عدي طفل  في الثالثة من عمره، من محافظة حمص، مصاب بسرطان الدم، اضطر ذووه إلى تركه في مشفى الأطفال وحده لينتظر دوره في الحصول على الجرعة، وبعدها الانتظار عند أحد الأقارب حتى يحين وقت المغادرة إلى حمص، بعد أن منع المشفى أهل عدي من مرافقته، وعدم قدرة أقربائهم على استضافة كل العائلة.

مازال عدي على هذه الحال منذ عام تقريباً، وفي كل فترة، يلجأ ذووه إلى الاقتراض من بعض الأقرباء في الخارج، أو التواسط لدى أحدهم للحصول على الجرعات الكيماوية مجاناً أو بشكل شبه مجاني بدفع جزء من ثمنها، وفي أغلب الأحيان لا يفلحون في أي من الحالتين.

وأيضاً، عائلة «أبو بلال» نازحة من دير الزور، وقد اختارت الاستقرار في دمشق هرباً من الوضع الأمني المتردي بداية، وثانياً لتوفير نفقات الذهاب والإياب من وإلى المحافظة بعد جلسات علاج «أبو وحيد» في مشفى البيروني.

سماسرة

«يثقل كاهلهم آجار المنزل، لكن الأكثر صعوبة، هو تأمين ثمن دواء TEMODAL الذي يصل إلى 180 ألف ليرة سورية، وذلك بشكل شهري» على حد تعبير الزوجة، التي أكدت «أن مشفى البيروني طلب منهم شراء الأدوية بشكل دائم كونه غير قادر على تأمين الدواء نهائياً».

وتضيف: «جارنا كان يشتري غالباً نصف الجرعة على حسابه الخاص والنصف الآخر على حساب المشفى، لكنه مؤخراً أجبر على شراء الجرعة كاملة بسعر 350 ألف»، وهنا، يكشف حديث الزوجة عن وجود سماسرة داخل المشفى، يبيعون الدواء المجاني بنصف سعره، أو لمن يدفع أكثر، وقد يكون فقدان الدواء نهائياً، ناجماً عن المتاجرة به، بعد مشكلة نقصانه وصعوبة تأمينه، إضافة إلى قضية الوساطات التي تساهم بمفاقمةالأزمة.

مصدر طبي في مشفى البيروني، أكد تلك الشكاوى لـ «قاسيون»، وخاصة فيما يتعلق بصعوبة تأمين الأدوية، لكنه نفى «إبلاغ المرضى بشراء الأدوية لعدم القدرة على تأمينها» على حد زعمه.

جهاز أشعة واحد

وتابع مفضلاً عدم ذكر اسمه: إن «مقر مشفى البيروني الجديد، وهو بمنطقة المواساة بدمشق، صغير جداً، وقد تم الانتقال إليه بعد سخونة الأحداث عند مشفى البيروني الرئيسي على استراد دمشق- حمص قرب حرستا».

وأشار إلى أن «جهاز الأشعة الموجود في المركز الجديد للبيروني، هو الجهاز الوحيد الذي كان يعمل مؤخراً في سورية، بعد تعطل جهاز مشفى تشرين لفترة وعودته إلى العمل بعد عيد الأضحى، بينما تعطل الجهاز الآخر الموجود في أحد المشافي الخاصة منذ 6 أشهر، علمأ أن كلفة العلاج به مرتفعة جداً».

يضم المشفى الجديد 10 عيادات ويستقبل بأقل تقدير 300  مريض يومياً من المحافظات جميعها، في حين انخفضت طاقة عمل المشفى الأساسي قرب حرستا إلى 10% وهو يستقبل المرضى من التل وعدرا والمناطق المحيطة به، بحسب المصدر الذي أكد أن «عدداً لا بأس به من المرضى يخشون الذهاب إلى البيروني بدمشق لمنطقته الحساسة، كونهم لا يعلمون بقضية النقل إلى المواساة، وهنا يفضل هؤلاء الذهاب إلى مشفى تشرين في اللاذقية برحلة متعبة للمرضى وتزيد من التكاليف المادية عليهم، والضغط على مشفى تشرين الجامعي».

رافد صدقني معالج الأورام بمشفى تشرين الجامعي، يؤكد أن وجود مركزين فقط في سورية لعلاج مرض السرطان وهما البيروني وتشرين الجامعي، يعتبر قليلاً جداً مقارنة بعدد السكان، وعدد المرضى الذي يشهد زيادة دورية كل عام.

علبتين دواء لأكثر من 200 مريض!

يقول صدقني: إنه وفقاً للنسب العالمية  يجب أن يكون لكل 200 ألف نسمة مشفى خاص بعلاج الأورام، وفي سورية «الأعداد التي ترد إلى مشفى تشرين تفوق الطاقة النسبية والتقديرية له، والذي أنشئ استناداً إليها، بينما يتراوح عدد المرضى يومياً في المشفى  مابين 50 و200 مريض حسب توفر الدواء».

وكشف صدقني في حديث إذاعي، عن آلية عمل المشفى لتأمين الأدوية، بقوله «في بداية كل عام نضع الحاجة السنوية المتوقعة من الأدوية لتغطية حاجة المرضى على مدار السنة، لكن زيادة عدد المرضى غير المتوقع، نتيجة إقبال المرضى من حلب وإدلب والمناطق الشرقية والشمالية، زاد من الضغط».

وتابع «إضافة إلى ذلك، هناك بعض القوانين المالية المتعلقة بسقف الشراء الخاص، تحول دون تأمين الدواء لجميع المحتاجين، فإن رغبنا بشراء دواء بشكل مباشر عند انقطاعه، لا يمكننا استخدام سوى 300 ألف ليرة سورية فقط في كل عملية شراء، علماً أن بعض الأدوية يفوق سعرها الـ 150 ألف، وهذا يعني تأمين علبتين فقط من الدواء المفقود، وبالتالي استفادة مريضين فقط، وحرمان الباقي، مايدفعهم لشراء الدواء على حسابهم الخاص، أو اللجوء إلى الجمعيات الخيرية».

أدوية باهظة الثمن ومهمة لكن مفقودة!

وأكد صدقني طبيب الأورام في مشفى تشرين باللاذقية، أن دواء «Paclitaxel، ودوسي تاكسيل» مفقودين حالياً من المشفى، علماً أنهما يملكان استطبابات واستخدامات هامة لأمراض السرطان الشائعة مثل سرطان الكولون والصدر والرئة والمعدة.

الأدوية المفقودة التي ذكرها صدقني، باهظة الثمن، ويتراوح سعرها  بين 200 و300 ألف للمصدر الأوروبي «الأورجينال»، بينما ينخفض السعر للأصناف الهندية إلى 20 و25 ألف ليرة سورية، وبغض النظر عن المصدر، فإن العلبة الواحدة تكفي لجرعة كل ثلاثة أسابيع.

وحذر الطبيب من أن «أدوية الأورام خطرة جداً في حال تم استخدامها بطريقة عشوائية، بينما يجب أن تخضع لطريقة حفظ خاصة وحساسة»، مشيراً إلى أن «اللجوء إلى السوق السوداء خطر جداً لتلك الأسباب»، أي أن فقدان الأدوية يضع المرضى أمام خيارات قاتلة في أي من الأحوال.

حالياً، تستخدم المشافي العامة الأدوية الهندية والأرجنتينية والإيرانية، بينما كانت الأدوية المستخدمة قبل الأزمة هي الأوروبية الأصلية.

صدقني، طالب الجهات الرسمية، وخاصة وزارة الصحة، بتأمين الأدوية جميعها مع مطلع العام القادم، بالتوازي مع رفع ميزانية المشفى، وترخيص مستودعات لحفظ الأدوية فيها.

طفلين من أصل 10

سارة يوسف، عضو فريق «في أمل» التطوعي باللاذقية، والمختص بمساعدة الأطفال المرضى بالسرطان، تقول: إن «الوساطة لها دور كبير بتأمين الأدوية بشكل مجاني من مشفى تشرين، نتيجة قلتها، وقد لا يحصل على الدواء بشكل مجاني سوى طفل أو طفلين من أصل 10».

وتضيف «هناك صعوبة بتأمين الدواء بشكل مجاني لكل الأطفال في المشفى، وقلة عدد الأدوية يجبر المرضى على شراء الأدوية  على حسابهم الخاص»، مشيرةً إلى «وجود نقص كبير في الأدوية المكملة للدم والعظام، وأبر رفع خضاب مرضى سرطان الدم».

استغلال الصيادلة

نتيجة فقدان الأدوية، يعمل فريق سارة على تأمين متبرعين لشرائها عبر وسطاء هم صيادلة في الغالب، لكن «هناك بعض الصيادلة يمارسون السمسرة ويقومون برفع الأسعار في كل مرة» على حد تعبير سارة.

وبحسب سارة أيضاً، يقوم الفريق بشراء أدوية مستوردة من الخارج عبر الصيادلة ذاتهم لتسليمها للأطفال، بينما تبلغ كلفة علاج الطفل المصاب شهرياً وبشكل وسطي 80 ألف ليرة سورية لشراء الأدوية التي يجب أن تتوفر مجاناً، وقد تختلف الكلفة حسب نوع المرض ومرحلته.

وتكشف سارة عن ازدياد كبير بعدد الأطفال المصابين بالسرطان قائلة «هناك ازدياد كبير خلال الأزمة، وخاصة المصابين بسرطان الدم»، وتضيف «الأطفال يموتون من ضعف العلاج».

سارة أضاءت على مشكلة يعاني منها ذوو المرضى وخاصة في دمشق، وهي صعوبة تأمين السكن في كل شهر يتم خلاله قصد المشفى من محافظة أخرى للعلاج، وتضيف «قد يحتاج أهل المريض أن يبقوا في المحافظة 15 يوماً حسب وضع المريض، فلكل طفل حالة وجرعة معينة».

وتتابع «كان لنا عدة زيارات إلى مشفى الأطفال بدمشق، وهو يمنع مرافقة المريض، وقد لا يرى الطفل المصاب أهله إلا ساعات في اليوم فقط».

ويلاحظ في الحدائق المحيطة بمشفى الأطفال بدمشق ومقر مشفى البيروني الجديد في منطقة المواساة، عشرات الأشخاص يفترشون الحدائق للمبيت بانتظار انتهاء فترة العلاج الشهرية لمريضهم، هرباً من البحث عن منازل للأجرة نظراً لوضعهم الاقتصادي المتردي، وخاصة للقادمين من المحافظات الشرقية والشمالية.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات