م يعد شراء العسل ترفيهاً في ظل ارتفاع تكاليفه الإنتاجية بعد أن وصل سعر الكيلو غرام الواحد منه إلى حدود 7000 ليرة وضيق أحوال المواطن المعيشية، والذي بات يلجأ إليه كدواء فقط، لكن أصحاب النفوس الضعيفة لم يتركوه يسلم من شر أفعالهم عبر غشه من أجل تحقيق بعض المكاسب المادية من دون اكتراث إذا كان ذلك يؤثر في صحة المواطنين، وخاصة من يحتاجه في الاستشفاء كمرضى السكري والريقان بحيث ينقلب إلى نقمة فعلية حينما تسوء صحة المريض بسبب العسل المغشوش.
ومن هنا تبرز أهمية الجولة التي قامت بها جريدة «تشرين» بالتعاون مع دوريات حماية المستهلك في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بعد أن وردت إلى الصحيفة معلومات عن وجود كميات كبيرة من عسل التغذية في أسواق المحافظات كافة نتيجة تغذية النحل وقطافها لاحقاً، وهذه لا تعتبر عسلاً طبيعياً
ارتفاع ظاهرة غش العسل بنسبة كبيرة يبينها بوضوح انخفاض إنتاج سورية من العسل بسبب الأزمة الراهنة ليصبح فقط 300-400 طن في حين تستهلك السوق المحلية حالياً 1000-1200 طن، وهي كمية غير متوفرة فعلياً، فمن أين يغطى الفارق؟ ليجيب عن تساؤلنا هذا رئيس اتحاد النحالين العرب في سورية إياد دعبول الذي رافقنا في الجولة بغية الاستفادة من خبرته في هذا المجال ورصد عملية الغش من جوانبها كافة، إذ يقول: هذه الكميات تغطى للأسف عبر العسل المغشوش أو التهريب من لبنان حصراً، ما يوجب أن تكون هناك رقابة مشدّدة من قبل الجهات المعنية لضبط هذا الغش الذي يؤثر في صحة المواطنين ويسيء إلى العسل السوري وسمعته.
وأضاف: إنتاج سورية من العسل كان يتراوح بين 3000-4000 طن لكنه انخفض بنسبة كبيرة بسبب الحرب على سورية مع انخفاض إنتاجية وحدة الخلية ما دفع بعض ضعاف النفوس إلى غش العسل وصنع عسل صناعي عبر إضافة منكهات مع محاليل سكرية وبيعها على أساس أنها عسل طبيعي أو عبر تغذية النحل وقطفه ويباع لاحقاً على أساس أنه عسل طبيعي، بينما هذا لا يعد عسلاً وإنما عسل تغذية وهو تسمية تجميلية لزيادة المبيعات لكن بالنهاية لا يوجد عسل تغذية وهو مغشوش بالمطلق، ليشير إلى خطورة هذا الأمر ولاسيما بالنسبة لمرضى السكري والريقان الذين انتشرا في الفترة الماضية، إذ يؤدي إعطاؤهم عسلاً مغشوشاً أو ما يطلق عليه «عسل التغذية» إلى نتائج خطرة تهدد صحتهم علماً أن العسل اليوم لا يعد مادة رفاهية وإنما مادة دوائية، لافتاً إلى أن بيع كيلو غرام العسل بـ1000 ليرة يبين أن العسل مغشوش، فأي نحال لا يمكنه أن يبيع كيلو غرام العسل بأقل من 4000-5000 ليرة بسبب ارتفاع التكاليف، بالمقابل السعر المرتفع لا يعني عدم وجود الغش، ما يستدعي ضرورة مراقبة الأسواق على نحو شديد من أجل ضبط هذه الظاهرة، بالإضافة إلى دور اتحاد النحالين في ذلك عبر المساهمة في ضبط النحالين الذين يقومون بهذا الأمر لكن عدم الثقة يؤثر فعلياً في تحقيق هذه الغاية التي يفترض العمل على تصحيحها في الفترة القادمة.
جولة «تشرين» بالتعاون مع «حماية المستهلك» شملت عدة مناطق في مدينة دمشق هي الحريقة وسوق مدحت باشا والبرامكة، حيث تم تنظيم عدة ضبوط مخالفة وسحب عينات ليبلغ عدد العبوات المخالفة 122 عبوة مختلفة الأوزان تم حجزها لعدم وضع لصاقة بيان تحدد المواصفات وتاريخ الإنتاج والصلاحية، إضافة إلى حجز أكثر من 13 عبوة للتأكد من نوعية العسل ومدى مطابقته للمواصفات السورية وإلى ختم المحل بالشمع الأحمر نظراً لإغلاقه عند معرفته أن دوريات «حماية المستهلك» في السوق، ما ولّد إشارات استفهام حول وجود بضاعة مخالفة في المحل بشكل استدعى اتخاذ هذا الإجراء، علماً أن مدير «حماية المستهلك» في وزارة التجارة الداخلية الدكتور حسام نصر الله اقترح الانتظار لمدة أكثر من ربع ساعة إلى حين اتصال التجار في المحال المجاورة بصاحب المحل المغلق ولكن نتيجة عدم حضوره اتخذت الدورية إجراءاتها بالتشميع، لكن بعد حوالي نصف ساعة عاد صاحب المحل، ليعلم «حماية المستهلك» بأنه موجود في محله وأن بضاعته لا يوجد أي غبار عليها وضمن المواصفات ويمكنهم أخذ العينات للتأكد، مشيراً إلى أن «الشغيل» لديه هو من انتابه الخوف عند معرفته بوجود «حماية المستهلك»، ما دفعه إلى إغلاق المحل والهرب خشية من تنظيم المخالفة بحقه، وفعلاً تبين أن البضاعة لا يوجد عليها أي إشكالية وتم وضع لصاقة البيان على المنتجات المعروضة، لذا تم الاكتفاء بحجز 700 غرام لمعرفة مدى مطابقة المنتجات للمواصفات السورية.
اقتراح مدير «حماية المستهلك» الجديد يشير إلى نقطة مهمة ظهرت خلال جولة «تشرين» على محال العسل تبرز في الأسلوب الجديد الذي اتبعته دوريات حماية المستهلك في الدخول إلى المحال ومعالجة المخالفات وتنظيم الضبوط، عبر التعريف عن أنفسهم بأسلوب راق لم نألفه مسبقاً عبر إظهار البطاقة المهنية وإبرازها لصاحب المحل ونصحه في حال وجود مخالفة بالإجراءات التي يفترض اتخاذها حتى لا تتكرر مخالفته عبر وضع اللصاقة على المنتج وتحديد سعره ومواصفاته وتاريخ الإنتاج، لكن بعد ذلك يتم تنظيم الضبوط بحق المخالفين من دون أي مساومات، وطبعاً نرجو ألا يكون ذلك فقط لمجرد وجود الإعلام بقصد تلميع الصورة وتغييرها عن السائد لا أكثر ولا أقل، وهنا ينفي نصر الله ذلك بقوله: هدفنا الأساسي استعادة الثقة بين التاجر والمراقب التمويني والمواطن وتغيير تلك النظرة السلبية تجاهنا، وقد بدأنا بتلمس ذلك وخاصة عند المواطن، الذي يبادر فعلياً إلى الشكوى إلى دوريات «حماية المستهلك» بعد أن كان يرفض ذلك لأسباب عديدة أهمها عدم ثقته بـ«حماية المستهلك»، وقد تم فعلاً معالجة الكثير من الشكاوى مصدرها المواطن، مضيفاً: أنه في هذه الجولة تحديداً خبر ذلك على أرض الواقع حينما بادر العديد من المواطنين إلى تقديم الشكاوى والإشارة إلى التجار المخالفين سواء من ناحية السعر أو المواصفات أو عبر ترك هواتفهم من أجل معالجة قضية معينة، ما يدل بشكل أو آخر على بداية استرجاع هذه الثقة التي سنعمل على تعزيزها في الفترة القادمة، مشيراً إلى أهمية التعاون بين دوريات حماية المستهلك والإعلام من أجل رصد المخالفات ومحاسبة التجار المخالفين بغية ضبط السوق والمساهمة في كسر حدة ارتفاع الأسعار.
وعن الإجراءات التي سيتم اتخاذها بحق المخالفين في هذه الجولة أكد مدير حماية المستهلك في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أن الضبوط تحال إلى القضاء علماً أن ضبوط العينات ترسل إلى المخبر للتأكد من مدى مطابقتها للمواصفات السورية، وفي حال كانت المخالفة جسيمة تتلف الكميات ويعاقب المخالف بالسجن أو الغرامة المالية أو إحداهما، حيث يعود للقضاء تحديد ذلك، أما في حال كانت العينات مطابقة فتعاد الكميات المحجوزة إلى أصحابها.
سيريا ديلي نيوز
2017-02-01 21:46:45