خديجة معلا - قد أكون الزائرة رقم 2000، فالتوقيت لا زال باكراً، والساعة لم تتجاوز العاشرة صباحاً، والجميع هنا في القصر العدلي يجمع أنه قد لا يمضي يوم عمل إلا وردهاته تستقبل ما لا يقل عن 7 آلاف ما بين مراجع وموظف و ...
سبعة آلاف يتوزعون على طوابق أربعة بكتلتين إسمنتيتين، لو توقف الأمر على موظفيها الـ 920 لما عانى ذلك القصر من ساكنيه، لكن والحال كذلك فإن مبنى بـ14 طابقاً بالكاد كان ليتسع لزوارهما!
إن استفسرت عن وجع المكان أخبروك بضيقه، كلمه تختصر كل شيء، ولولا الضيق لكانت حملة صيانة من دهان وعزل وإنارة و.. كفيلة بإعادة رونقه.
ومع أن التغذية الكهربائية لا تنقطع عنه من الشبكة الرئيسية أو عبر مولدات، إلا أن ردهاته مظلمة، وأقبيته عفنة، وحماماته نتنة وأسقفه رطبة، وأدراجه متشحة بالسواد، وجدرانه حدث ولا حرج أما أثاثه فقديم ويحتاج إلى تبديل .
تجولت في طوابقه صعوداً ونزولاً، وفي كل مرّة كنت أنسى فيها وضع يدي على أنفي عند المرور قربها، كانت الروائح المنبعثة من حماماته تذكرني بها، والظريف ما همس به أحدهم من أن حمامات نقابة المحامين في المبنى نفسه أشبه بخمس نجوم تجاه غيرها، لذلك يرتادها كبار موظفي المحاكم.
لا لوحات دلالة في القصر العدلي، ولا أعلم كم على الزائر أن يسأل حتى يصل إلى المحكمة بغيته، فالغرف دون تسميات وإن وجد فكرتونة معلقة بخط اليد، وبعضها ممزق.
لا يمكنك أن تستثني ردهة أو بهواً أو غرفة ومكتباً من الازدحام في القصر العدلي، إلّا الدوائر الإدارية والمحاسبية، لكنك تستطيع أن تفاضل بالمركز الأول الذي تستحوذ عليه المحكمة الشرعية التي راهن المحاميان نضال الشبلي وفائز مصطفى على الازدحام الذي يتولد إن أغلق بابها عشر دقائق، وهذه المحكمة التي فيها قاضيان وقوس، وتضم علاوة على بقية المحاكم كونها عصب الحياة جميع المعاملات الإدارية من مخالعة طلاق زواج و.. إلخ.
مفتاحنا إلى القصر العدلي كان المستودع (ذاكرة القصر)، لم نكن بحاجة إلى خارطة دلالة إليه، قادنا الازدحام إلى حيث المستودع في وجيبة الطابق الأرضي، غرفة بباب حديدي وآلاف المستندات (مستفة) على الرفوف حول جدران الغرفة، وفي الواجهة رجل واحد يرنو الجميع إليه، حاولت التقاط صورة للمشهد عن بعد غير أن يدي الراجفة خانتني إذ لا يليق باسمي أو باسم الصحيفة التي أعمل بها إلا دخول القصر من أبوابه.
تركت المستودع على عجل، واتجهت إلى مكتب السيد المحامي العام لبيب عليا، رجل في العقد الخامس من العمر معرفتي به تعود إلى عشرين عاماً مضى، كان ودوداً سمح المحيّا منحنا صك المرور مشكوراً.
ورغم حصولي على الموافقة وإعلامنا بها كل من التقيناه من الموظفين، لكن أيّاً منهم لم يطمئن قلبه للإدلاء بأي تصريح قبل التأكد بنفسه من مكتب المحامي العام، الذي تلقى منهم عشرات الاتصالات في ذلك اليوم القصير.
بداية الدوام في القصر العدلي مثل نهايته، أكاد أجزم أن الجميع وراء مكتبه، الاكتظاظ بالمكاتب والموظف كان السمة البارزة، والبصمة المطبقة على نظام الدوام منذ عدة سنوات على أرجح تقدير كانت ضامنة هذا الالتزام.
فمقابل 6000 آلاف مراجع يومي للقصر العدلي ليس قليلاً أن يسيّر معاملاتهم 920 موظفاً، هو الرقم الذي زودتنا به رئيسة الموارد البشرية السيدة لميس معروفة، وهو أمر ذو حدين، فالالتزام نظام، لكن ضيق المكان يوقع بحيرة في تدبير أماكن الجلوس ولا سيما للعاملين الجدد الذي ينتظرون مباشرتهم دون مكاتب.
دائرة النسخ غرفة واحدة فيها 15 موظفاً وموظفة، كل منهم ينسخ ما لا يقل عن 30 كتاباً، وحليمة عبود رئيسة الدائرة تشير بيدها إلى وجيبة الطابق الأول، ففيه تجد مخرجاً لهذا الضيق عبر إنشاء غرفة زجاجية أو قرميدية أو .. تزيد عرض مكاتب النسخ والكاتب بالعدل ومحكمتي المدني والجزاء بمعدل مترين إلى ثلاثة وهو حل لا ينطبق على الطوابق الثلاثة العليا.
ياسر عسيلي قال: رغم أننا محامو عبور غير أن التواجد اليومي لنا في القصر العدلي يجعلنا شركاء بالتعايش بهمومه ومشاكله، فهو يضيق بمن فيه، قاعات المحاكمات غير صالحة إطلاقاً، مزدحمة تضيق على القضاة والموظفين والمتقاضين حتى الأقواس بلا مقاعد، وهذه أبسط المقومات التي ينبغي توفرها، وأين هي مما هو متوفر في المدن الفرعية مثل محاكم بانياس وجبلة..؟
وليد توفيق حوّا سألناه عن أماكن الازدحام فعدّ لنا وأحصينا التنفيذ المدني والمحكمة الشرعية وديوان النيابة وكل الدواوين كافة وغرف القضاة والدوائر الأخرى التي لم يستثنَ منها شيئاً!
قاضٍ لم يشأ ذكر اسمه (ولا سيما أن التعليمات الوزارية تملي عليهم الامتناع عن الإدلاء بالأحاديث الصحفية) أوجز بأن المكان قديم جداً، ومتصدع، وغير قابل للاستخدام، وقال: هذا المبنى الذي يعود بناؤه لعام 1980 بات ضيقاً اليوم بحكم الازدياد الطبيعي لعدد الدعاوى والقضاة والموظفين بشكل متناسب مع تعقيدات الحياة ومتغيراتها.
بعض المشاكل استطعنا إيجاد حلٍ لها كالرشح من سقف الطابق الأخير (الرابع) عبر عزله بمبلغ 5ملايين ل.س أصبحت المياه المتسربة تعطب الأضابير، إلاّ أن بقية المشاكل بقيت عصيّة على الحل كوجود القاضي والكاتب والمستخدم والمراجع في غرفة واحدة واختتم ومع هذا (الأمور ماشية والحمد لله).
فراس سلهب مدير التنفيذ تحدث عما يخص دائرته التي هي صالة واحدة بكنتوار يفصل المتعاملين عن الموظفين ويحيط بالجدران رفوف مليئة بمستندات وقرارات هي حصيلة تقاضي سنوات جلبت إلى هذا المكان لتنفيذها.
سلهب قال إنَّ المكان يقصده يومياً 150 مراجعاً على أقل تقدير وهذا يعطي فكرة عن حجم الضغط بصالة ضيقة مثل هذه أكثر ما تضيق على الموظفين قبل المراجعين.
أنيسة حيدر رئيسة ديوان الاستئناف المدني الصلحي الجمركي: ضيق المكان هنا أخذ طابعاً استثنائياً بسبب احتوائه على ديوانين لا يمكن الدخول إلى الثاني إلا عبر المرور بالأول.
سليمان عبيدو رئيس ديوان محكمة الجنايات قال: فصل محكمة الجنايات مؤخراً إلى غرفتين خلق عملاً مضاعفاً لدينا بحسم الأضابير وعدد المراجعين وجعل المكان يضيق بمن فيه من موجودات وأضابير ومساعدين عدليين وقضاة فما بالك والغرفة الواحدة تجمع القوس مع القاضي مع الكاتب و الآذن والمراجع.
أيمن روجيه رئيس المحضرين قال: بسبب ضيق المكان تم نقل المحضرين من مبنى القصر العدلي إلى غرفة خارجية لا تتسع إلا لستة موظفين وبها اليوم 35 محضراً إضافة إلى أربعة موظفين وتتفاقم المشكلة لدى اجتماعهم أثناء تسجيل بريدهم، لا طاولة، لا كرسي مما يضطرهم لتسجيله في الكافيتريا المقابلة أو تحت الدرج والأمر الذي لا يمكن التحايل عليه هو أثناء المطر والبرد.
أنا عبقري
لك هذا اللقب يا أبا مصطفى ( محسن مياسة) يحق لك أن تباهي وفيك شهادات طيبة من مراجعين ومحامين عندما يصفونك بذاكرة القصر العدلي وعندما توصف نفسك بالقول ( أنا عبقري) واضعاً إيّاها في كفة مقارنة ترجح لصالحه مع شعبة أتمتة في الطابق الرابع، وتتفوق عليها بأن المراجع يعطيك اسماً فتخرج معاملته من بين عشرات الآلاف بلمح البصر بيد أن شعبة الأتمتة هذه الموجودة في الطابق الرابع تحتاج أن يلقن موظفها الحاسوب الرقم والتاريخ و.. مجموعة بيانات لو توفرت لما احتاج للاستعانة بالحاسوب ولا لكل هذه الشعبة ليس غروراً منك حسب بعض الشهادات بل هي ثقة بالنفس فالمستودع قبو رطوبته عالية، بلا إنارة تذكر أو تهوية تلهو به بعض الجرذان التي أخبرتنا بها ولا أعلم ما يفيد نكران هذا أمام المحامي العام فمعالجة المشكلة خير من دفنها بين الرمال، أليس كذلك؟!
ما في جعبتنا نقلناه مكتوباً إلى السيد المحامي العام الذي أجابنا على أسئلتنا بالتالي:
* إلى أين وصلت المساعي بتأمين مقر جديد للقصر العدلي؟
** من المعلوم أنه تم تخصيص أرضاً لبناء القصر العدلي تقع في منطقة توسع المشروع العاشر، وتم وضع حجر الأساس له بداية عام 2016، وحالياً الدراسة الفنية للبناء التي تقوم فيه مؤسسة الإنشاءات العسكرية- متاع في مرحلته النهائية، مرحلة إنجازه ستأخذ وقتاً خلال هذه الفترة لا بد من البحث عن مكان آخر،
ومن هنا وبتوجيه من السيد وزير العدل وبالتنسيق مع السيد محافظ اللاذقية والرفيق أمين فرع الحزب بالبحث عن أي مكان قريب من بناء القصر العدلي الحالي لإشغاله كمبنى آخر إضافة للبناء الحالي سواء عن طريق الاستئجار أو حتى البيع لنتمكن من توسيع المحاكم وفتح محاكم اختصاصية ونوعية وزيادة غرف المحاكم التي يوجد فيها كم كبير من الدعاوى القائمة والدعاوى التي ترد بشكل يومي، وإن شاء الله خلال فترة قصيرة (وفق ما وعدنا به) سنتوصل إلى استلام بناء من إحدى الدوائر الحكومية التي ستخلي مقرها وتنتقل إلى مقرها الجديد وسنشغل هذا المقر بشكل مؤقت لتوسيع وزيادة بعض غرف المحاكم إلى حين الانتهاء من بناء القصر العدلي المزمع إشادته في منطقة توسع المشروع العاشر.
* ضيق المكان ينعكس على المحاكم والدواوين قاطبة، ما هو الحل؟
** أكيد ضيق المكان ينعكس سلباً على العامل القضائي وعلى السرعة في الإنجاز وفي تقصير أمد التقاضي لعدم تمكننا من زيادة غرف المحاكم التي يوجد فيها ضغط كبير وأيضاً زيادة الغرف لتأمين مساعدين قضائيين ضرورة عمل المحاكم والذي لهم دور بالسرعة في استكمال إنجاز الدعاوى المحسومة، وما يلزم من عملية نسخ القرار وتسطير مذكرات دعوة وسندات تبليغ وتسجيلها بسجلات خاصة، وترحيل الدعاوى إلى الديوان لتتمكن أطراف الدعوى أو وكلاؤهم من الاطلاع على الدعوى، وعلى القرار الذي حسمت فيه الدعوى، وأحياناً تصوير الدعوى.
* ما وضع المحكمة الشرعية وما الحل؟
** حالياً تم فتح غرفة ثانية للمحكمة الشرعية، ولكونه لا يوجد مكان تم توزيع العمل بين القاضيين بحيث يكون عمل القاضي الأول قاضياً ولائياً يقوم بإصدار الوثائق الشرعية كافة على اختلاف أنواعها من وصاية شرعية وحصر إرث شرعي وتوثيق عقود الزواج وتثبيت الزواج الرضائي وغيرها من الوثائق الشرعية وعمل القاضي الثاني اختصاصه قضائي لتسجيل الدعاوى الشرعية وإدارة جلسة المحكمة وإصدار القرارات الشرعية التي لها طابع الخصومة وهما يجلسان في غرفة واحدة لعدم وجود مكتب شاغر في مبنى القصر العدلي الحالي.
* كثير من المحاكم ليس لديها سوى غرفة واحدة يوجد فيها القاضي والديوان والقوس وعدة مستشارين في مكتب واحد؟!
** في كل المحاكم المؤلفة من قاض منفرد (محاكم الصلح ومحاكم البداية) يوجد فيها القاضي بالغرفة نفسها التي يوجد فيها قوس المحكمة ولكن يوجد الديوان بغرفة مستقلة لضخامة عمله ولا يوجد ديوان بنفس غرفة القوس وغرفة القاضي إلا في محكمة السير والأصول الموجزة التي لا يوجد فيها قوس محاكمة كون الأصول المتبعة فيها هي أصول موجزة وأما باقي الغرف فالديوان فيها مستقل عن مكتب القاضي وقوس المحكمة.
وفي محاكم الاستئناف كل رئيس غرفة له مكتب مستقل ومكتب آخر للمستشارين (وهو فعلاً ضيق) ولكن هذا هو الموجود ويكون في المكتب مستشارين أو ثلاثة مستشارين حسب كل محكمة وعدد المستشارين فيها.
* المستودع لا إنارة، لا أتمتة، لا آلات تصوير..
** المستودع ضيق جداً وكل ثلاثة أشهر تشكل لجنة إتلاف الدعاوى الساقطة بالتقادم وترحيلها لبلدية مدينة اللاذقية، ومع ذلك المكان ضيق لا يتسع للدعاوى المفصولة، ولا للأمانات الجرمية، وتوجد بجانب المستودع غرفة صغيرة كانت مشغولة كديوان للمحضرين ولكون طبيعة عمل المحضرين هي التبليغ خارج المحكمة ولا يتواجدون بالمكتب سوى ساعة في الصباح لاستلام مذكرات التبليغ وذهابهم لتبليغ أصحابه وفق العناوين المبينة في كل مذكرة بعد فرزها من قبل ديوان المحضرين.
وبالتنسيق مع السيد المحافظ تم تسليمنا (برَّاكية) تم وضعها بالحديقة المقابلة للمستودع وتم نقل ديوان المحضرين إليها وتم توسيع المستودع ليشمل ديوان المحضرين السابق بعد أن تم تجهيزه بأبواب ونوافذ حديدية وتم تجهيزه بالرفوف المعدنية اللازمة توجد آلة تصوير بجانب المستودع لا تبعد عنه أكثر من مترين.
وحالياً مشروع الأتمتة بدأ في وثائق ووكالات كتّاب العدل في عدلية اللاذقية و جبلة والقرداحة والحفة والمحاكم التابعة لها وتم أرشفة أكثر من مليون و ثمانمائة ألف وثيقة تعود لعام 1911 وحتى تاريخه وبانتظار تأمين صالة لإطلاق مشروع الأتمتة على أرض الواقع أما بخصوص أتمته المحاكم فإن هذا المشروع في طور التحضير والدراسة في الوزارة.
* 35 محضراً في كولبة صغيرة يضطرون أحياناً لتسجيل البريد تحت الدرج أو الكافتيريا؟
** كما قلنا سابقاً اضطررنا لوضع ديوان المحضرين في كولبة وهي ليست صغيرة، وهي تتسع لأكثر من أربع طاولات، وهي أكبر من مساحة ديوان المحضرين السابق، بسبب ضيق المستودع ولعدم قدرتنا لوضع الدعاوى المحسومة والأمانات الجرمية بالكولبة لضرورة المحافظة عليها من التلف ولكون طبيعة عمل المحضرين هي التبليغ وكل وقتهم هو خارج المحكمة إلا في بدء الدوام الصباحي عند استلام بريدهم وفي نهاية الدوام عند تسليم البريد، ولا يتواجد بديوان المحضرين سوى رئيس الديوان وموظفة الديوان التي تسجل البريد والمحضر المختص بالتبليغ ضمن بناء القصر العدلي.
ونحن بحاجة إلى أكثر من ثلاثين محضر آخر ليتمكن المحضرون من القيام بتبليغ كافة مذكرات التبليغ التي تصل بشكل يومي لديوان المحضرين وخاصة أن المناطق بعيدة عن بعضها وأحياناً يكلف محضر بأكثر من منطقة لنقص العدد ولتوسع مدينة اللاذقية وسنسعى في الفترة المقبلة لتأمين دراجات نارية تسلم لكل محضر ليقوم بالتنقل بواسطة الدراجة لما له من أثر إيجابي في الإسهام بالسرعة في التبليغ وانجاز العمل الكبير الوارد بشكل يومي.
الحمامات ..!
تم تخصيص مستخدمة من ذوي العقود المؤقتة ( ثلاثة أشهر) لكل حمام وتم تكليفها حصراً في تنظيف الحمام وفي بداية الدوام تنظيف الطابق الموجود فيه الحمام أي لكل مستخدمة عليها تنظيف طابق والحمام الموجود فيه بإشراف رئيس الديوان الموجود في الطابق ويتم تسليمها ببداية كل أسبوع مواد التنظيف اللازمة لعملها طيلة فترة الأسبوع وأدوات التنظيف الضرورية لعملها وتحت إشراف رئيس الديوان والمفتشين الكتابيين.
الوحدة
سيريا ديلي نيوز
2018-03-17 13:43:03