الكثير من مدارسنا في ظل الظروف الراهنة تشهد كثافة عددية في أعداد الطلاب في الصف الواحد ناتجة عن هجرة بعض المواطنين إلى المناطق الآمنة، وما يسببه هذا التزاحم من حوادث التدافع التي تؤدي بدورها إلى كسور وأذيات وانتشار ظاهرة القمل والصئبان والجرب بين الطلاب، وكذلك الزيادة الملحوظة في طلبات نقل المعلمين والمدرسين إلى أعمال إدارية نتيجة تحديد مركز العمل لهم في محافظات غير محافظاتهم وغيرها الكثير من الأمور رتبت على الجهات المعنية مضاعفة جهودها وتحمل مسؤوليتها في التصدي لتلك المشكلات ومعالجتها بزيادة ملاكات الأطباء والمساعدات الصحيات والكفاءات العلمية والأطباء الاختصاصيين وتأمين وسائط نقل للفرق الصحية والمثقفات الصحيات لتنفيذ ومتابعة الأعمال في المدارس والمستوصفات بالشكل المطلوب، وهذه المشكلات لم تكن وليدة الحاضر وإنما تعود لسنوات مضت لكنها تفاقمت بشكل أكبر خلال المرحلة الحالية بسبب الحرب وآثارها السلبية على الصحة العامة من جهة، وهجرة الكوادر المتخصصة ونقص العمالة من جهة أخرى..
وبمحاولة تسليط الضوء على قضية صحية مهمة تتعلق بالصحة المدرسية للطلاب وانعكاسها السلبي على الحالة التعليمية في البلاد نجد ان مستوصفات الصحة المدرسية مملوءة بالعلل والمشكلات، وخير نموذج على ذلك مستوصف الصحة المدرسية في صحنايا وأشرفيتها الذي ليس له سوى اسمه نتيجة حشر كادره الطبي والإداري في غرفة صفية واحدة تكاد لاتسعهم بمفردهم، أما المرضى فلا مكان لهم ولا أجهزة ولا معدات وهذا الواقع ينعكس على تقديم الخدمات الصحية للتلاميذ بالشكل المطلوب حسب ماهر حجو وليّ أحد التلاميذ الذي عدّ أن الصحة المدرسية أصبحت شكلاً لا فعلاً.
منار سعيفان نوهت إلى أن المشكلة مع الصحة المدرسية في أنها تقدم خدماتها الصحية لتلاميذ وطلاب ومعلمي ومدرسي عدة بلدات وللكادر الإداري أيضاً، ومع ذلك فلا مقر مستقلاً لها، بل تستخدم إحدى الغرف الصفية بمدرسة الشهيد حسين زين بأشرفية صحنايا بمساحة تقريبية لا تتجاوز 12 متراً مربعاً ضمنها وتضم عدداً من الأطباء والممرضات والإداريين يفوق قدرتها الاستيعابية لدرجة أنهم يصطدمون ببعضهم بعضاً لضيق المكان، علماً بأن المستوصف، كما أوضح المواطن شحادة حباب، يستقبل جميع الإحالات الصحية للطلبة والتلاميذ والمعلمين والمدرسين، ما يضطر الأهالي للجوء إلى المستوصفات الحكومية الأخرى غير المدرسية إذا كانت الحالة علاجية، ناهيك بافتقار مستوصف الصحة المدرسية لأغلب التجهيزات الصحية التي يحتاجها الكادر الطبي.
وأشارت لبنى حناوي الى أنهم كأهال تقدموا بعدة شكاوى إلى الجهات المعنية كي تجد حلاً لهذه المعضلة إلا أنها وللآن لم تلق الجواب الشافي أو أي فعل يساهم في حل هذه المشكلة وخاطبوا مديرية الأبنية المدرسية التي بدورها أشارت إلى أن المشكلة تحتاج تقديم طلب من قبل كادر المستوصف نفسه أو من الصحة المدرسية في تربية ريف دمشق إلى مديرية الأبنية المدرسية ليتم بحث الموضوع في لجنة الخريطة التعليمية، التي تقترح بدورها بناء مستوصف صحة مدرسية من خلال أخذ جزء من إحدى المدارس كمقر للمستوصف ومع ذلك فسيتم طرح الموضوع وإيجاد الحلول المناسبة له إن أمكن وهذا الجواب كان منذ أشهر وللآن لم يجدوا سميعاً ولا مجيباً في ظل ارتفاع أسعار الأدوية بالصيدليات الخاصة وفي ظل ارتفاع المعاينات لدى عيادات الاطباء الخاصة.
وهذه المشكلة تنسحب على منطقة الزبداني، حيث أكد الدكتور ميخائيل نكد، طبيب الصحة المدرسية في المنطقة نقص الكادر الطبي الموجود الذي يقتصر على طبيب واحد بعد أن كان يضم 4 أطباء و6 ممرضات وتقع على عاتقه متابعة ما يقارب 50 مدرسة بكل ما تستوعبه من تلاميذ وطلاب وكادر إداري، وتتم معالجتهم في غرفة صفية في مدرسة شفيق جبري بعد أن كان للصحة المدرسية مستوصف كامل مجهز بالمعدات الطبية والدواء ولكنه تهدم بفعل الإرهاب.
وفي منطقة قدسيا يقتصر عمل الصحة المدرسية على جولات محدودة على بعض المدارس ويقوم المعلمون والمعلمات بعمل مشرفي الصحة المدرسية بالتفتيش الدوري على الطلاب والطالبات حول النظافة والأظافر وموضوع انتشار القمل والصئبان، مع العلم أن هناك حالات كثيرة لانتشار القمل بين الطلاب في مدارس المنطقة ويعمل المعلمون على توعية الطلاب والأهل وتثقيفهم حول دور النظافة في التخلص من القمل.
وبشكل عام تفتقر مستوصفات الصحة المدرسية إلى مواد سنية ومعقمات رطبة ومواد تعقيم أخرى ولوحات فحص قدرة بصرية وأجهزة قياس ضغط وسماعات طبية وموازين حرارة إلكترونية وأجهزة تحليل سكر وشامبو للقمل وصابون للجرب وصابون لغسيل الأيدي في المدارس والمواد الكافية لتعقيم الخزانات ودورات المياه وحقائب إسعافية.
من خلال هذا الواقع كان لابد من التوجه إلى مديرية الصحة المدرسية في وزارة التربية لتوضيح أسباب المشكلات المذكورة وحقيقة الوضع.
حيث أكد الدكتور عبد العزيز النهار مدير الصحة المدرسية أن انتشار ظاهرة القمل في المدارس هي بسبب غياب النظافة الشخصية والسلوكيات الخاطئة من قبل التلميذ والأهل والكثافة العالية لعدد الطلاب في الصف الواحد ولاسيما أن الكثيرين منهم من بيئات متعددة ولديهم سلوكيات مختلفة تجاه موضوع النظافة، وظاهرة القمل في المدارس تختلف بين مدرسة وأخرى، حيث تصل نسبة انتشارها مابين 5-15٪ من عدد الطلاب حسب بيئة كل مدرسة ويجب على الأهل التعاون والتعامل مع هذه الظاهرة بعناية والاهتمام بالنظافة، ومرض الجرب نادر في مدارسنا وإن وجدت بعض الحالات فهي فردية، وتقوم المديرية بالمعالجة والتوعية والتثقيف حول النظافة وضرورة غسيل اليدين بالماء والصابون وخاصة عند الإناث، كما تقدم الأدوية اللازمة والشامبو لمعالجة القمل والتخلص منه وتقوم بشراء مواد التنظيف الأخرى وأدوية التخلص من الديدان عن طريق كبسولات توزع على الطلاب في المدارس بعد أخذ موافقة الأهل وتعطى للمعلمين أيضاً ويعد برنامج التلقيح المدرسي جزءاً أساسياً من الحملة الوطنية للتلقيح حيث يوضع وينفذ بالتنسيق مع وزارات الصحة والإدارة المحلية والبيئة والهيئة المركزية للرقابة والتفتيش وفق خطة خاصة به بدءاً من الثلث الرابع من العام ويستكمل بالثلث الأول ويتم تأمين مستلزماته (سيرنكات وحيدة الاستعمال– اللقاحات–كولمانات تبريد– المواد والمحروقات) وقدمت منظمة الصحة العالمية لمديرية الصحة المدرسية 11 براداً تعمل على الطاقة الشمسية لحفظ اللقاحات وزعت على المحافظات، إضافة إلى المستلزمات الأخرى وتقدم الدعم النفسي والاجتماعي، كما تم تقديم أدوية متعددة لمدارس دير الزور عن طريق الجو خلال فترة الحصار، مبيناً أن هناك فحصاً دورياً شاملاً في مطلع العام الدراسي مع تأمين مستلزمات العمل، حسب الإمكانات المتاحة، كما يتم إحصاء الأمراض حسب الجداول الخاصة بها واتخاذ التدابير اللازمة لمكافحتها حسب النتائج وإبلاغ الجهات الصحية الأخرى في الحالات الخاصة التي تستدعي، إضافة إلى أنه تم تخصيص المحافظات بـ39 نوعاً من الأدوية الوقائية النوعية (أدوية التهاب– خافضات ضغط- مضادات كريب وغيرها) تقدر قيمتها بملايين الليرات يقدم بعضها عن طريق المنظمات الدولية والجمعيات الأهلية، وهناك مشروع مع صندوق الأمم المتحدة للسكان يشمل 35 مدرسة 15 منها في ريف دمشق و20 مدرسة في حلب، إضافة إلى 20 مستوصفاً 10 منها في حلب و10 في دمشق يتم تزويدها بالأجهزة اللازمة والشواحن والمكاتب والخزانات والأسرة الطبية وجهاز فلترة ماء وحقائب طوارئ وإسعاف وحواسيب وطابعات ليزرية وجهاز عرض ضوئي وتم استلام الأدوات لتطوير العملية التعليمية والتركيز على النواحي الصحية من خلال الفحص بالمدارس.
وحول موضوع مراقبة المياه في المدارس والتأكد من سلامتها، أشار النهار حسب تشرين إلى أن تلوث مياه الشرب يؤدي إلى الإصابة بأمراض متعددة، كالتهاب الكبد الوبائي والزحار والديدان، كما تعد دورات المياه مصدراً للعديد من الأوبئة، لذلك وجب تضافر وتكامل جهود الأسرة والمدرسة والصحة المدرسية بتعليم الأطفال كيفية الحفاظ على النظافة الشخصية وشرح كيفية ارتياد دورات المياه وغسل الأيدي وكيفية التعامل مع الفضلات ورمي القمامة وفي هذا المجال التأكيد على الأهل ضرورة أن يأخذ الطفل قارورة الماء والسندويش الخاص به من المنزل، مع العلم أن المديرية تقوم بتنظيف خزانات المياه في المدارس مرتين في العام الدراسي ويتم سحب عينات من هذه الخزانات بالتعاون مع وزارة الصحة ومؤسسة المياه لمنع انتشار الأمراض والأوبئة، كما يتم تبديل الخزانات المهترئة والتأكد من سلامة المشارب في المدارس، مع العلم أن المياه الموجودة في المدارس كلها صالحة للشرب ومن شبكات المياه الرئيسة في المدن وفي الريف من الآبار ويتم نقل المياه الى المدارس بوساطة الصهاريج التي يتم التعاقد عليها مع مؤسسة المياه مع المراقبة الدائمة من قبل مؤسسة المياه وهي خالية تماماً من الجراثيم المسببة للأمراض.
وعن دور الذي تلعبه المديرية في الإشراف على عمل ونظافة البوفيهات في المدارس ومراقبتها قال النهار: إن المديرية تقوم بجولات على البوفيهات للتأكد من سلامة المواد الموجودة فيها ومن صلاحيتها للاستخدام مع العلم أن هناك شروطاً ومعايير خاصة لعامل البوفيه عن طريق إجراء التحاليل والفحوصات اللازمة التي تؤكد خلوه من الأمراض المعدية، إضافة إلى ضرورة نظافة المكان ويمنع بيع المواد المكشوفة والسندويش بأنواعها والاقتصار فقط على بيع المواد المغلفة والمعبأة كالعصائر والبسكويت.
أما فيما يتعلق بشروط وآلية نقل الطلاب من التعليم المهني إلى التعليم العام بسبب ظروف صحية بيّن النهار أن مديرية الصحة المدرسية شكلت لجنة مهمتها دراسة أوضاع الطلاب الصحية الخاصة لبيان إمكانية تحويلهم الى التعليم العام نظراً لوضعهم الصحي وفق شروط معينة كفقدان البصر (المكفوف ومن في حكمه) وفقدان أحد الأطراف أو عدم إمكانية استعمال الطرفين العلويين بشكل كامل وطبيعي وعمليات القلب المفتوح وحالات خاصة وهي (التشوه الواضح– أمراض الدم الشديدة- السرطان بشكل عام- الأمراض العضال) وتدرس الحالات المرضية في كل مديرية تربية من قبل اللجنة الطبية الفرعية ويحول الطلاب الذين تنطبق عليهم الشروط السابقة مع كل الثبوتيات الأصلية المثبتة لحالتهم المرضية بشكل كامل إلى اللجنة الطبية المركزية لمعاينتهم وتقرير وضعهم الصحي مع العلم أنه يتم سنوياً تحويل 300 طالب وطالبة من التعليم المهني إلى التعليم العام لأسباب صحية أو بسبب الإصابات الحربية التي تعرض لها بعض الطلاب بفعل الإرهاب.
ومع التوافد الكبير لأعداد من المعلمين إلى المحافظات الآمنة أوضح النهار أن طلبات عدة ترد إلى المديرية لتحويل معلمين إلى أعمال إدارية، مع أن الكثيرين منهم قادرون على التدريس ونظراً لضرورة تنظيم دراسة طلبات المعلمين والمدرسين لتحويلهم إلى أعمال مناسبة لأوضاعهم الصحية يتم تحويل المرضى إلى مديرية الصحة المدرسية (اللجنة الطبية المركزية) للحصول على موافقة وفق الأصول بعد إحالتهم إلى اللجنة الطبية الفرعية المشكلة لهذا الغرض ممن يعانون من أحد الأمراض وبعد فحص المعلم يتم إرفاق الإثباتات والوثائق الأصلية المثبتة للمرض (تقارير طبية مصدقة أصولاً– فحوص مخبرية– شعاعية– الإيكو– التخطيط– المرنان) عند المثول أمام اللجنة الفرعية والمركزية ويتم تشكيل لجنة طبية فرعية مؤلفة من ثلاثة أطباء وتستعين بمن تراه مناسباً من الأطباء الاختصاصيين لدراسة حالات المرضى أصولاً وتتم الاستعانة برأي المشافي التابعة لوزارة الصحة ووزارة التعليم العالي في محافظة دمشق وتحال الطلبات المقبولة الى مديريات التربية وتوضع تحت تصرف مدير التربية لإيجاد المكان المناسب لهم.
وأكد النهار أن التوسع في تطبيق برامج الصحة المدرسية الوقائية وتحسين الخدمات الصحية وتعزيز العناية بصحة الفم والأسنان والتثقيف الصحي وإجراء دراسات ومسوحات شاملة تتناول مختلف المواضيع الصحية الخاصة بهذه الفئة العمرية وانخفاض نسبة التسرب في المناطق المشمولة ببرنامج الغذاء العالمي (ريف دمشق- حلب– طرطوس– الحسكة) تعد هذه المؤشرات كنقاط قوة في عمل المديرية يقابلها العديد من نقاط الضعف والتي يعد في مقدمتها خروج 81 مستوصفاً من أصل العدد الكلي البالغ 228 مستوصفاً، إضافة إلى تأخر تطبيق وتنفيذ المقترحات والتوصيات الناجمة عن الدراسات المختلفة للصحة المدرسية بسبب قلة الكادر الفني والروتين والبيروقراطية في مختلف جهات الدولة ونقص الكفاءات العلمية بسبب الاستقالة أو التقاعد والإيقاف المؤقت لمشاريع الصحة المدرسية الاستثمارية، إذ لا يمكن تجهيز المستوصفات والعيادات التخصصية بالأجهزة الطبية في حين يتعذر وجود طبيب لتشغيل هذه التجهيزات كما يتعذر فتح قاعات منهج صحي مدرسي جديدة بسبب ظروف المدرسة، فالأولوية هي للقاعة الصفية وفيما يتعلق باستخدام غرف صفية في المدارس المذكورة سابقاً او غيرها كبديل عن مستوصفات الصحة المدرسية التي خرجت من الخدمة وتمت سرقة محتوياتها بفعل الارهاب، أشار مدير الصحة المدرسية إلى أن هذا الإجراء مؤقت لحين توافر المكان البديل وهو من أولويات عمل المديرية في الوقت الحالي.
سيريا ديلي نيوز
2017-10-28 11:10:44