ازدهر التزوير والاحتيال خلال السنوات الست الماضية، باعتراف الجهات المعنية كلها، وبتوثيق الكثير من التقارير والتحقيقات، مايعني: أن الفلتان الذي حصل خلال الأزمة مع عجز الحكومة عن ضبط الأمور، شكلا تربة خصبة لعمل العصابات التي تمتهن هذه الأعمال.
مؤخراً، وثق تحقيق استقصائي 2300 دعوى قضائية في سورية، يطالب فيها مواطنون سوريون بسندات ملكية عقاراتهم التي ضاعت في الحرب أو تعرضت للتزوير.
عدم ردعهم زاد من خبرتهم
التحقيقات والتقارير أغلبها توثق تورط محامين بعمليات الاحتيال مع المزورين، للاستيلاء على أملاك الغير، وهو مايشير إلى وجود ثغرات في القانون تتيح لهؤلاء العمل ضمن هامش واسع، عدا عن أن العقوبة قد لا تكون رادعة بشكل كافٍ، وهذا ما قد يثبته إلقاء القبض على أصحاب سوابق مراراً، بعد أن صقلوا خبراتهم بالتزوير والاحتيال على مر سنوات الأزمة، وتعرضوا لعقوبات لم تكفِ لردعهم.
وقد أكد ذلك رئيس فرع مكافحة التزييف والتزوير وتهريب النقد المقدم وسيم معروف، بطرحه قصة عن «شخص موقوف أكثر من مرة بجرم التزوير، تمت متابعته في آخر جرم لـ 10 أيام حتى تم القبض عليه، حيث قام باستئجار منزل في مشروع دمر لفترة معينة، وتأكد من وجود شقتين فارغتين أصحابهما خارج سورية، وقام بتغيير الأقفال ليلاً، ثم استخرج قيوداً عقارية للشقتين، وزور فواتير الماء والكهرباء مع كتاب من الجمعية السكنية وجعلها باسمه، حيث كانت الحبكة متكاملة، وأقنع بعملية البيع الزبون مع محاميه، وحصل على 4 دفعات من ثمن الشقتين ثم توارى عن الأنظار»، مايشير فعلاً إلى خبرة هذا المحتال وعدم ردعه بالعقوبات التي تعرض لها سابقاً.
معقبو معاملات
ومحامون متورطون
وقد بات المزورون والمحتالون أكثر دقة في عملهم، حيث أكد معروف اعتماد هؤلاء على شبكة من الأشخاص تضم غالباً معقبي معاملات ومحامين، وقال: «يقوم هؤلاء بدراسة جيدة للعقار قبل الاستيلاء عليه، فيقوم أحدهم بالتقصي عن شكل وعمر صاحب العقار، ويستخرجون قيداً عقارياً للحصول على الاسم الثلاثي لصاحبه، ثم يحضرون شهدوداً إلى المخفر ليشهدوا بأن أحد المحتالين فقد هويته ويتم اختياره بعمر قريب لصاحب المنزل وتتم مطابقة حالة المالك الأصلي الاجتماعية على شكل وشخصية المحتال، ثم يتم إحضار شاهدين إلى المخفر ليشهدوا بأن المحتال فقد هويته ويتم تقديم بيانات صاحب العقار مع صورة المحتال، ليصار إلى إخراج بطاقة شخصية ببيانات المالك الأصلي لكن بصورة المحتال».
ويعتبر فتح باب الحصول على القيد العقاري لأي عقار من قبل أي شخص، ثغرة مهمة للمحتالين، حيث أكد معروف: أن «أي شخص يمكنه الحصول على بيانات القيد العقاري، دون أي صفة»، مطالباً بضرورة «اشتراط صفة معينة للشخص الذي يسأل عن عائدية العقار».
وأيضاً، يعتبر الاعتماد على الشهود لإخراج بطاقة شخصية كبدل ضائع، ثغرة أخرى، ومؤخراً، بات إخراج بطاقة شخصية «بدل ضائع» بحاجة إلى بيان عائلي مع صورة شخصية ويتم تصديقها في النفوس، بحسب معروف، لكن حتى هذا الإجراء ، تعرض للتزوير، ولم يقف بوجه هؤلاء.
تزوير الهويات جنحة!
ويعتبر القانون السوري تزوير الهويات (مدنية عسكرية الخ) وتزوير الشهادات الجامعية ودفاتر خدمة العلم وجوازات السفر وبطاقات حمل السلاح (جنحة) بينما يعتبر تزوير السجلات الحكومية (جناية)، وحدد عقوبة الأولى بحدها الأقصى 3 أعوام، والثانية 5 سنوات.
حتى لو كان المزورون قد زوروا آلاف البطاقات الشخصية أو العسكرية أو بطاقات حمل السلاح، تكون عقوبتهم حتى 3 سنوات، وهنا يقول رئيس محكمة الاستئناف الأولى بدمشق، المستشار عرفان العدس في حديث إذاعي: إن القضاء يعاقبهم بالحد الأعلى للعقوبة أي 3 سنوات فقط.
يجب قبولها؟!
يعتمد المزورون بالدرجة الأولى على تزوير البطاقات الشخصية لاستكمال أية عملية احتيال، مستغلين نقطة هامة في المحاكم والدوائر الحكومية، وهي ما تحدث عنه العدس بقوله: إن «حملت البطاقة الشخصية صورة من يحملها، يجب على القاضي قبولها، لأن له ظاهر الحال، وليست مهمته البحث بصحة البطاقة»، وقد تكون هذه النقطة أيضاً، من أهم ما يرتكز عليه المزورون.
رئيس فرع مكافحة التزييف والتزوير وتهريب النقد، أكد: أنه «منذ 3 أشهر، تم ضبط ورشة طباعة وتزوير هويات ومهمات أمنية وتراخيص حمل سلاح ووثائق تخرج، وشهادات جامعية بمقابل مادي من 100 لـ 150 الف»، مشيراً إلى أنه «تم إلقاء القبض عليهم بالجرم المشهود وبحوزتهم 165 ختماً مزوراً للجامعات السورية جميعها مع الشؤون القانونية والطلبة!».
وبحسب القانون، ستكون عقوبات هؤلاء فقط 3 سنوات سجن، رغم تزويرهم لكم كبير من البطاقات ومنها بطاقات حمل السلاح التي قد تؤدي إلى نتائج كارثية على الأمن والسلم.
عصابتان في اليوم
يؤكد معروف «ضبط 5 آلاف عصابة تزوير خلال سنوات الأزمة»، أي بمعدل أكثر من 800 عصابة في العام، أي وسطياً، أكثر من عصابتين في اليوم، مشيراً إلى ضبوط يومية بحق معقبي المعاملات، مضيفاً: أن «العصابة الواحدة قد تكون أنجزت عشرات عمليات التزوير قبل ضبطها».
وبهذا الصدد يؤكد المقدم، أن أغلب عمليات التزوير تكون بأمور العقارات وسندات الملكية ووكالات البيع، مشيراً إلى أن أغلبها كانت للاستيلاء على عقارات لأشخاص مغتربين أو خارج سورية.
وطرح معروف، شكلاً آخراً للمحتالين الذين يعتمدون على التزوير في أعمالهم، قائلاً: «يقوم هؤلاء بإيهام الناس أنهم مرتبوطون بعلاقات وثيقة مع شخصيات حكومية، ويستخدمون بعض الأمور الشكلية التي تساعدهم في ذلك، كركوب سيارات فاخرة ولباس أنيق وإقامة بفندق».
وتابع: «يحصل هؤلاء على مبالغ مالية مقابل موافقات مزورة من جهات رسمية، حيث يقوم بعضهم بتقديم أي طلب لوزارة ما، والحصول على توقيع الوزير، حتى لو جاء الطلب مع الرفض، ثم يتم سحب التوقيع عبر الماسح الضوئي، وطباعته على الموافقة المزورة وبيعها».
دعوى واحدة يومياً
رئيس محكمة الاستئناف الأولى بدمشق، المستشار عرفان العدس، يقول: إن «عدد الدعاوى المرفوعة بخصوص التزوير، كانت محدودة جداً قبل الأزمة، لكنها كثرت خلال سنوات الحرب، ففي دمشق وحدها هناك 150 دعوى تزوير قيد النظر حالياً، و400 دعوى احتيال، وذلك منذ بداية عام 2016»، أي بمعدل وسطي أكثر من دعوى يومياً.
ويبلغ عدد القضايا التي تم فصلها في المحاكم بهذا النوع من القضايا 100 دعوى في دمشق، وقد يكون ذلك نتيجة طيلة المدة التي يحتاجها القضاء للفصل بأية دعوى، فقد تمتد الدعوى لعام أو أكثر، رغم تأكيد العدس على «وجود تعميم من قبل وزارة العدل لاختصار إجراءات التقاضي كي لا تتجاوز السنة بالاكثر».
تضافر الجهود ضرورة
والحال كذلك فإنه من الهام والضروري على أصحاب الشأن، من الجهات الحكومية الرسمية بالتعاون مع المختصين، محامين وقضاة وجنائيين، ليصار إلى تكاتف الجهود من أجل وضع ضوابط جديدة وآليات عمل وتعليمات ناظمة مقيدة، تكون كفيلة بالحد من مثل هذه الحالات التي أصبحت متفشية بشكل مخيف، خاصة وأن لها تداعيات ونتائج سلبية كبيرة، سواء على مستوى صيانة الملكيات، أو على مستوى الأمن المجتمعي بشكل عام.
سيرياديلي نيوز
2016-10-30 20:19:55