على وقع تضحيات الجيش العربي السوري الذي أعاد الأمان إليها تشرع مدينة داريا بريف دمشق الجنوبي الغربي من وسط الخراب والدمار الذي خلفته التنظيمات الإرهابية قبل إخلائها في السابع والعشرين من آب الماضي أبوابها على مسارات من الأمل والأمان والاستقرار لإعادة نبض الحياة إلى مدينة كانت تضج بالحياة الاجتماعية والتجارية والصناعية والزراعية قبل أن ينهش الإرهاب جسدها.

وبعد سلسلة عمليات متواصلة أطبق الجيش في منتصف آب الماضي على التنظيمات الإرهابية في مساحة ضيقة جدا ما أجبر المسلحين على طلب التسوية والانسحاب في إطار اتفاق تم التوصل إليه لإخلاء مدينة داريا من السلاح والمسلحين فخرج المسلحون وعائلاتهم على دفعات خلال يومي 26 و27 آب حيث تم إخراج جزء من الأهالي إلى مراكز إقامة مؤقتة بريف دمشق وعشرات المسلحين مع أسرهم باتجاه مدينة إدلب تمهيدا لعودة جميع مؤسسات الدولة والأهالي إليها.

وبعد ثلاثة أيام على إخلائها من المسلحين وفي جلسة له اتخذ مجلس الوزراء قرارا بتشكيل لجنة لمتابعة إعادة تأهيل البنى التحتية والخدمية في مدينة داريا تمهيدا لعودة الأهالي إلى منازلهم.

في عام 2012 وصيف 2016 عاشت مدينة داريا التي يعود عمرها إلى آلاف السنين ويرتبط وجودها بوجود دمشق الواقعة على مسافة بضعة كيلومترات إلى الجنوب الغربي منها أهوال الإرهاب بكل أصنافه من خطف وقتل وتدمير وهو ما دفع بأبنائها إلى تركها عنوة لكنها لم تفارقهم وظلوا على يقين بأن رجال الجيش حماة الوطن سيعيدون المدينة إلى أهلها من أنياب التنظيمات الارهابية .

في وسط داريا حيث ارتكبت التنظيمات الارهابية أفظع الجرائم وخلال جولة للصحفيين فيها توقف الجميع أمام كومة من الأوراق والمصنفات وبنبرة حزينة يقول المحامي عامر السقا “هذه أضابير الموكلين” قبل أن يلتفت إلى الخلف وهو يشير إلى غرف يكسوها الغبار عارية الجدران منزوعة النوافذ والأبواب في الطابق الأول من أحد الأبنية السكنية الحديثة المطلة على شارع البلدية.. ويضيف “هذا مكتبي أراه للمرة الثالثة وكل مرة أشعر بالصدمة”.

عمل المحامي السقا المتحدر من داريا نحو 15 عاما في ميدان المحاماة وكان على عتبة تأسيس مركز تحكيم دولي من عدة مكاتب يضم مجازين في الحقوق ومتدربين يعملون بالاستناد إلى خبرته في القضاء كان ذلك قبل أن يهجر داريا مع أسرته قسرا هربا من الإرهاب.

وروى السقا أنه بعد أسبوع من خروجه من داريا انخرط بالعمل الإنساني مثل العديد من أبناء داريا الرافضين الارتباط بأجندات خارجية وترأس لجنة الأهالي المهجرين في بلدة الكسوة بريف دمشق والمناطق التابعة وحسب الإمكانيات وبالتعاون مع عدد من الجمعيات الأهلية الفاعلة والهلال الأحمر العربي السوري عمل على تقديم المساعدة لمئات الأسر المهجرة داخل الكسوة وخارجها بفعل الارهاب المدعوم إقليميا ودوليا.

خلال جولة في السيارة وبينما كان يردد أسماء الشوارع التي نمر بها ويشير إلى المباني والمؤسسات الخدمية التي لحقت بها أضرار كبيرة ويرصد حجم الأذية في منازل الأقارب والأصدقاء تحدث عماد يازجي أحد سكان داريا.. يوجد في داريا لعام 2011 أكثر من 2700 ورشة نجارة و1050 معرض موبيليا و300 ورشة خياطة ما عدا ورشات الألمنيوم وفعاليات دمشق الصناعية كانت جميعها موجودة من صناعات نسيجية وألبسة جاهزة وكونسروة.

ويضيف.. فضلا عن كونها منطقة صناعية تجارية فهي منطقة زراعية ذات تربة خصبة ومناخ معتدل وفيها رابطة فلاحية اشتهرت بتربية المواشي كان فيها ما لا يقل عن 500 رأس بقر وما يقارب هذا الرقم من الأغنام كما أن داريا هي موطن شجرة الكرمة وعنب داريا معروف بأصنافه الديراني والحلواني والزيني والأسود والأحمر إلا أن البساتين اليوم أصابها اليباس والشلل بعد خمس سنوات من الإرهاب .

وفي إطار التوجهات الحكومية لتقييم الأضرار التي لحقت بالبنى التحتية والمنشات العامة والشبكات بالمدينة جراء الاعتداءات الإرهابية قام المسؤءولون عن الوزارات ومديرو المؤءسسات المعنية بالخدمات الأساسية يوم الخميس الماضي بالاطلاع على واقع المدينة تمهيدا لإعادة تأهيلها وهو ما أثلج صدور أبناء داريا الذين يتلهفون للعودة إلى مدينتهم.

داريا وتعني الدور الكثيرة وهي أكبر مدن الغوطة الغربية تعرضت عبر التاريخ لاعتداءات وغزوات فتكت بأهلها وتسببت بدمارها وتخريبها كما لم تنج من الغزو الصليبي عام 1148 وكذلك التتار عام 1394 وعانت من الاستعمار الفرنسي لسورية وآخر هذه الأهوال التنظيمات الإرهابية التكفيرية المدعومة من دول خليجية وتركيا بالزعامة العربية الاميركية التي عاثت فيها فسادا وخرابا وتدميرا ولكن بقيت صامدة فيما آل بمخربيها الفناء.

واليوم بتضحيات الجيش العربي السوري على أرض داريا بإخلائها من الإرهاب تمهيدا لعودة أهلها وبجهود أبنائها سيعود لها الحب والألفة والتسامح مجددا

سيرياديلي نيوز


التعليقات