نشرَ موقع "جيوبوليتيكال فيوتشرز" تقريرًا يوضح ما آلت إليه الأوضاع السياسية والإقتصادية في العالم، خصوصًا في منطقة أوراسيا (أوروبا وآسيا)، وخلص
باستنتاج بأنّ "العالم ما قبل الحرب العالمية الثانية يعاود الظهور".
وأوضح التقرير أنّ "عدم الإستقرار المستشري في أوروبا وآسيا وصل إلى معدّل لم يشهده العالم حتى خلال الأعوام التي سبقت الحرب العالمية الثانية". وجاء فيه:
"إنّ ما يقارب الـ5 مليارات من الـ7.4 مليار شخص يعيشون على وجه الأرض يقيمون في أوراسيا. إنّها قلب الإنسانية النابض. هذا المكان كان مضطربًا دائمًا، لكن
خلال الأعوام القليلة الماضية اتخذت الإضطرابات أشكالاً جديدة لا تحمد عقباها."
وأشار التقرير إلى أنّ "المرة الأخيرة التي حصلت فيها هزة بالإستقرار كانت قبيل الحرب العالمية الثانية. وهذا لا يعني بالضرورة أننا متجهون نحو حرب جديدة في
المنطقة، لكن بالتأكيد ولجنا في مرحلة تاريخية جديدة، ونظام عالمي كله تغيرات تحمل مخاطر متزايدة بشكل كبير".
وأضاف: "حاليًا، تعيش أوروبا، روسيا، الصين ومنطقة الشرق الأوسط حالة عدم إستقرار. اللاإستقرار في أوروبا إقتصادي، إجتماعي ومؤسساتي. في روسيا،
اللاإستقرار إقتصادي واستراتيجي. أمّا في الصين فيوجد هزّة إقتصادية وإجتماعية. توازيًا، الشرق الأوسط مهتزّ ثقافيًا وعسكريًا". وأوضح أنّ "ما يحصل في الصين
مغاير لما يحدث في الشرق الأوسط، لكنّ كلاهما يعاني من تغيرات كبيرة يصعب السيطرة عليها وإيقافها. الشرق الأوسط غارق في الحرب والصين في الديكتاتورية.
لكن هناك حقيقة هي عدم الإستقرار". وتابع: "اللاإستقرار الذي سبق الحرب العالمية الثانية انتهى إلى حرب شاملة. أمّا عدم الإستقرار اليوم فيمكن أن يصعّد إلى
حرب، هذا الإحتمال غير مستبعد".
وفي نظرة على الـ10 أعوام التي سبقت الحرب، كانت أوروبا محطّمة إقتصاديَا، روسيا تعاني من القمع الوحشي، الشرق الأوسط يعاني من السيطرة البريطانية، وكان
ينظر إلى ألمانيا على أنّها الحلّ، فيما كانت الصين غارقة بالحرب الأهلية وفي العام 1930 بحرب مع اليابان. وقام
السوفيات بزعزعة إستقرار أوروبا سياسيًا وفكريًا، فتدخّل الأوروبيون والأميركيون في الصين، وتنافست الولايات المتحدة مع اليابان إقتصاديًا وكان الإستعداد للحرب
جاهزًا.
ما قبل الحرب العالمية الثانية
في الواقع، يجب التفكير في الحرب العالمية الأولى والثانية كحرب واحدة مع هدنة. الحرب الثانية كانت استمرارًا للأولى وتوسعت في أوراسيا. وهناك 3 أسباب للحرب
العالمية الثانية هي:
أولاً: صعود مجموعة جديدة من القوى –ألمانيا، اليابان والولايات المتحدة الأميركية- والتي كانت بحاجة لإعادة تحديد النظام العالمي. ألمانيا والولايات المتحدة غيّرتا
النظام الإقتصادي وبحلول العام 1914 ضغطتا من أجل إعادة هيكلة النظام العالمي، خصوصًا إعادة تحديد الإمبراطوريتين البريطانية والفرنسية. بعد الحرب العالمية
الأولى تعافت ألمانيا من هزيمتها، وظهرت اليابان كقوة من الدرجة الأولى.
ثانيًا: السبب الثاني كان تداعيات إقتصادية للحرب العالمية الأولى. فإنهيار ألمانيا والآثار البشرية والمالية التي ترتبت على فرنسا وبريطانيا خلق اضطرابًا إقتصاديًا
هائلاً. وقد تفاقم هذا الوضع لأنّ ألمانيا التي كانت القوة التجارية المهيمنة، لم يعد بإمكانها الإستيراد والتصدير، وخضعت روسيا لثورة زادت من تعطيل الحياة
الإقتصادية وفتحت الباب أمام لزعزعة الحركات السياسية. كما أنّ الناس الذين عاشوا المذابح في الحرب العالمية الأولى وقعوا في فشل إقتصادي، الأمر نفسه حصل
في اليابان والهند والصين.
ثالثًا: السبب الثالث يتدفق من الأولين، الحرب العالمية الأولى خلقت عدم ثقة مريرة بين الدول الأوروبية. وإنهيار هابسبورغ، هوهنزوليرن، رومانوف والإمبراطورية
العثمانية خلق ولادات جديدة لدول مستقلّة، لا تثق ببعضها ولا يمكن التنبؤ بسيايتها الخارجية. كذلك فالتدهور الإقتصادي العالمي في أعقاب الحرب العالمية الأولى دفع
إلى إرتفاع القومية في جميع الدول، وتجلّت بطرق مختلفة.
الشرق الأوسط والحروب
أمّا في الشرق الأوسط، فالدول التي أنشأها البريطانيون والفرنسيون فقد آلت إلى الحل، كانت دول قومية يحكمها ديكتاتوريون. وقد حلّ الإسلام مكان العلمانية التي
نشرها البريطانيون. الشرق الأوسط الجديد حلّ مكان القديم. خلال الحرب العالمية الثانية أصبح هناك إرتفاع للوعي الإسلامي مقابل العداء لبريطانيا والآن تعيش هذه
المنطقة نفس مرحلة الحرب الثانية.
ماذا عن الموقف الأميركي؟
الموقف الأميركي كان الأهم. فقد دخلت الولايات المتحدة في كساد عميق عام 1929. فانهزّ نظامها السياسي لكنّه لم ينكسر. لم تكن واشنطن إنعزالية كما يظنّ البعض
إنما تجنبت الدخول في الحرب الأوروبية. وكانت منخرطة في العمق في المجالين السياسي والعسكري في شرق آسيا, وعن طرق تقليل الإضرابات الداخلية والإستفادة
من المسافة مع أوراسيا، بقيت بعيدة حتى أعادت بناء إقتصادها.
..أوراسيا اليوم
من المستحيل أن تحكم الولايات المتحدة العالم. إنّها قوة عظمى ولكنها ليست قادرة على كل شيء، كما أنّه لا يمكن النظر لأي صراع في العالم على أنّه قضية أميركية.
فالولايات المتحدة تتحرك من أجل إدارة موازين القوى الإقليمية. إنها ليست إنعزالية، لكنها تتبنى الطرق البريطانية والرومانية والتدخلات المحدودة وتدعم بالمقابل
القوى الإقليمية للحفاظ على التوازنات. وتحتفظ بالتدخل للحظة الأخيرة. كما فعلت إبان الحرب العالمية الثانية في معركة النورماندي الشهيرة.
إستنتاج
إنّ عدم الإستقرار المستشري في أوروبا، الصين، روسيا والشرق الأوسط –كلّها أجزاء من أوراسيا- أمر لم يشهده العالم منذ الأعوام التي سبقت الحرب العالمية
الثانية. ويأخذ عدم الإستقرار أشكالاً مختلفة. الأزمات الإقتصادية والإجتماعية تجتاح العالم والقتال يتوسع في الشرق الأوسط وعلى الحدود الروسية، كذلك فهناك
نشاطات عسكرية في بحر الصين. هذه الصراعات لم تتدفق من حريق واحد لكنّها بدأت تتفاعل. والمثير هو عودة الولايات المتحدة إلى الموقف الذي اتخذته قبل
الحرب العالمية الثانية. أمّا العامل الأخطر هو أنّه لا يوجد قوات واضحة قادرة على توقيف القتال في الشرق الأوسط، وحلّ الأزمات الأوروبية الداخلية، الأزمتين
الإقتصادية والإستراتيجية الروسية وأزمات الصين المتنوعة. ومن دون هذه القوى غير الظاهرة، ستستمرّ الأزمات وتكبر. ولا يبدو أنّ هناك قوة قادرة على إحتواء
الأزمات الحاصلة في الوقت الحالي.
الإستنتاج الوحيد المتبقي هو تصاعد الأزمات في أوراسيا وذلك يعني إعادة تشكيل المنطقة كما حصل من خلال الحرب العالمية الثانية.
سيريا ديلي نيوز
2016-09-16 11:04:03