الحجلي :
هناك سلسلة طويلة تمر بها صناعة الخبز ولا تظهر العيوب إلّا في الرغيف فالقمح الطري الذي يسلّم لنا وسوء الطحين لا شك أنه سينعكس سلباً على الرغيف

“سنتك بيوم ويومك بسنة”، هو قانون كان سائداً سابقاً زمن الإقطاع، حيث كان يحرم الإقطاعي الأجير، أو ما كان يسمى”مرابع” من كامل حقوقه لمدة عام إذا قصّر

يوماً واحداً بالعمل . هذا القانون الجائر برز جلياً خلال قرارات الإعفاء التي أصدرها وزير التجارة الداخلية بحق رؤساء وارديات في أفران السويداء، حيث عكست هذه

القرارات هوية التوجهات الحكومية الجديدة، وإن كانت إيجابية لجهة التعامل مع أية حالة تقصير بحزم وشدة، خاصة في القضايا التي تتعلق بقوت المواطنين، ولكن

هي سلبية لجهة التسرع في اتخاذها، خاصة أن القائمين على رفع المقترحات غالباً ما يفعلون ذلك من باب تبييض “النحاس” كما يقال، ولإثبات حسن المتابعة،

فاختلطت إيجابيات قرارات الحزم مع سلبيات التسرع في اتخاذها، خاصة إذا كانت هذه القرارات تسبب رضاً نفسياً عند العاملين.

زيارة ليلية
في زيارة لنا لأحد الأفران منتصف الليل، كانت هدى مغمضة العينين، ولكنها واقفة على قدميها نتيجة الإرهاق الكبير الذي أصابها جراء العمل الشاق.. هدى مسؤولة

على أحد خطوط الإنتاج بمراقبة أرغفة الخبز، والتأكد من جودتها، وإخراج التالف أو غير الصالح منها خارج خط الإنتاج، ولكن بين غمضة عين وتفتيحها، يبدو أن

أحد الأرغفة التالفة هرب إلى إحدى الربطات نتيجة إرهاق وليس إهمالاً، فإذا ما وصل لمراقب تمويني تقوم القيامة، ولا تقعد، ويتفنن منظم الضبط بعبارات تدل على

التقصير، متجاهلاً الظروف التي ساهمت بإخراج هذا الرغيف إلى أفواه المواطنين.. هي واحدة من العاملات اللواتي اخترن البقاء خلف خطوط الإنتاج  من باب سترة

الحال أولاً، والوفاء للمهنة التي اعتاشوا منها عدة سنوات، رغم الواقع الصعب الذي يعيشون فيه، ورغم مطالبهم المتكررة والتي كانوا يتمنون من الوزير الجديد

سماعها والأخذ بها، ومن ثم الضرب بيد من حديد على المقصرين، فمن أراد العقاب عليه أولاً بالثواب، ومن أراد محاسبة المقصرين عليه بتلبية المطالب المحقة. بهذه

الكلمات استقبلنا العاملون المستاؤون من قرارات الإعفاء التي انعكست سلبياً عليهم.

رض نفسي
“عمال الأفران” مجرد ذكرك هذه العبارة، يتناهى لمخيلتك بيت النار، وحرارة المكان، وخطوط الإنتاج، ومشقة المهنة، وغيرها من الأجواء التي تضعك في خانة مهنة

الأعمال الشاقة.. هؤلاء العمال، كما يقول مدير فرع المخابز في السويداء المهندس بيان حرب، كانوا أوفياء بكل معنى الكلمة، فهم جنود مجهولون، وقفوا بكل صبر

واحتمال، رغم كل الظروف المعيشية الصعبة، واستمروا بالعمل، رغم كل المعوقات والصعوبات التي لا تحتمل في كثير من تفاصيلها، مشيراً أن المخابز الأربعة تنتج

100 طن يومياً من الخبز بواقع 8 خطوط إنتاج، كل خط عليه ستة عمال في ظروف صعبة من الأعمال الشاقة، والعدد القليل من العمال، والظروف الصحية والجوية

المفتقرة لأدنى الشروط. مدير الفرع تحدّث بكل جرأة ومسؤولية عن القرارات الجائرة التي تتخذ بحق العاملين بالمخابز، مطالباً من يتخذ مثل هذه القرارات أن ينظر

الى معادلة صناعة الرغيف بشكل متكامل، وإذا كانت لديه خبرات أفضل، فليرسلها لنا، علّنا نتعلم منها كيفية التعامل مع مثل هذه الظروف الصعبة، ونحن مستعدون

لتطوير أنفسنا في حال وجود من هم أكثر كفاءة وخبرة منا في الوزارة، وقادرين على التأقلم مع  الظروف ذاتها، والتعامل مع المادة نفسها  من الدقيق المقدّم لنا

بعيداً عن الإجراءات التعسفية والتي تسبب رضاً نفسياً للعمال، وبيّن حرب وجود الكثير من المشاكل الفنية في خطوط الإنتاج، تتم معالجتها  بشكل يومي.
اختبارات وضبوط
جاء القرار الوزاري، والذي يحمل الرقم 9160 تاريخ 15/8/2016 المتضمن إعفاء موفق أبو فخر رئيس واردية في مخبز السويداء، وسيطان أسعد الشحف

رئيس واردية في مخبز شهبا نتيجة ضبوط تموينية بإنتاج خبز سيئ الصنع وإحالتهم إلى الرقابة الداخلية للتحقيق معهم. اختبارات مديرية التجارة الداخلية تقول: إن

نسبة الرطوبة مطابقة، وكذلك قطر الرغيف ووزن الربطة، بينما في الفحص الفيزيائي تبيّن وجود أجزاء محروقة وكتل من الدقيق على الرغيف في رغيف من ربطة

أخذت من أصل 120 ربطة.. هي واحدة من القرارات التي يجدها العاملون في المخابز جائرة بحقهم، خاصة أن الذين طالهم القرار هم من العمال المشهود لهم

بتفانيهم وإخلاصهم على حد قول زملائهم، وبالتالي مقولة (حلق جارك بل أنت) ستطبق بلا استثناء على الجميع، إذا ما استمرت القرارات تتخذ وفق هذا المنحى.
علاء أبو فخر، رئيس واردية، وفني محكوم بالسجن ستة أشهر نتيجة ضبوط، وبانتظار محكومية جديدة حتى يتم دمج فترة السجن التي إذا استمرت على هذه الحال

ستصل إلى عدة سنوات، يقول: في الوقت الذي ننتظر فيه الثناء على الجهد الذي بذلناه طيلة فترة الأزمة، انهالت علينا الضبوط التموينية، والإعفاءات التي انعكست

سلباً على طاقة العمال الذين لهم مطالب كثيرة، وأهمها طبيعة العمل، والتأمين الصحي، وإدراج المهنة ضمن المهن الشاقة لكافة العاملين على خطوط الإنتاج،

مستشهداً بطبيعة العمل لمدير الفرع، 250 ليرة شهرياً، أي لا تساوي ثمن سندويشة فلافل، وبالتالي لابد من رفع سقف الحوافز، وقيمة الشريحة المحفزة، ففي عام

2000 كانت الحوافز 25% من الراتب، بينما اليوم لا تتجاوز 3% من الراتب، فمن خلال الإعفاءات التي صدرت تبيّن لنا كعاملين أن القرارات تؤخذ بشكل ارتجالي،

فمن تم إعفاؤهم من أنشط وأمهر العاملين، فهكذا تكون مكافأته، يتساءل أبو فخر؟!.

“كبش فدا”
المخابز “كبش فدا”، بهذه العبارة يصف مدير مخبز السويداء مروان الحجلي الواقع، ويقول: هناك سلسلة طويلة تمر بها صناعة الخبز، ولا تظهر العيوب إلا في

الرغيف، فالقمح الطري الذي يسلّم لنا، وسوء الطحين، لا شك أنهما سينعكسان سلباً على الرغيف: “أعطونا طحيناً جيداً نعطكم رغيفاً جيداً”، وهذا يتطلب، حسب

الحجلي، تنويع مصادر الطحين، وعدم الاقتصار على مطحنة واحدة، وخلط أنواع الطحين أيضاً، وهي حلول قد تكون مناسبة للتعامل مع الواقع الحالي للقمح، وكلنا

يعرف الصعوبات التي تواجه الدولة في تأمينه، ولكن لابد من وجود عدالة في عملية توزيع المتوفر، وأشار الحجلي إلى أنه عند انقطاع التيار الكهربائي يتوقف خط

الإنتاج، وبالتالي كميات الخبز الموجودة في بيت النار تتعرّض للاحتراق، وتبقى ثابتة على الحصيرة لفترة قد تصل لنصف ساعة، وهذا يؤثر في عملية تجانس الحرارة

على سطح حصيرة بيت النار، ما ينعكس سلباً على نوعية الإنتاج خلال تلك الفترة، هذه أحد الأمثلة التي لا يتحمّل مسؤوليتها أحد كونها مشكلة خارج الإرادة إلا إذا تم

تأمين تيار كهربائي دائم دون انقطاع، وهذا صعب خلال الفترة الراهنة على شركة الكهرباء كون إحداث خلية كهربائية مستقلة وخارجة عن التقنين مكلفاً جداً على

الشركة!.
أقماح طرية
محافظ السويداء عامر إبراهيم العشي اطلع  على سير العمل في مطحنة سرايا التي توزع مادة الطحين على أفران المحافظة بموجب عقد بينها وبين المؤسسة العامة

للمطاحن، الجولة جاءت بعد عينة تم سحبها من المطحنة، والتي تدل على سوء الاقماح التي يتم طحنها، وإن كانت نتيجة التحليل لم تخرج من المخابر بعد، ولكن

الشوائب التي تحتويها العينة، والتي تم سحبها من أصل 100 طن، تدل على حجم المشكلة!.. المحافظ أشار إلى أن مادة الطحين المنتجة في المطحنة جيدة، ويتم

تحييد الشوائب منه من خلال ست مراحل ضمن عملية الطحن، مبيّناً أن سوء تصنيع رغيف الخبز يتعلق بعملية تحضيره في الأفران، ومراحل تصنيعه التي تتطلب

المزيد من الاهتمام للحصول على رغيف بجودة ونوعية أفضل، مع التأكيد على ضرورة الاهتمام بعمليات تخزين الأقماح الموردة إلى المطحنة.
مدير المطاحن في السويداء جهاد طربيه بيّن أن الأقماح التي يتم استلامها هي أقماح طرية من الدرجة الرابعة والخامسة، وعمرها طويل، وبالتالي  بينما يجب أن

تكون الأقماح من الدرجة الأولى أو الثانية، فالدقيق ينتج عنه دقيق أسمر كون نسبة الاستخراج 90%، أي أن نسبة النخالة فيه كثيرة جداً، وبالتالي يكون لون

الطحين أسمر، إذاً المشكلة في المواصفات، فعندما كانت نسبة الاستخراج 80% كانت مقبولة، فالقضية بعهدة وزارة التجارة الداخلية التي تضع المواصفة، وبيّن

طربيه بأنه يجب أن يكون هناك مندوب خاص بالمطحنة لاستلام الحبوب وإلا فالمطحنة ملزمة باستلام أي قمح يتم إرساله، هذه الحلقة المفقودة بين المؤسسات أدت

لوصول أقماح غير قابلة للاستهلاك البشري.

عمل يومي
طبعاً ليس من باب الدفاع عن فئة من الناس يرتبط عملها بشكل يومي بالمواطنين، ولكن كم من المسؤولين تغنوا بتفاني هؤلاء العمال، وإخلاصهم في المهرجانات

الخطابية؟! وكم  هي المواد الإعلامية التي نشرت وتحدثت عن حقوق عمال المخابز المهضومة؟! وكم هي الوعود التي أطلقها المسؤولون بتلبية تلك المطالب المحقة،

ولكن دائماً كان الكمون على الوعد ذاته؟! ومن هنا نقول: علينا أولاً تهيئة الشروط المناسبة للعمل، ومن ثم المحاسبة، فمسؤولية القمح الطري ذي الدرجات الأربع أو

الخمس لا يتحمّلها عمال الدرجة الرابعة في المخابز، وعدم متابعة جودة الأقماح المسلّمة للمطاحن ليست مسؤولية العمال ذاتهم، وسوء عمليات الطحن، وشوائب

الطحين لا تظهر إلا في رغيف الخبز، وبالتالي المحاسبة الحقيقية والجادة تبدأ من …؟!.

البعث

سيريا ديلي نيوز


التعليقات