في السابق، تميز السجناء السياسيون والجنائيون بإخراج بعض الأعمال اليدوية البسيطة من داخل السجون، اليوم بدأت مؤسسات خيرية تدرك أهمية ما يمكن أن تخرجه السجون، من إبداع، وفن، وتميز، عند استثمار الوقت الكبير الذي يمضيه السجين داخل السجن.

وإن كان هدف هذا الاستثمار الرئيس، هو إعادة تأهيل هؤلاء السجناء، ودمجهم في المجتمع، وتخفيض نسب الجريمة، فأيضًا هذه السجون أصبحت اليوم قادرة على إخراج منتجات فاخرة تضاهي «ماركات عالمية»، وإذا ما كانت الدول الغربية الأكثر تميزًا في ذلك، إلا أنّ للدول العربية بعض التجارب المميزة، والتي وصلت لصناعة أفلام داخل السجون التونسية، كان أبطالها من السجناء أنفسهم.
صناعة أفلام في سجون تونس

«حكايات من الحيط» و«اضطراب»، فيلمان تونسيان أبطالهما من سجناء تونس، عُرضا بإحدى قاعات السينما، فقد تمخضت الورشة السينمائية، التي خضع لها هؤلاء داخل السجن «المدني» بالمهدية، على اختيار 12 من أصل 50 سجينًا ترشحوا للمشروع.

جمعية «عيون السمع» الفرنسية المتخصصة في صناعة السينما، هي من قامت على هذه التجربة، كان ذلك في شهر مارس(آذار) 2015، فالجمعية التي لها تجارب في إنتاج أفلام داخل السجون الفرنسية، جعلت من سجناء يقضون فترة عقوبة طويلة أبطالًا لأفلام ينتجونها بأنفسهم. خضعوا لتدريب دقيق تحت إشراف مختصين تمكنوا من إخراج مواهب فنية لهؤلاء السجناء، بعد أن خضعوا إلى تدريبات ورشة الإنتاج السينمائي، كل خميس وجمعة من أيام الأسبوع.

ركزت الأعمال الفنية تلك على رصد انفعالات وأحاسيس السجناء. يقول أحد المساهمين في هذه الورشة السينمائية، وهو «محمد الدخلاوي»، إنّ «مقاييس الاختيار لم تتعلق بتاتًا بمستوى تعليمي، أو انضباط داخل السجن، بل فيمن وجدت لديه رغبة في ممارسة هذا النشاط الثقافي، وقدرة على التعبير والإبداع»، مضيفًا «سلوك هؤلاء تغير، مقارنة بأول يوم وطأت أقدامهم الورشة؛ أصبحوا أكثر تفاؤلًا، وأقل عنفًا في سلوكهم، كما طغى الإحساس الفني على إحساس السجين».
سجون البيرو.. ملابس تباع في متاجر نيويورك وباريس

ماركة فاخرة من الملابس، تُباع في متاجر نيويورك وباريس منذ العام 2013، صنعت بأيدي سجناء البيرو النزلاء في سجني «سان بدرو» للرجال و«سانتا مونيكا» للنساء. في هذين السجنين خصص مشغل صغير يمتد على مساحة 50 متر داخل السجن، فيه مكان لتقطيع القماش، وآخر للحياكة، وثالث للتطريز اليدوي على هذه الملابس.

يعمل العشرات من السجناء على صنع القمصان والسراويل والسترات من الألف إلى ياء داخل السجن، ثم يخرج المنتج ليباع حتى على الانترنت، يتم إنتاج مائة قميص «تي شيرت» في الأسبوع، وتذهب نسبة من المبيعات للسجناء كدخل خاص بهم وبعائلاتهم.

تعود هذه الفكرة إلى الفرنسي «توما جاكوب» – 29 عامًا – الذي خاطر بالتخلي عن عمله لحساب الماركة الفاخرة «شانيل»، لكنه كسب الرهان، وأصبح الآن مسئولًا عن منتج عالي الجودة، وتنافسي، من إنجاز السجناء، فهو يقوم بتصميم الملابس التي يصنعها السجناء، فكرة جاكوب التي تهدف إلى دمج هؤلاء السجناء، اختار لها اسم ماركة «بييتا»، يقول جاكوب «اقترحت على سلطات السجن إقامة مشغل لتصنيع الملابس في السجن كمشروع حرفي، وراهنت على أن السجناء سيكونون مهتمين باستثمار الوقت الذي يمضونه في السجن.»
مطعم وطهاة داخل السجون البريطانية

عندما تتخذ قرار تناول الطعام في بعض مطاعم بريطانيا، فعليك الحجز قبل 72 ساعة، كما يشترط أن يكون عمرك قد تجاوز 18 عامًا، أما عند وصولك باب المطعم، فعليك أن تخضع لتفتيش دقيق، وربما تخضع لفحص حيوي (بايومتري)، أيضًا عليك أن تسلّم هاتفك النقال، وتترك الحقيبة والمحفظة ومتعلقاتك الشخصية.

كل ذلك من أجل أن تحظى بتجربة فريدة من نوعها، وهي تناول الطعام في مطعم داخل سجن يقوم عليه طهاة من السجناء، ويضاهي أحد أفضل فنادق لندن. حتى الآن هناك ثلاث مطاعم في ثلاث سجون بريطانية، آخرها كان مطعم «ذا- كلِنك» في سجن «بريكستن» الذي افتتح في فبراير (شباط) 2014. يعمل في هذه السجون  السجناء طهاة ومساعدين، ويعدون أطباقًا تنافس المستويات العالمية؛ إذ إنه خلال سعيها لتخفيض نسب الجرائم، وإعادة تأهيل السجناء في المجتمع البريطاني، توصلت مؤسسة «ذا- كلِنك تشارتي» إلى فكرة افتتاح مطاعم للجمهور، فقامت باختيار السجناء، وتدريبهم، وتقوم بعمليات تدقيق الحسابات، وتقديم المشورة للسجناء.

يعمل السجناء الذين تم اختيارهم ثماني ساعات يوميًا، وهم متميزين في صناعة مأكولات متنوعة تتغير قائمتها يوميًا، ويقدمون أصنافًا من الأطباق الرئيسة والحلويات، أبرزها أنواع «الآيس كريم» التي تُصنع في السجن كل صباح.

يقول «كريس موور»، المدير التنفيذي لمؤسسة ذا- كلِنك تشارتي الخيرية «حتى الآن، زارنا 12 ألف زبون في مطعمنا. وهذا يعني ألف شخص شهريًا. إنها شريحة حقيقية من المجتمع. أي أننا غيّرنا نظرة الناس إلى الحياة في السجون، كما أننا ندعم مجال خدمات الضيافة. إنه يعمل كأي مطعم عادي حقًا، إلا أنه لا يمكنك التسلل خلسة إلى الخارج لأخذ استراحة لتدخين سيجارة.«
المكسيك ..حقائب جلدية تباع بمئات الدولارات

حقائب نسائية بديعة، صنعت بأيدي سجناء من سجن ولاية «هيدالجو» القائم في وسط المكسيك. هؤلاء السجناء من النساء والرجال، تمكنوا من إنتاج حقائب جلدية فاخرة، تُباع الآن في أرقى المحال التجارية، في المكسيك.

وكانت نتائج برنامج إعادة التأهيل من خلال الفن مُثيرة؛ إذ أخرجت منتجات بقيمة فنية عالية، تُباع بمئات الدولارات، بل وُضعت خُطة لتصديرها إلى الولايات المتحدة ولندن، فضلًا عن الأثر العائد على حياة 240 سجينًا، يعملون ضمن المشروع، في ستة سجون بالمكسيك.

وذكر موقع «24heures» السويسري،إن «هذا المشروع لتأهيل المساجين من خلال الفن يقام بالتعاون بين السجن وإحدى المؤسسات الخاصة، ويتم من خلاله منح المساجين راتبًا شهريا قد يصل إلى 400 دولار حسب السلع التي يقدمها».
في السجون الأمريكية..لوحات ومنحوتات فنية مُتقنة

في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2015، أقامت كنيسة «القديس يوحنا» الأمريكية معرض فني عنوانه «الأمل والحرية» على أرضها، عرضت خلاله لوحات ومنحوتات فنية لسجناء موهوبون.

يأتي هذا المعرض الذي من المحتمل أن يكرر في العام 2016 كجزء من إعادة تأهيل السجناء، أولئك الذي تمكنوا من إنجاز المعروضات في الورشة الفنية، والحرف اليدوية في المرافق الإصلاحية، لكن الفن ليس جديدًا على السجون الأمريكية، إذ إنه في العام 1990 أسس مشروع «الفنون الإبداعية للسجون»، بجهد الأستاذ المحاضر في جامعة ميشيغان «وليام ألكزاندر» الذي هدف إلى  تنمية مواهب السجناء، وهو برنامج يرعى أكبر معرض سنوي لفنون السجناء في الولايات المتحدة.

تقول الفنانة «شيلا بولدن» «عندما دخلت السجن لم أكن أستطيع القراءة أو الكتابة إلا بشق الأنفس؛ ولكنني كنت دائمًا أستطيع أن أرسم»، وتضيف «فني يساعدني على التخلص من قدر كبير من الضغوط في حياة السجن، ويمنحني الصفاء والسلام».

ساس

سيريا ديلي نيوز


التعليقات