يعتبر الإرهاب كبنى تنظيمية، وكخيار، انعكاساً لانحطاط الموقف السياسي، ويهدف عموماً إلى خلط الأوراق، وإشاعة الفوضى، لتأمين الظروف المناسبة حتى يتمكن رعاته، وصنّاعه، وممولوه من التحكم بالمسارات، وترتيب الأوضاع بما يعكس مصالحهم، وليس سراً أن قوى الفاشية الجديدة، وأذرعها الإرهابية، وجدت في ظروف الأزمة السورية - وبعد سيادة مفهومي الحسم والإسقاط على المشهد- البيئة المناسبة ليزداد دورها، ويتضاعف تأثيرها، وعليه من الطبيعي أن تكون القوى الإرهابية أول المتضررين من تقدم الخيار السياسي، وأن تستخدم ما تبقى من قوى لديها لعرقلته، ومنعه. فالإرهاب ليس فعلاً إجراميا فقطً، بل له ايضاً وظيفة سياسية؛ و إن كان السلوك الإجرامي، يعكس حالة إفلاس سياسي وأخلاقي وتأكيد جديد على محدودية الخيارات، وانسداد الأفق أمامها.
إن الدرس الأول من التفجيرات الإرهابية الأخيرة في دمشق، هو: أن قوى الإرهاب، باتت في موقع بائس من حيث الفاعلية والتأثير على اتجاه تطور الأزمة السورية، بعد التقدم الذي حصل ويحصل على طريق الحل السياسي، منذ بيان موسكو الثلاثي، وحتى اجتماع آستانا الأخير، وبعد أن فقدت القوى الإرهابية الكثير من مواقعها على الأرض، وبعد عمليات الفرز الجارية في صفوف المسلحين؛ وبعد أن تم حشرها في زاوية ضيقة، إنما تحاول ومن خلال الاستهداف الجبان للتجمعات السكانية المدنية، العودة مجدداً إلى التأثير على تسارع تطور الأحداث، باتجاه العملية السياسية. يعتبر الارهاب منذ البداية بمثابة أداة لتسويق الفوضى الخلاقة.
إن العمليات الارهابية الأخيرة هي بالملموس، رد على الخطى الثابتة، باتجاه تطبيق القرار2254، وخصوصاً ما تثبت في الجولة الرابعة من جنيف، من مناقشة السّلات الأربع بالتزامن والتوازي، وتثبيت حضور المعارضة الوطنية، كمنصات معارضة مؤيدة للحل السياسي كاملة الحقوق، ومخرجات اجتماع أستانا الأخير، والتوافق على آليات مراقبة خرق اتفاق وقف الأعمال العدائية، وإصرار الراعي الروسي على دفع العملية الى الأمام، وقدرته على إيجاد التوافقات، وحرصه على السير في طريق الحل السياسي، باعتبار أن كل هذا الإجراءات هي خطوات ملموسة باتجاه توحيد بنادق السوريين ضد الإرهاب. إن العلاقة بين الحل السياسي والإرهاب، علاقة عكسية مباشرة، فكلما تقدم الحل السياسي، تراجع دور الإرهاب أكثر، وعليه فإن الحرب الجدية على الإرهاب، وتأمين إمكانية القضاء عليه واجتثاثه من جذوره، تمر عبر بوابة الحل السياسي، وبالتالي فإن كل عرقلة للحل السياسي، هي خدمة مباشرة للإرهاب، وكل إسراع بالحل السياسي هو عملياً حرب على الإرهاب؛ وتالياً: إن الموقف العملي من الحل السياسي، هو أهم معايير الموقف الجدي من الإرهاب، لدرجة أنه يمكن القول: إن مصداقية موقف أية قوة أو جهة من الإرهاب، بغض النظر عن الاصطفافات القائمة، إنما تتضح من خلال موقفها العملي، وسلوكها الملموس من الحل السياسي، وأطره التنفيذية، سواء كان مسار جنيف، أو مسار آستانا الداعم له.
سيريا ديلي نيوز
2017-03-26 18:44:12