«منذ أكثر من ربع قرن وأنا أطالب بتثبيتي دون جدوى، ومنذ 15 عاماً ألغي التثبيت نهائياً من قاموس وزارة التربية، وسابقاً، كان التثبيت من نصيب أصحاب الوساطات فقط».

 

هذا كان ملخص بسيط عن معاناة المكلفين والمعلمين الوكلاء، بحسب إحدى المدرسات.

في زيارة صحيفة «قاسيون» إلى إحدى المدارس بدمشق، والتي تضم أكثر من 6 مدرسات ووكيلات، أكدوا مفضلين عدم ذكر أسمائهن واسم المدرسة «خوفاً من أية ردة فعل من قبل الوزارة» على حد تعبيرهن، أن وضعهن «أصعب من أن يوصف”.

حرمان من أبسط الحقوق

وبحسب المدرسات والوكيلات، فإنهن لا يحصلن على إجازات أمومة ولا ساعات إرضاع أو حتى إجازات مرضية، «كأبسط حقوق العاملين»، وهنا تقول إحداهن بحرقة: «تعبنا وهلكنا، وما في تقدير للتعب ولا للسن»، مؤكدة أنها بحاجة للراحة لكن لا يوجد أي تقدير لذلك، ويمكن أن يتم نقل أية مُدرسة ولو خدمت في مدرستها 10 سنوات متتالية إلى مدرسة أخرى، لشغل مكان معلمة أصيلة بإجازة مهما كان سببها.

«بدنا نحمي كبرتنا»

وتتابع: «نحن منسيون في هذا المجتمع رغم الجهد الذي بذلناه ونبذله، وللأسف وزير التربية لا ينظر بحالنا»، وعلى حد تعبيرهن، فإن عدم وجودهن يعني عشرات آلاف الشواغر، كونه لا يوجد مدرسون خريجون جامعيون من كليات التربية، بعدد كاف يسد الحاجة.

وأردفت: “بدنا نحمي كبرتنا، بدنا مبلغاً يحمينا، على الأقل ثمن أدوية عند التقاعد، أيعقل أن يتم الاستغناء عن خدماتي بأية لحظة بعد 23 سنة من العمل، دون أي تقدير لما تم تقديمه في مجال بناء الأجيال؟».

مدرسة وكيلة أخرى، قالت: «لا نحصل على راتب في العطلة الصيفية، ويتم خصم العطلة الإنتصافية من الراتب، وليس لدينا تأمين اجتماعي أيضاً، فنحن لا نطالب سوى بالشق الإنساني، ولا نطالب إلا بأن يتم النظر إلى حالنا بعين من الرأفة والتقدير”.

الراتب 18 ألف!

تتساءل المدرسات في جلسة نقاش مع «قاسيون»، لمّ يتم النظر إليهن بأنهن دون المستوى المطلوب لتدريس الأجيال، مقارنة مع المعلمات الأصيلات والمدرسات المتخرجات من الجامعة، وفي ذات الوقت تم الاعتماد عليهن لسنوات طويلة، ومنهن لأكثر من 25 عاماً في عملية تعليم الأجيال؟.

ترى المعلمات الوكيلات أن خبرتهن بالتدريس «تفوق الأصيلات» نتيجة الخبرة العملية بالتعامل مع الطلاب وآلية تقديم المعلومة، بينما يتم التعامل معهن «بنظرة دونية» حتى بالراتب، حيث يتقاضى الوكلاء 18 ألف ليرة شهرياً فقط، وقد تتأخر الرواتب حتى منتصف الشهر.

حقوق مهدورة رسمياً

مدير التعليم الأساسي حسن عاجي، كان حاداً بكلامه خلال حديث إذاعي، حيث أكد بشكل علني: أنه «لا يمكن أن يتم إجراء مسابقات لتثبيت الوكلاء في الأوضاع الحالية»، مُحيلاً القضية إلى «انتهاء الأزمة» على حد تعبيره، لكن حتى انتهاء الأزمة لا يعني بالضرورة تثبيت الوكلاء كلهم مهما كانت سنوات خدمتهم، بقوله: «سيتم تقليص عدد الوكلاء بعد الأزمة للاعتماد على خريجي الجامعة»، أي بشكل أو بآخر تسريح دفعة كبيرة منهم، وهذا مالم يعلنه صراحة، لكنه تابع بنبرة أفقدت الوكلاء أي أمل بحل قضيتهم، قائلاً: «لن يكون للوكيل أي حقوق عند اعتباره خارج الوظيفة»، وهنا يقصد التقاعد والتعويض.

بحسب حديث عاجي، لا يمكن حالياً أن يتم التأكد من عدد المعلمين الأصيلين بكل محافظة، خاصة وأن بعضهم نقل عمله إلى محافظة أخرى وتم سد مكانه بوكيل من المحافظة التي تركها، وهذا يعني أن القضية مؤجلة حتى انتهاء الأزمة، وفقاً لرؤية وزارة التربية التي تؤكد أن التثبيت بعد الأزمة سيتم لمرة واحدة فقط.

«المضحك المبكي»!

هناك حل آخر بالنسبة لوزارة التربية قد يساهم بالتثبيت، لكنه خيار كان «مضحكاً مبكياً» بالنسبة للوكلاء، وهو أن يعيد هؤلاء دراسة الشهادة الثانوية حتى يحققوا شرط الالتحاق بالجامعة قسم معلم صف، وبعدها التخرج والتثبيت، بحسب حديث عاجي، الذي قال أيضاً: إن «الوكالة عمل مؤقت بنظام المياومة، وليس للمدرسين الوكلاء أي حق بأن يطالبوا بالحقوق التي تقدمها نقابة المعلمين المعنية برعاية مصالح الأصلاء».

100 ألف وكيل

تتحدث وزارة التربية عن تعيين مدرسين خريجين جامعيين عددهم بالمئات في كل دفعة على مستوى القطر، ولا يهم الوزارة هنا الخبرة أو سنوات الخدمة عند التثبيت، بينما كشف وزير التربية هزوان الوز عام 2013 عن وجود 100 ألف معلم وكيل على مستوى سورية!.

رصدت «قاسيون» قرارات تعيين الجامعيين الأخيرة في مجال التدريس، ففي بداية العام الجاري خلال شهر كانون الثاني وافقت وزارة التربية على تعيين 475 معلم صف ملتزماً من خريجي كليات التربية في المحافظات، دورة الفصل الدراسي الأول للعام الدراسي 2014/2013، وفي شهر نيسان الماضي تم تعيين 1830 معلماً، وعينت وزارة التربية 664 منهم في تموز الماضي.

هذه الأرقام تدل على عدم كفاية خرجي كليات التربية لسد الحاجة، نظراً لوجود 100 ألف وكيل، وبالتالي، وزارة التربية بحاجة هؤلاء وخاصة لمن خاض في العمل أكثر من 20 عاماً، لكن وفقاً لبعض المعلمين الوكلاء فإن «الوزارة تعمل على استغلالهم بأجور متدنية جداً عن الأصلاء مقابل الجهد ذاته»، رغم كشف عاجي عن دراسة لرفع أجور الوكلاء إلى أكثر من ضعف الراتب الذي يتقاضونه حالياً، معترفاً أنه «قليل جداً»، دون تبرير تأخر هذا القرار لسنوات طويلة، على الأقل خلال الأزمة، وفي ظل انخفاض القيمة الشرائية لليرة السورية.

تثبيت العاملين لا يشملهم

المرسوم 62 لعام 2011 القاضي بتثبيت العاملين المؤقتين، لم يشمل المعلمين الوكلاء، واستدراك الحكومة لبقاء آلاف العمال دون تثبيت في العام التالي نتيجة التفسيرات الخاطئة للتعليمات التنفيذية، أيضاً لم تشملهم، إضافة إلى أن مشروع القانون الحالي بخصوص تثبيت العاملين المؤقتين وهو قيد الدراسة، أيضاً لن يشملهم، وهنا يقول عاجي إن هذه قضية مختلفة، فالعمال التابعين لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، مختلفين عن موظفي وزارة التربية، على حد تعبيره، مؤكداً: أن «ما ينطبق على العمال التابعين لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، ليس بالضرورة أن ينطبق على وزارة التربية”.

الاستغناء تماماً عن الوكلاء مستحيل باعتراف عاجي، رغم تأكيده على توجه الوزارة للتخلي عن قسم منهم لاحقاً، وقال: إنه بعد الأزمة قد لا تكون هناك حاجة للوكلاء بهذا الحجم، لكن لا يمكن الاستغناء عنهم نهائياً، فهناك إجازات وحالات معينة للأصلاء يجب أن يحل الوكلاء محلهم فيها.

التثبيت أسوة بالغير

لا شك بأن الضرورة والحاجة هي العامل الحاسم والسبب الرئيسي لوجود هذا العدد الكبير من المعلمين الوكلاء، ولكن كيف تستقيم تلك الحاجة بظل قوانين وتعليمات تجعل حقوق هؤلاء مهدورة بهذا الشكل طيلة سني خدماتهم، خاصة وأن غالبيتهم أثبتوا التزامهم ومواظبتهم، وراكموا خبرات عملية يجب تقديرها وحسن استثمارها، كما أن تلك الضرورات لم تنته، بل ربما ازدادت خلال فترة الحرب والأزمة، بظل النزيف الجاري على مستوى العمالة بالقطاعات كلها، وبالتالي فإنه من الهام إعادة النظر بتشميل المعلمين الوكلاء بالقطاع التعليمي بالتثبيت، أسوة بغيرهم من العاملين المؤقتين في القطاعات الأخرى، عبر مشروع القانون الحالي الذي يدرس حالياً. 

سيرياديلي نيوز


التعليقات