تضع اللوحات الإعلانية صوراً لأطفال، يدعون أصدقائهم للعودة للمدارس، وتصدح الإعلانات الإذاعية بدعوات مماثلة، ويتكرر هذا للسنة الثالثة على التوالي خلال الأزمة، ومع بداية كل عام دراسي، حيث تبدأ دعوات المنظمات الدولية بالتعاون مع الجهات الحكومية للسوريين لكي (يعيدوا أبناءهم إلى المدارس) و(ألا يحرموهم من حقهم في التعليم)..
ولكن لماذا (لا يقتنع) السوريون بإرسال أطفالهم إلى المدارس رغم الدعوات الدولية والحكومية (الجذابة)؟! ولماذا (يختار) السوريون أن يخرجوا أطفالهم من المدارس؟!
أسئلة أجوبتها واضحة، بمقدار وضوح (الزيف) في دعوات الالتحاق بالمدارس..
التعبير الأكثر استخداماً من قبل المنظمات الدولية، بأن جيلاً من السوريين أصبح دون تعليم، حيث 2 مليون طفل سوري في عام 2015 لم يدخلوا المدارس، وحوالي 466 ألف طفل، مهدد بالخروج، والتسرب من التعليم في العام الحالي. كما أن أكثر من نصف أطفال سورية اللاجئين في الإقليم، وحوالي 713 ألف لم يدخلوا للمدارس طوال فترة نزوحهم.
والتسرب من التعليم لا يقتصر على التعليم الإعدادي، والثانوي، بل يتركز في التعليم الابتدائي، حيث أن الالتحاق بالتعليم الابتدائي قد انخفض من 98% في عام 2010 إلى 70% في عام 2013، وصولاً إلى 61.5% في عام 2015.
فلماذا برأي المنظمات الدولية، والحكومة السورية والمنظمات الأهلية السورية، يقوم السوريون بعدم إلحاق أطفالهم بالتعليم؟! المسألة لم تعد خياراً لأغلب السوريين، فعلى كل فرد من أفراد الأسرة، طفلاً أو امرأة أو كهلاً، أن يؤمن عوامل استمراره، أي أن يؤمن دخله، لأن دخل العامل أو رب الأسرة، لم يعد قادراً على تغطية كلفة غذاء الأسرة.
وينبغي التذكير بأن الأجر السوري الوسطي قد أصبح وبعد الزيادات الأخيرة: 34 ألف ليرة، أي حوالي 2,1 دولار يومياً، أي أن حد الفقر الدولي للفرد، يجب أن يعيل أسرة! وبناء عليه فإن الأطفال لا يملكون الحق في ظروف كهذه بالتعليم، وقد لا يملكون الحق في الغذاء إذا لم يقوموا بالمساهمة في تحصيل الدخل اللازم له.
إن العلاقة بين الفقر وتراجع الدخل الحقيقي، والتسرب من التعليم علاقة واضحة وحاسمة، بينما لا تعتبر خيارات الأسرة عاملاً حاسماً في موضوع كهذا، فالأسر السورية لم تعد تملك خياراتها..
حيث أن نسبة التحاق الإناث بالتعليم الابتدائي أعلى من نسبة التحاق الذكور، في مراحل التعليم كلها، بالقياس إلى عام 2010، ويعود هذا إلى زيادة انخراط الأطفال الذكور في سوق العمل، من الأعمار كافة، كما يقول تقرير الإسكوا: (سورية خمس سنوات في الحرب).
الحكومة التي تشارك في حملات من هذا النوع، تخفض إنفاقها سنوياً على التعليم، وتترك الوزن الأساسي للمساعدات الدولية التي تعلن أنها ستنفق ما مقداره 636 مليون دولار على خدمات التعليم والصحة في داخل سورية..
إن مجمل إجراءات الإنفاق على التعليم وعلى أهميتها، إلا أنها لن تستطيع أن تتصدى لمشكلة التسرب الكبير من التعليم، لأن المسألة لا تتعلق بتحفيز الأسر السورية على إرسال أبنائها، أو تخفيف تكاليف تعليمهم! بل ترتبط بالدرجة الأولى بأن الفقر يبتلع حقوق الأطفال السوريين كلهم في داخل سورية وخارجها، عندما يحرم معيليهم من الدخل الذي يسمح لهم بتغذية أطفالهم وتأمين مصاريفهم الأساسية!
والمفارقة أن كلاً من السياسات الحكومية، والعقوبات الدولية، واستمرار الحرب السورية، هي العوامل الرئيسية التي تغذي فقر السوريين وتدهور أوضاعهم وأوضاع أطفالهم.. فعن أية دعوات يتحدث هؤلاء؟!
سيرياديلي نيوز
2016-09-24 21:22:58