بدأ فصل الشتاء وموسم البرد السقيم وتداعياته، ومع قدوم هذا الفصل جاء تصريح مدير المؤسسة العامة للكهرباء المتضمن المبررات والمسوغات المعتادة نفسها عن النقص بكميات الفيول اللازمة من أجل تأمين الكهرباء، وذلك في مطلع الشهر الحالي
التصريح المذكور بشر المواطنين بأنهم مقدمون على ساعات تقنين إضافية في هذا الفصل على مستوى الخدمة الكهربائية، وبالتالي فهو كما غيره من الفصول على مستوى نوعية الخدمة وتدنيها، ولكن على ما يبدوا لكل فصل حجة وسبب مختلف.
تصريحات مغايرة للواقع
سمعنا كثيراً عن اجتماعات بين الكهرباء والنفط برعاية حكومية من أجل تحسين الخدمة الكهربائية، عن طريق تذليل الصعوبات لدى هاتين الوزارتين المعنيتين بالأمر، وتنسيق الجهود وتوحيد الإمكانات من أجل هذه الغاية، ولكن شتان بين التصريحات وبين الواقع الذي أصبح أكثر إيلاماً، بظل هذه التصريحات، وأكثر تراجعاً يوماً بعد آخر على مستوى الخدمات المقدمة وعدالتها.
ستة أعوام متواصلة من الأزمة وما زالت المبررات نفسها عن التعثر بتأمين الكميات اللازمة من الفيول من أجل تشغيل محطات التوليد، على الرغم من التصريحات الرسمية كلها عن تحسين الواقع الكهربائي، وعلى الرغم من استمرار الإعلان عن وصول بواخر محملة بالفيول اللازم، وعلى الرغم من توفر الوقت الكافي من أجل تأمين تعاقدات لتوريد كميات إضافية بمواعيد معينة، لزوم تأمين خدمة الكهرباء بشكل متواصل دون انقطاع، باستثناء ما قد ينجم فعلاً عن التوقف المفاجئ لبعض المحطات بفعل الحرب أو بفعل الأحمال الزائدة أو بفعل الاهتلاك، وغيرها من أسباب التوقف ذات الطبيعة المؤقتة وليس الدائمة، وأخيراً على الرغم من النفقات كلها التي يتم تكبدها على ذلك وغيره من جيوب المواطنين بالمحصلة، وليس بمِنّةٍ من أحد، خاصة بعد أن تم تحرير أسعار المشتقات النفطية والطاقة، وتم رفع الدعم عنها بموجب التوجهات الرسمية الحكومية، التي ضربت عرض الحائط بمصلحة المواطنين وبخدماتهم بنتيجة الأمر على المستوى العملي.
البدائل والمستفيدين
بالمقابل ما زالت سوق البدائل، هي صاحبة الحظوة على مستوى الاستفادة المباشرة من سوء الخدمة، عبر المزيد من الاستغلال لحاجات الناس لها بظل تراجع الخدمة العامة، بل أصبحت سوق الأمبيرات في بعض المحافظات هي الطاغية على الخدمة الحكومية، عبر المزودين بها من القطاع الخاص، الذي يجني المليارات سنوياً من حسابات المواطنين، وعلى حساب معيشتهم وضروراتهم الحياتية المعيشية الأخرى، كما هو الحال بمدينة حلب على سبيل المثال.
وكأن سوء الخدمة وترديها يوماً بعد آخر وعاما ً بعد آخر، ما هو إلا سبيل يتم تمهيده أمام هؤلاء المستثمرين من أجل المزيد من الاستغلال على مستوى هذه الخدمة، وتوسيع قاعدتها على مستوى الاستهلاك للبدائل في المحافظات المختلفة، يترافق ذلك مع إطلاق شعارات التشجيع على الاستثمار بمجال إنتاج الطاقة الكهربائية من قبل القطاع الخاص.
حق وليس مِنّة أو تسول
المواطن عموماً سأم عبارات التسويف، والتصريحات والبيانات الصحفية كلها من قبل المسؤولين الرسميين على مختلف مستوياتهم، كما سأم حياته التي أصبحت مجزأة، على مدار ساعات اليوم بين تقنين خدمة وأخرى، بالإضافة إلى معاناته اليومية نتيجة الواقع الاقتصادي المعاشي اليومي، وجلّ ما يطالب به بعض الصدق والشفافية بما يتعلق بخدماته، مع العدالة فيها، خاصة مع شعوره بأنه يتسول هذه الخدمات وكأنها ليست حقاً من حقوقه، باعتباره ملتزماً بما عليه من واجبات، وما يتعلق بتسديد رسوم اشتراكها، وبمقابل ما يستهلكه منها، وبالتالي فإن هذه الخدمة وغيرها ليست منة من الجهات المسؤولة عنها ولا هي كذلك على مستوى الحكومة.
ولئن عكفت الحكومة، عبر سياستها على ممالأة أصحاب الرساميل والمستثمرين، فإن ذلك لا يجيز لها التلاعب بالخدمات العامة من حيث التبعية والاستثمار، باعتبار أن المواطنين مشتركون بهذه الخدمات العامة بموجب عقود رسمية، مع الجهات الرسمية العامة المقدمة لها، وبالتالي فإن ما يجري هو شكل من هذا التلاعب الحقوقي والقانوني، من أجل الضغط على المواطنين لاستبدال هذه العقود بأخرى مع القطاع الخاص رويدأ رويدأ تحت ضغط الحاجة والضرورة، بظل استمرار التسويف مع تقديم المبررات والمسوغات التي لم تعد تنطلي على أحد.
سيريا ديلي نيوز
2016-11-09 22:17:08