تعد فكرة المصلحة العامة الأساس المبرر لقيام الإدارة العامة بسائر نشاطاتها، لذلك لا غرو إن لجأت إلى هذه الفكرة لتبرير مشروعية القرارات التي لا يمكن الاستناد لغير هذا المبرر لإضفاء مشروعية لقرارات تخالف القوانين والأنظمة، فالسلطة التي تتمتع بها الإدارة ليست غاية في ذاتها إنما هي وسيلة لتحقيق الغاية المتمثلة بالمصلحة العامة للمجتمع، فإذا انحرفت الإدارة في استعمال هذه السلطة بإصدار القرارات لتحقيق أهداف تتعارض مع المصلحة العامة فإن قرارها يكون مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة أو الانحراف بها ويعد هذا العيب من أسباب الطعن بالإلغاء التي ترد على القرار الإداري، فكل قرار إداري صدر من جهة غير مختصة أو لعيب في شكله أو لانحراف في السلطة أو لانعدام التعليل أو لمخالفة القانون يشكل تجاوز في استعمال السلطة .

 ويعد القرار الإداري أهم مظهر من مظاهر نشاط وامتيازات السلطة التي تتمتع بها الإدارة وتستمدها من القانون العام وأخطرها، إذ بواسطته تستطيع الإدارة بإرادتها المنفردة على خلاف القواعد العامة في القانون الخاص إنشاء حقوق أو فرض التزامات، ويرجع السبب في ذلك إلى أن الإدارة المصالح العامة والتي يجب تغليبها على المصالح الفردية الخاصة.

 ويكون القرار الإداري معيبا بعيب إساءة استعمال السلطة إذا استعمل رجل الإدارة صلاحياته لتحقيق غاية غير تلك التي حددها القانون ويتصل هذا العيب بنية مصدر القرار وبواعثه، لذلك يقترن هذا العيب بالسلطة التقديرية للإدارة ولا يثار إذا كانت سلطة الإدارة مقيدة بحدود معينة، وإثباته يتطلب أن يبحث القضاء في وجود هذه البواعث وهو غاية بعيدة المنال.

 لذلك أضفي القضاء على هذا العيب الصفة الاحتياطية فلا يبحث في وجوده طالما أن هناك عيب أخر شاب القرار الإداري مثل عيب عدم الاختصاص أو عيب الشكل أو مخالفة القانون.
وإذا كان عيب الانحراف بالسلطة عيب قصدي أو عمدي يتعلق بنية مصدر القرار الذي غالبا ما يكون سيئ النية يعلم أنه سعي إلى غاية بعيدة عن المصلحة العامة أو غير تلك التي حددها القانون فأنه قد يحصل أن لا يقصد مصدر القرار الابتعاد عن المصلحة العامة ألا أنه يخرج على قاعدة تخصيص الأهداف فيكون القرار مشوبا بعيب الانحراف أيضاً.

  • شروط تحقق عيب إساءة استعمال السلطة

 - الشرط الأول: أن تقصد الإدارة بكل أعمالها و تصرفاتها تحقيق الصالح الخاص أي أن تنحرف عن هدفها الأساسي وهو السعي لتحقيق الصالح العام، حيث إنه كقاعدة أن كل تصرف إداري كيفما كانت طبيعته لا يمكن أن يخدم سوى المصلحة العامة التي أصبحت قاعدة آمرة لكل سلطة عمومية دون حاجة أن يقرها المشرع والسلطة الإدارية التنظيمية وحتى مع افتراضنا في حالة تحقيق الهدف، فهناك دائما إمكانية وصم التصرف الإداري بعيب الانحراف في السلطة عن مبدأ تخصيص الأهداف والإجراءات كأن تسعى الإدارة إلى تحقيق خدمة للغير وإرضائه عل خلاف ما يقضي به القانون تحت غطاء المصلحة العامة.

- الشرط الثاني: عدم إضفاء طابع المشروعية على أعمال الإدارة حيث أن تلك الأعمال إذ لم تجر وفق إطار قانوني انتفت عنها المشروعية.

- الشرط الثالث: أن تكون الإدارة قد تعمدت الوصول إلى النتائج التي تقصد تحقيقها أي الخروج عن الصالح العام أو تحقيق الغرض الذي لم يقصده المشرع.

  • صور إساءة استعمال السلطة:

مثلما هو الحال في سائر عيوب القرار الإداري يتخذ عيب الانحراف في استعمال السلطة صورا عده:

أولاً-البعد عن المصلحة العامة:

القانون لم يعط الإدارة السلطات والامتيازات إلا باعتبارها وسائل تساعدها على تحقيق الغاية الأساسية التي تسعى إليها وهي المصلحة العامة

وإذا ما حادت الإدارة عن هذا الهدف لتحقيق مصالح شخصية لا تمت للمصلحة العامة بصلة كمحاباة الغير أو تحقيق غرض خاص أو استخدام السلطة بقصد الانتقام فإن قراراتها تكون معيبة بعيب الانحراف بالسلطة.

ومن الجدير بالذكر في هذا المجال انه لا يكفي في هذا الصدد أن يتحقق نفع لأحد الأشخاص لتحقيق عيب الانحراف فإذا كان النفع أحد النتائج على القرار وليس هو غايته فالقرار ليس معيباً بعيب الانحراف، وتتحقق هذه الصورة في الانحراف في حالات عديدة كالقرار الذي يصدر ببواعث سياسية أو تحدياً لحكم قضائي أو تحايل عليه أو بدافع الانتقام.

ثانياً-مخالفة قاعدة تخصيص الأهداف:

 على الرغم من أن الإدارة تستهدف تحقيق المصلحة العامة دائماً فقد يحدد المشرع للإدارة هدفاً خاصاً يجب أن تسعى قراراتها لتحقيقه وإذا ما خالفت هذا الهدف فإن قرارها يكون معيباً بإساءة استعمال السلطة ولو تذرعت الإدارة بأنها قد قصدت تحقيق المصلحة العامة، وهذا ما يعرف بمبدأ تخصيص الأهداف. وهذا التخصيص قد يتعرف عليه القاضي بالالتجاء إلى النص القانوني الأصلي أو عن طريق التدقيق لروح النص القانوني وما قصد المشرع تحقيقه.

 ثالثاً-إساءة استعمال الإجراءات:

 تحصل هذه الحالة من الانحراف عندما تستبدل الإدارة الإجراءات الإدارية اللازمة لإصدار قرار معين بإجراءات أخرى لتحقيق الهدف الذي تسعى إليه، وتلجأ الإدارة إلى هذا الأسلوب أما لأنها تعتقد أن الإجراء الذي اتبعته لا يمض لتحقيق أهدافها أو أنها سعت إلى التهرب من الإجراءات المطولة أو الشكليات المعقدة
وأياً كانت التبريرات فإن الإدارة تكون قد خالفت الإجراءات التي حددها القانون ويكون تصرفها هذا مشوباً بعيب إساءة السلطة في صورة الانحراف بالإجراءات

 

 

  • إثبات عيب إساءة استعمال السلطة:

 الأصل في عيب الانحراف بالسلطة أن يقع عبء إثباته على عاتق من يدعيه فإن عجز عن ذلك خسر دعواه ولا يجوز للمحكمة أن تتصدى لهذا العيب من تلقاء نفسها، لا سيما وأن القرارات الإدارية تتمتع بقرينة المشروعية وعلى من يدعي مخالفتها للمشروعية إثبات ذلك
وبالنظر لصعوبة موقف المدعي وعجزه في أحيان كثيرة عن إثبات هذا الانحراف ما دام يتعلق بالنواحي النفسية لمصدر القرار، فقد درج القضاء الإداري على أنه إذا كان نص القرار أو ما تضمنه ملف الدعوى من أوراق ومستندات تؤدي إلى إثبات الإساءة أو الانحراف بالسلطة فإنه يجوز للقاضي أن يحكم من تلقاء نفسه بإلغاء القرار دون أن يحمل طالب الإلغاء إقامة الدليل على وقوع الانحراف
كذلك استقر قضاء مجلس الدولة الفرنسي والمصري على قبول الدليل المستمد بكل طرق الإثبات أو الدلالة من مجرد قراءة القرار أو أسبابه التي بني عليها أو من طريقة إصدار القرار وتنفيذه والظروف التي أحاطت به لإثبات عيب الانحراف، وليس في القضاء الاداري العراقي ما يخالف ذلك .
ويمكن للقضاء أن يستدل على وجود الانحراف من الظروف المحيطة بالقرار وتوقيت وطريقة إصداره وتنفيذه، كما يجوز استدعاء الخصوم لسؤالهم عن الوقائع المحيطة باتخاذ القرار للوقوف على أهداف الإدارة وبواعثها إذ أن المهم أن لا يبقى الادعاء بإساءة استعمال السلطة قولاً مرسلاً لا دليل عليه.

 

خريج المعهد الوطني للادارة العامة

بشار مروان الاشقر

 

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات