أكبر لتلبية التجارة وحاجة السوق المحلية. ومع أن هذه الاعتمادات خصصت خلال الفترة من 2012 وحتى 2015، فإننا نستطيع حساب حجم التجارة بين البلدين خلال تلك الفترة، والتوصل إلى تقدير حجم التجارة الرسمية بين البلدين. حيث بلغت قيمة السلع الإيرانية التي تم تصديرها إلى سورية منذ عام 2012 حتى الشهر الثامن عام 2017، حوالي مليار و313 مليون دولار، أما واردات إيران من سورية خلال نفس الفترة فلم تتجاوز 91 مليون دولار، وهذا يعني أن الميزان التجاري الإيراني السوري رابح لمصلحة إيران بقيمة 222 مليون دولار. وتُظهر قائمة السلع أيضا أن معظم واردات إيران من سورية هي زيت الزيتون، والبذور الزيتية والتوابل والنفط، وفي المقابل تستورد سورية من إيران المعدات الطبية والصناعية، والفولاذ والحديد ومواد البناء وبعض السلع الغذائية.
لقد أصبح مصير المواطن السوري عالقاً بين حرب قاسية حطمته، وفاسدين مستغلين يعملون على تحطيمه يومياً. فاسدون يستغلون مليارات الدولارات لتحقيق مكاسب مالية شخصية فقط، دون الرأفة بالاقتصاد الوطني أو بالبشر الذين يعيشون في ظله، فحتى العلاقات التجارية الخارجية راح ضحيتها المواطن في نهاية المطاف.
سيريا ديلي نيوز- نور ملحم
2018-06-30 11:59:29