تعب اللاجؤون السوريون وأجهدوا، وخاصة من يقيم منهم بالمخيمات الحدودية، قبل فصل الشتاء وهم يحاولون ترميم ما لا يمكن ترميمه في الخيام التي يسكنوها، ليذهب تعبهم وجهدهم أدراج الرياح مع أول عاصفة شتوية.
الزعتري- أطمة- الركبان- سليمان شاه- عرسال- وغيرها الكثير، هذه المخيمات وساكنيها من اللاجئين، أصبحت منسية ومغيبة عن الإعلام، وعمّن ادعى بأنه من المهتمين بواقعها الإنساني المأساوي، على المستويات كافة، بعد أن كانت محط الأنظار والمتابعة في معترك البازارات السياسية، المحلية والاقليمية والدولية، دون أن ينعكس ذلك على اللاجئين بشيء، باستثناء المزيد من سوء الحال والخدمات والاستغلال والتعامل المزري من قبل القائمين عليها.
المعاناة تًوحدهم
لا تختلف المخيمات عن بعضها، بما في ذلك التي بالداخل، بالنسبة للواقع المأساوي، الذي يفرض قساوته على ساكنيها من اللاجئين، وخاصة في فصل الشتاء، بظل عدم توفر إمكانات مواجهته، باسثناء الجهود الفردية والخاصة التي تعمل على إعادة تدعيم الأعمدة الخشبية المتصدعة للخيام، أو سد الثغرات والتشققات فيها والتي تنفذ منها الرياح، فقد أصبحت أقمشتها بالية ومتفسخة مع مرور السنين، وتبدل الظروف الجوية عليها، مع اليأس من تأمين مصدر دفْءٍ دائم، بسبب ارتفاع أسعار المدافئ والوقود والحطب وغيرها من وسائل التدفئة المستدامة، بما فيها الكهربائية لعدم توافر الكهرباء بهذه المخيمات إلا ما ندر.
ومع واقع نقص الغذاء وتدني الخدمات الصحية من كادر وتجهيزات وأدوية، تصبح انعكاسات الشتاء والبرد كارثية، وخاصة بالنسبة للأطفال وكبار السن، بسبب انتشار أمراض الشتاء من رشح وسعال وانفلونزا والتهابات رئوية وغيرها من الأمراض التي تضع هؤلاء على عتبة الموت المحتم، باللإضافة إلى عوامل النظافة التي تفتقر إليها هذه المخيمات، وخاصة على مستوى الحمامات الجماعية، وما يمكن أن يسببه ذلك من انتشار للعدوى ببعض الأمراض أيضاً.
شتاءات موحلة وعجز
مع بداية موسم الرياح والأمطار والثلوج، غرقت المئات من الخيام في المياه بهذه المخيمات دون استثناء، كما اقتلعت الرياح الكثير منها، وتحولت أراضي المخيمات إلى مستنقعات موحلة، يصعب التنقل فيها، وأصبحت إزالة الثلوج عن الخيام، وتجفيف مياه الأمطار المتسربة إلى داخلها الشغل الشاغل للمقيمين بهذه المخيمات طيلة موسم الأمطار والبرد، كما اعتادوا على ذلك في مواسم سابقة، وعند العجز يضطر المشردون ضمن المخيمات بنتيجة هذا الواقع المأساوي لإمضاء لياليهم في ضيافة البعض ممن لم تقتلع خيمته بعد.
مصادر تدفئة غير صحية
شتاءات متتالية مؤلمة تمر على السوريين في هذه الخيام وهم يقارعون الموت المتربص بهم، وبظل عدم توفر مصادر التدفئة المناسبة من مدافئ ووقود وغيرها، حتى الحرامات والأغطية أصبحت بالية وغير قادرة على ردع البرد، فقد لجأ الكثير منهم إلى حرق ما توفر لهم من أخشاب وألبسة بالية وأكياس بلاستيكية وقمامة وغيرها من المواد القابلة للاحتراق من أجل الحصول على جرعة دفء تقيهم سموم البرد، رغم علمهم بأخطار حرق هذه المواد على صحتهم وصحة أفراد أسرهم، ولكن لا حول ولا قوة، فهم بالنتيجة يتعاملون مع ما تيسر لهم من إمكانات محدودة أولاً وآخراً.
حضور وتغييب منفعي مسيس
مئات الآلاف من اللاجئين الموزعين على هذه المخيمات يتم تغييب كارثتهم الإنسانية عن وسائل الإعلام رويداً رويداً، بعد أن استنفذت القوى السياسية الفاعلة، محلياً وإقليمياً ودولياً، إمكانات الاستفادة منهم ومن مأساتهم، شداً ونبذاً فيما بينها على حساب معاناة هؤلاء وحياتهم، من أجل تحصيل مكسب سياسي هنا أو مكسب تمويلي مادي هناك، حتى وصل الأمر إلى منع إدخال المساعدات الإنسانية إلى بعضها، أو التضييق عليها، بغايات منفعية، سياسية وأمنية عسكرية وتمويلية، دونما أي ذكر لذلك عبر وسائل الإعلام الموجهة والممولة، التي تدعي حياديتها وإنسانيتها خبثاً ومناورةً.
فقد مر خبر وفاة طفلين بسبب البرد ونقص الرعاية الطبية في أحد المخيمات على الحدود الأردنية مرور الكرام، كما تم نسيان من توفي في الأعوام السابقة في مخيمات أخرى للسبب نفسه، وكأن قدر هؤلاء اللاجئين أن يواجهوا الموت مرات ومرات، وبصمت يطويه النسيان، إلا من قبل المفجوعين منهم.
كما مر خبر تشرد مئات العائلات التي أصبحت بلا مأوى بسبب الرياح والأمطار التي اقتلعت خيامهم دونما أية اقتراحات من أجل تحسين واقع هؤلاء أو إعادة تأهيل أمكنة إقامتهم، لا من قبل الدول التي تدعي احتضانها لهؤلاء وتأمين مستلزمات بقائهم، ولا من قبل المنظمات الدولية المتباكية دائماً على شح مواردها مستجدية العطايا التمويلية باسمهم، ولا من قبل الدول التي لطالما زاودت على بعضها بالمواقف المتاجرة بالسوريين وكارثتهم الإنسانية.
مجرد أرقام
ما زال، على سبيل المثال، مكتب التنسيق للشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، يتحفنا بالبيان تلو الآخر، متضمناً الأرقام والإحصاءات عن الواقع المأساوي للسوريين، والكارثة الإنسانية التي حلت بهم، وعن واقع الاحتياجات الإنسانية الضرورية لهم، لتغدو بالنتيجة مأساة السوريين المعاشة منذ ستة أعوام عبارة عن أرقام، جرداء صماء، يتم تداولها في الأروقة الرسمية للدول وللمنظمات، أو عبر وسائل الإعلام، لتترجم لاحقاً فيما بين هؤلاء جميعاً، إما معركة لاستجداء التمويل، أو معركة لتحقيق مكاسب سياسية، وحتى عسكرية وأمنية، فيما يبقى السوريون بمعاناتهم اليومية، بتفاصيلها ودقائقها، مع احتياجاتهم الفعلية، بعيدين عن حيز الاهتمام الفعلي والحقيقي، سواء على مستوى تأمين هذه الاحتياجات، أو على مستوى الحلول المتوخاة التي تخرجهم من محنتهم وكارثتهم بشكل نهائي.
إنهاء الحرب الكارثية
معاناة اللاجئين من الشتاء وقسوة البرد، كما غيرها من أوجه المعاناة الأخرى، ليست وليدة اليوم ولا هذا الموسم الشتوي، ومع ذلك يستمر التباكي والعويل من قبل المزاودين، من مستثمري الأزمات والكوارث باسم هؤلاء، وكأن هذا الواقع الكارثي مفاجئ لهم، ولسان حال السوريين المقيمين بهذه المخيمات، بالمقابل، يقول: لا نريد مدافئ أو وقوداً أو أماكن إقامة مؤقتة بديلة أخرى، وجُلّ ما نريده، هو: إنهاء هذه الحرب الكارثية التي دفعتنا للتشرد واللجوء، والمضي بالحل السياسي، كي نعود إلى بيوتنا وقرانا ومدننا لنعيش بكرامة فيها، بعيداً عن الإذلال كله الذي يكيلوه لنا في كل يوم، دولاً ومنظمات وجمعيات وتنظيمات وفصائل مسلحة وغيرها.
قاسيون
سيريا ديلي نيوز
2016-12-20 19:51:40