دون سابق إنذار «كبسة معززة» هدمت عدة منازل بالكامل، في أحد أحياء المخالفات بمنطقة ركن الدين بدمشق. مشهد غير مألوف، لم يعتد سكان الحي رؤيته، ففي السابق كان عمال البلدية يقومون بفتح فتحة في السقف أو أحد الجدران بعد «قبض المعلوم» على حد تعبير أحد العاملين في مجال البناء، بينما كانت تتم «الكبسة» بعد انذار مسبق عن طريق أحد العاملين في البلدية.
سكان الحي، تفاجؤوا أيضاً بحدية التصرف مع قاطني المنازل المخالفة «فهذه المرة الأولى التي نشاهد بها طرد سكان منزل إلى خارجه وهدمه، كان المشهد مأساوياً، فما ذنب هؤلاء، هم استأجروا المنزل من صاحب المخالفة، وعدا ذلك لن يكون لهم مكان يؤيهم بظل ارتفاع أسعار الإيجارات بدمشق».
في مناطق العشوائيات تعتبر إيجارات المنازل رخيصةً نوعاً ما، وتشهد إقبالاً كبيراً من قبل النازحين، سواء للشراء أو الاستئجار، لكن ظروف الحياة الصعبة التي عكستها الحرب على هؤلاء من النواحي جميعها، لم تكن كافيةً لتدمير ما تبقى لهم، حتى جاء قرار المحافظة بالهدم الكامل للمخالفة.
كيف؟
محافظة دمشق لم تتخذ أي إجراء يساعد النازحين في تأمين منازل للسكن، فلم تضبط عملية الإيجار، وتحديد قيمة معينة مناسبة وتركت ذلك لجشع التجار، ولم تنشئ أو تشيد مناطق سكن جديدة، بأسعار معقولة ومناسبة، بل على العكس، بدأت خلال الأزمة الخانقة وبين زخات رصاص الحرب، بإخلاء بعض المناطق بحجة المخطط التنظيمي، كما حصل في كفرسوسة على سبيل المثال، وتركت السكان دون سكن بديل يصارعون الظروف القاتلة.
للقضية بعدٌ آخر، لم تنظر إليه محافظة دمشق، فكيف دخلت مواد البناء هذه إلى مناطق المخالفات؟ وكيف شيَّد بناءٌ كامل في هذه المنطقة وأبنية عدة في مناطق أخرى دون علم البلديات؟، يجيب أحد السكان «يدخلون مواد البناء بالتنسيق مع بعض المتنفذين لقاء مردود مادي معين، بل قام بعض هؤلاء بفتح محلات علناً لتأمين بضائع البناء من بلوك ورمل وسيراميك وجبسم بورد وغير ذلك، دون أن يتعرض لهم أحد، وفي النتيجة تشاد المخالفة وتباع أو تؤجر، وأخيراً تزال، والمستفيد الوحيد هم التجار والفاسدون».
أمور كثيرة غير منطقية، تتم بعلم الحكومة، وبشكل علني وتثبت وقوع المخالفات دون تحريك ساكن، أو بالأحرى «تحريك ساكن حسب البرغي» وفقاً لأحد سكان المنطقة، الذي تابع «كيف تمنح وزارة الكهرباء ووزارة المياه عدادات جديدة لأصحاب المخالفات؟ ثم يقوم المتعهد بتأجير المنازل في مناطق المخالفات استناداً إلى أرقامها؟ والأخطر من ذلك هو تثبيت عملية الاستئجار في البلدية، فمن يكون هنا المسؤول، ومن يحفظ حق المستأجر أو الشاري الذي تم هدم منزله وذنبه الوحيد أنه يبحث عن سقف يأويه؟».
دون إنذار!
مدير دوائر الخدمات في محافظة دمشق، طارق نحاس يعلن في حديث إذاعي: إن المحافظة تعتمد على تاريخ تركيب ساعة الكهرباء أو عداد المياه لتحديد تاريخ إحداث المخالفة، فإن كانت بعد صدور القانون الناظم لمخالفات البناء بتاريخ 20/5/2012، تتم إزالة المخالفة بالكامل.
ويرى نحاس: أنه من حق المحافظة قانونياً إزالة المخالفة كاملةً ولو كانت بناءً كاملاً ودون إنذار مسبق، ولو كان بداخلها سكان، ويقول: «ربما قديماً كان هناك حالات فتح طاقة في الجدار، لكن اليوم المخالفات جميعها تزال بالكامل تماماً طالما تم إثبات وقوعها بعد تاريخ 20/5/2012».
ومن جهته، يرى غسان بكار رئيس النيابة العامة في جرمانا: إن استئجار منزل مخالف وتثبيت عقده في البلدية، والحصول على ساعة كهرباء وعداد مياه، يعتبر مؤشراً على علم أصحاب العلاقة بهذه المخالفة ويجب محاسبتهم أيضاً.
وبحسب بكار فإن «العقوبات تبدأ بالغرامة والحبس من شهر وقد تصل إلى أشغال شاقة لعشرة سنوات وأكثر، ولا يُستثنى أحدُ تثبت مسؤوليته عن المخالفة بمن فيهم العامل صاحب المخالفة والمتعهد والمهندس والمشرف وحتى الوحدات الادارية المتقاعسة».
بحاجة لنظرة خاصة
خلال 5 أعوام تقريباً منذ صدور القانون، شُيّدت بالتأكيد عشرات الأبنية المخالفة، في منطقة ركن الدين، أو في غيرها من مناطق المخالفات والسكن العشوائي، ولم يتم قمع تجار العقارات بأساليب رادعة بشكل كافٍ، والمحافظة اليوم تحاول قمع النتيجة دون حل المشكلة، وتأمين حلول للمتضررين، أو محاولة الأخذ بعين الاعتبار أزمة البلاد.
القانون 40 صدر في السنة الثانية من الحرب، ولم تكن البلاد تشهد حينها هذا الحجم من النزوح والدمار في الأبنية، ولا صعوبةً بالغةً في تأمين لقمة العيش، ما دفع كثيرين للعمل في مجال البناء المخالف، لتأمين مردود مادي بعرق جبينهم، وما يجب القيام به اليوم هو إيجاد حلول تناسب الواقع الراهن، وهنا يؤكد غسان بكار: وجود زيادة في الأبنية المخالفة خاصةً في مناطق النزوح والاكتظاظ السكاني، مابين 15 – 20%، والأسباب هي: النزوح الداخلي وطلبات الإيواء والسكن.
لكن، كل من اشترى أو استأجر منزلاً مخالفاً بعد 20/5/2012، هو مهدد، ويمكن إخراجه من المنزل وهدمه بأية لحظة ولو استأجره منذ أيام فقط وثبت عقد الإيجار في البلدية، ويقول بكار «المشتري ليس له علاقة بالمخالفة، وليس له أي تعويض أيضاً، لكن يمكن أن يرفع دعوى ضد مشيد المخالفة أو من باعه».
النتيجة
- الأجهزة المعنية (محافظة– بلديات) تغيب أثناء إشادة المخالفة، أو يتم تغييبها، فساداً ونفوذاً.
- المخالف والسمسار وتاجر البناء والعقارات، تُحقق أرباحهم المنشودة وتمتلأ جيوبهم.
- القاطن (شاري أو مستأجر) يتم طرده، وتزال المخالفة على حسابه وعلى حساب استقراراه.
- على المتضرر اللجوء للمحاكم، بما يكرس لصراعات وخلافات بين المواطنين أنفسهم عبر أروقة المحاكم، قد تدوم سنين طويلة دون طائل!!.
- أزمة السكن والإسكان مستمرة، والحصول على مأوى صحي بسعر مناسب، إيجاراً أو ملكاً، ما زال حلماً بعيد المنال بالنسبة للمواطنين.
سيريا ديلي نيوز
2017-03-20 21:36:47
محمد