لم تكن “رنيم عنان” 20 عاماً تعرف أن الصور التي كانت توثق فيها حياة لجوئها ستكون في يوم من الأيام مفتاح نجاحها، فصورة التقطت للملجأ الذي تعيش فيه وأخرى للغرفة التي يتجمع بها ست أشخاص وثالثة لقبو المنزل الذي كانت تدرس به حتى تمكنت من إتقان الألمانية كاللغة الأم وأذهلت بذلك جميع أساتذة الجامعة الذين مروا عليها.
بعدما عاشت رنيم الحرب في سوريا مع أهلها ووجدت أن الحياة باتت شبه مستحيلة وبات شبح الخوف من انقطاعها عن الدراسة يراودها قررت العائلة السفر إلى ألمانيا ، وبالفعل غادرت رنيم من حلب في “23 سبتمبر/أيلول” عام 2015 متجهين إلى لبنان ووصلوا بيروت ومنها إلى تركيا حيث مكثت وعائلتها مدة ثلاث أيام ليغادروا بعدها إلى اليونان وتبدأ رحلة لجوئهم عبر دول البلقان ليصلوا إلى ألمانيا في “9 أكتوبر/تشرين الأول”
طريق الألف ميل بدأ من الصالات الرياضية
وصلت رنيم إلى مدينة كوزيسفيلد في مقاطعة شمال الراين ويستفاليا، ومكثت شهراً كاملاً في الملجأ، لم يكن البكاء يفارقها لأنها غادرت جامعتها في حلب وهي من الطلاب العشر المتفوقين، لا سيما أنها قد ترفعت إلى السنة الثالثة في الطب البشري. ولأجل ذلك عملت على دراسة اللغة الألمانية لتتمكن من التسجيل في الجامعة.
تقول رنيم “كان الملجأ صالة رياضية كبيرة وغابت الخصوصية عنا، كنت أنتظر الجميع لينام وأذهب للحمامات النسائية وأدرس هناك، كنت قد حفظت بعض الكتب على هاتفي، وحتى في رحلتي في دول البلقان كنت أراجع بعض المفردات التي حفظتها على هاتفي، إلى جانب أني سمعت الراديو كثيراً حتى لو لم أفهم شيئاً حتى أنهيت سلسلة A2”
سرّ إتقان اللغة الألمانية سريعا
فُرِزَتْ بعدها رنيم إلى مدينة “بيللربيك” ومكثت مع عائلتها المكونة من ستة أشخاص في غرفة واحدة، لم يكن الوضع مناسباً أبداً للعيش، ولما ضاقت فيهم الحال تم نقلهم إلى منزل مشترك وحصلوا فيه على غرفتين.
لكنها ورغم ذلك استمرت في تعلم اللغة، كانت رنيم تدرس ما يقارب 4 ساعات يومياً، حتى تعرفت على جارها الألماني المسن أولريش بوكمان. لاحظ بوكمان إصرار رنيم على تعلم اللغة الألمانية، ما دفعه لمساعدتها. وباتوا يدرسون سوية أربعة أيام في الأسبوع لمدة ساعتين. إلى جانب ذلك كان رنيم تدرس اللغة عبر موقع اليوتيوب حتى باتت تصل ساعات دراستها إلى سبع ساعات يومياً حتى أنهت مستوى B2، وهنا بدأت رنيم تقرأ الروايات الألمانية والرسائل البريدية والجرائد، حتى تحفظ أكبر قدر ممكن من المفردات.
تقول رنيم “رغم قدرتي على إتقان اللغة الألمانية في وقت قياسي، إلا أن الخوف من عدم القدرة على الالتحاق بالفصل الشتوي بات يؤرقني، فإن فاتني التسجيل في هذا الفصل سأضطر للانتظار للفصل الصيفي أي للسنة المقبلة وفرص القبول بهذا الفصل صعبة جداً وقد أضطر للانتظار للفصل الشتوي المقبل أي لعام 2017، ولما رأى السيد بوكمان اجتهادي ورغبتي في التسجيل في الجامعة بأقصى سرعة سأل عن منح تقدم للاجئين في جامعة مونستر حتى حصلت على منحة في معهد “فيبداف” وتم إجراء اختبار للغة وتقييمي بمستوى B2 وسط ذهول الجميع”.
التسجيل في الجامعات الألمانية أصعب من إتقان اللغة!
رغم تقييم رنيم بمستوى B2 إلا أنها فضلت تتابع جميع مستويات تعلم اللغة، لتتقدم بعد ذلك لامتحان اللغة الخاصة بدخول الجامعة والمعروف باسم ” DSH” وفي هذا الامتحان كان يتوجب على رنيم أن تحرز درجات عالية تصل إلى أكثر من 82 بالمئة. وهو ما نجحت رنيم في تحقيقه أيضا وترجع رنيم سبب هذا النجاح إلى احتكاكها الكثير بالألمان، إذ قامت بإجراء تدريب مهني في المشفى الجامعي أكسبها الكثير من الخبرات على الصعيد اللغوي والمهني.
بعد أن نجحت رنيم في تجاوز حاجز اللغة، كان عليها الالتحاق بالجامعة. وهنا بدأت مرحلة جديدة في رحلة الالتحاق بالجامعة. وتتمثل هذه المرحلة بالإجراءات البيروقراطية في ألمانيا وصعوبات التسجيل التي لم يكن لديها فيها أي خلفية، والأوراق المطلوبة أيضاً. إذ كان عليها التقدم إلى 30 كلية طب لتحصل على قبول واحد، ولكل كلية من هذه الكليات شروطاً معينة للقبول، فضلا عن التكاليف المادية التي كان عليها دفعها رغم أنها لازالت لاجئة.
لم تحصل رنيم على قبول لها في جامعة بوخوم، لكنها حصلت مقابل ذلك على قبول من 9 جامعات ألمانية أخرى من بينها قبول في جامعة توبينغن وجامعة مارتن لوثر وجامعة زارلاند ووريغنسبيرغ ولازالت حتى الآن تنتظر قبولاً من جامعة مونستر لتبقى بجانب عائلتها. وبالرغم من أن الشرط الأساسي للحصول على قبول جامعي هو الحصول على إقامة، إلا أن رنيم رنيم لم يكن لديها إقامة في ألمانيا، إلا أنها حصلت على 9 قبولات جامعية. وتأمل أن تقدم صورة جيدة عن اللاجئين في ألمانيا وتشير إلى أن وجود فئة متطرفة أو إرهابية فهذا لا يعني أن جميع اللاجئين هكذا، وتختم رنيم حديثها “ألمانيا أعطتني الشيء الذي لم تعطيه لي بلدي سوريا، فكما أن سوريا بلدي ألمانيا هي بلدي الثاني الذي سأحقق فيه حلمي، وسأخدمه بأن أجد وأعمل لأجله ولأجلي ولأجل أبناء وطني، سأعيش هنا لكني لن أنسى سوريا ولن أنسى مساعدة الناس الأبرياء هناك”.
سيريا ديلي نيوز
2016-09-10 18:29:25