تنتشر العديد من الملخصات لأغلب المناهج الدراسية في المكتبات مذيّلة بأسماء مدرّسين ومدرسات دأبوا على إعدادها، وتجار مكتبات شجعوا على وجودها على رفوف مكتباتهم للمتاجرة بها، وبالمقابل يعتمد الكثير من أبنائنا الطلبة عليها، وذلك ظناً منهم أنها توفر الوقت والجهد، وتوصلهم للمعلومة التي يريدون، متناسين “وغير مدركين” مخاطرها وتبعاتها، وهنا يستوقفنا السؤال عن مدى صحة المعلومات الواردة بها، ومن المسؤول عن انتشارها الواسع، والأهم من ذلك هل تعتبر المرجع الأساسي للطالب، وهل هي لمصلحته؟!
كثافة المنهاج وغياب الشرح!
توجد كثافة بمعلومات المنهاج، ولاسيما لمواد مثل الاجتماعيات، والعلوم، ما يجعلنا نعتمد على الملخصات لتوفير الوقت والجهد، نتعب من الحفظ، ولا يوجد لدينا وقت كاف، ونعتمدها لحل المسائل في المواد العلمية، ولحل التمارين في اللغات فهي تساعدنا، وذلك لغياب الشرح الكافي والوافي من قبل بعض المدرّسين، هي مبررات، لخصها لنا بعض الطلاب في اعتمادهم على تلك الملخصات، في حين أن بعضهم الآخر يفضل المعاهد والساعات الخاصة للحصول على معلومات أدق وأصح، وفهم أعمق.
ترويج لاسم ما!
وبالمقابل أجمع العديد من الأهل على أن الملخصات ترويج لاسم مدرّس ما، ويرتاح لها الطالب كثيراً كونها ملخصة، وتتضمن أهم المعلومات من وجهة نظره، ولم يخفوا أن أغلبها يحوي أخطاء، ووجودها مع الطالب يسبب ضعف اجتهاده لحل سؤال ما أو مسألة ما، إضافة إلى اعتماد الطالب عليها بالحل السريع دون التفكير بالإجابة، ويعتمد أبناؤنا عليها بسبب عدم القدرة على الساعات الخاصة /حسب تعبيرهم/، وترى أم دانيال بأن تلك الملخصات لا تغني عن الكتاب، ويمكن اعتمادها من قبل الطالب الذي بدأ بالمادة متأخراً، ويمكن له أن يراجع معلوماته من النوطة بعد الانتهاء من المادة كملخص هام وليس كبديل.
وجهان لعملة واحدة
بسام الصافتلي، دكتور في المناهج وأصول التدريس بكلية التربية في جامعة طرطوس، رأى أن النوط من المسلمات التي يلجأ إليها الأهل، خاصة في شهادتي التعليم الأساسي والثانوي، وذلك لإسعاف أبنائهم الذين أدمنوا الدروس الخصوصية من جهة، ومعالجة حالة إخفاقهم العلمي نتيجة صعوبة بعض المناهج الدراسية الجديدة، وقصور أداء فئة من المدرّسين من جهة ثانية، وبهذا نرى أن النوط مع الدروس الخصوصية وجهان لعملة واحدة هي غياب الضمير المهني الأخلاقي لبعض المدرّسين.
شبكة تجارية
تنتشر تلك الملخصات بشكل كبير في المكتبات، ولا يدرك الطالب مدى صحتها، هنا يوضح الدكتور الصافتلي أن انتشارها يعود للمدرّس الذي يكتبها، ومدى مصداقيته وأمانته العلمية، وتمكنه من مادته وخبرته المهنية، وخاصة في مجال تحديد المهم من المعلومات الواردة في المنهاج الدراسي، والتي هي عادة تشتمل على أسئلة الامتحان النهائي ذات الصفة النمطية والتقليدية، ولعل العامل الأكبر في انتشارها يعود لتشجيع أصحاب المكتبات في زيادة فرص الربح لديهم من خلال إقامة شبكة تجارية مع بعض المدرّسين ذوي الخبرة والسمعة الحسنة بهدف التسويق لهؤلاء المدرّسين من جهة، وزيادة نسبة مبيعهم للنوط من جهة أخرى، وهذه الظاهرة تنعكس بشكل سلبي على مستوى الطلاب العلمي، وتخلق لديهم حالة من الجمود العقلي، والكسل الفكري، وتجعلهم متكئين بشكل دائم عليها بسبب شعورهم النفسي بأنها طوق النجاة الوحيد لنجاحهم نهاية كل عام دراسي، وخاصة لدى بعض الطلاب ذوي المستوى التحصيلي الدراسي المتدني.
غير خاضعة للإشراف
وبدورها أكدت روضة أسعد، موجهة اختصاص لغة عربية في مديرية التربية بطرطوس، على أن المرجع الأساسي للطالب هو الكتاب، وعلى الطالب أن يمر بمراحل تملكه المهارات التي تؤهله للوصول إلى الإجابة بالشكل الصحيح كون المناهج غايتها تمليك المهارات وليس تحفيظ المعلومات، مشيرة إلى عدم خضوع تلك الملخصات لإشراف مختصين شأنها شأن التأليف بأي مجال كان، كما لفتت إلى وجود أخطاء في الملخصات، وبمجملها مضرة للطالب لأنها تحفظه المعلومات، وهي أدنى مهارات التفكير، ولا يسعى إليها المنهج الدراسي.
تأثير سلبي
ولتلك الملخصات تأثير على حضور الطالب وتركيزه، وهنا تبيّن أسعد أن لها تأثيراً على أكثر من صعيد، وأكثر من جانب في شخصية الطالب، ومنها عدم الانتباه في الصف، وامتلاك الطالب للمعلومة قد يؤثر على أقرانه، وعدم إتاحة الفرصة لزملائه في الإجابة، ويمكن أن تحدث فوضى في الصف كونه يعرف الإجابة، وبالتالي لا ينضبط، كما أن استخدامها يؤدي إلى الندية مع المدرّس داخل الصف، وفيها تجميد للعقل، وانعدام لمهارات التفكير لدى الطالب، مبيّنة أن البحث والاستكشاف يجعل من الطالب عالماً، بينما الاعتماد على الشيء الجاهز يحوله إلى ذاكرة تملأ وتفرغ بما يشاء، ويمكن تلافي هذه الظاهرة /حسب موجهة الاختصاص/ من خلال الطرائق التي يستخدمها المدرّس في الصف، والتركيز على مهارة التحليل، فإن كان الطالب يحفظ الإجابة، على المدرّس أن يسأله (كيف ولماذا) حتى يتأكد، ومن خلال التعلّم الجمعي تكون لدى الطالب فرصة للتحليل والتفكير مع أقرانه، ولابد من اعتماد بعض المناهج الدراسية على المهارات الحسية.
شركاء في تحمّل المسؤولية
وتتحمّل مسؤولية انتشار هذه الظاهرة أكثر من جهة، وبرأي أسعد أن أولها المدرّس في الحصة الذي لا يمتلك كفاءة تؤهله للإجابة الصحيحة، وتمليك الطالب المهارات اللازمة للوصول إلى المعلومات، والمدرّس التاجر الذي يحتفظ بالمعلومات للمتاجرة بها، إضافة إلى دور الأهل في تقليد ما هو موجود عند الغير، كما أن الأقساط العالية للجامعات الخاصة تؤدي إلى تجنبها، والدخول إلى جامعات الدولة، ولكثافة المعلومات لبعض المناهج دور يجعل الطالب يلجأ لتلك الملخصات، ومازالت الكثير من مفردات الورقة الامتحانية لمعظم المواد تقيس مهارة الحفظ أكثر من بقية المهارات العليا، ووجهت الموجهة التربوية الطلاب بالاعتماد على الفهم، والتركيز والهدوء، وللقلة من المدرّسين في الميدان التربوي، عليهم بالانضباط الأخلاقي، والالتزام بالتوجيهات الوزارية من حيث تطبيق الطرائق والأنشطة التي تملك الطالب مهارات التحليل والاستكشاف والتطبيق.
تجميد عقل الطالب
ومن جهته اعتبر حسن محمد، مدير ثانوية الشهيد مصطفى خلوف، أن تلك الملخصات اجتهادات شخصية من قبل بعض المدرّسين، تؤثر سلباً على الطالب لأنه يأخذ معلومات متناقضة من عدة مصادر، ما يؤدي إلى امتلاكه معلومات مشوشة، وبالتالي تفوته حيوية ومرونة الحلول التي يعطيها المدرّس، ولاسيما أنها تتضمن أكثر من طريقة للحل، وتسهيل قواعد الحل، ما يجعل الطالب قادراً على حل أية مسألة مشابهة، وعندما يعتمد الطالب على الملخصات، وعند تغير الأرقام، يقف الطالب عاجزاً عن الحل.
تعزيز الثقة
ووجه محمد بتعزيز ثقة الطالب مع المدرسة باعتبارها المرشد والموجه والمعلم المضمون علمياً، والمراقب من قبل الوزارة، وعلى المدرّسين العمل على تعزيز ثقة الطالب بهم، والعمل بوجدانية وجدية أفضل، فالطالب المشاغب يفقد الصف هدوءه وأجواءه العلمية كونه أخذ الدرس في المنزل، ويأتي إلى المدرسة ليرتاح.
لو كانت الملخصات مفيدة للطالب لشكّلت لجنة من الوزارة لطبعها وتوزيعها بين أيدي أبنائنا، هذا ما أشارت إليه ميساء دكدوك، مرشدة نفسية، وأضافت: على المدرّس أن يكون ناصحاً للطالب ومراقباً له، ورأى نبيل خضر، مدرّس لغة انكليزية، أن تلك الملخصات قد تفيد الطالب الذي يسعى للنجاح فقط، وعندما يسعى للتفوق عليه الالتزام بالكتاب، وعلى الطالب الاعتماد على الذات في الحصول على المعلومة، والبحث عنها لترسخ في فكره.
الثقة المتبادلة
العمل التربوي يعتمد على يقظة الوجدان وصحوة الضمير، وما على الأهل سوى مراقبة أبنائهم، وتوجيههم، ومساعدتهم من وقت لآخر، وتدريب الطالب على الحل بنفسه أولاً، ثم تصويب الأخطاء من المدرّس في المدرسة الذي يشرح ويوضح أين الصح والخطأ، كما يتوجب على بعض المدرّسين ألا يبخلوا بالمعلومات التي يمتلكونها على طلابهم حتى لا يسلك الطالب طريقاً آخر لامتلاك المعلومة، وذلك لتنشئة جيل منفتح متمكن معتمداً على ذاته وواثقاً بنفسه وبمدرّسيه
سيريا ديلي نيوز
2018-05-07 20:47:17