مثلما لجأ السوريون إلى دول الجوار، لجأت معهم مهنهم الشعبية النادرة، التي تُهدد يوماً بعد يوم بالانقراض، ومنها مهنة “تبيض النحاس” التي حملها ابن مدينة حمص نبيل في لجوئه إلى الأردن صحبة عائلته، منذ العام 2013.

واجه نبيل صعوبات كثيرة في بداية لجوئه للأردن، حيث لم يجد مأوى لمهنته التي ورثها عن أبيه الذي ورثها بدوره من جده، يقول نبيل : “أنا جديا لا اعرف العمل خارج مهني التي بدأتها منذ صغري في محل العائلة بالسوق المسقوف في مدينة حمص، الذي تهدم حاله حال السوق بأكمله  ولم يبقى أمامي إلى الخروج من سوريا متجها إلى الأردن أملا مني بإيجاد مكان لخبرتي في تبيض النحاس التي تزيد على 40 عاما، ولكن للأسف وجدت الوضع مغاير تماما عن سوريا والكثير من الأردنيين لا يعرفون ماذا يعني تبيض النحاس”.

اختلاف بين سوريا والأردن

من المعروف أن انتشار مادة الألمنيوم في صناعة الأواني المنزلية كانت على حساب تلك المصنوعة من مادة النحاس التي يزداد سعرها يوما بعد يوم، ومن هنا أصبح عمل مبيضي النحاس يتناقص، ويكاد يتجه إلى الزوال، حتى أن الكثير من أصحاب هذه المهنة هاجروها إلى غير رجعة، نبيل رفض تلك الهجرة وحاول جاهدا إيجاد امتدادا لها في الأردن، وكان له ذلك، يقول نبيل : “من ساعدني في إنشاء ورشة صغيرة وايجاد زبائن لها هو شاب أردني كان والده يعمل في هذه المهنة، واستطاع ايصالي مع زبائن والده القديمين من أصحاب المطاعم الذين لا يزالون يستخدمون الأواني النحاسية في مطابخهم”.

يشرح نبيل أن الزبائن تختلف بين كلا من سوريا والأردن، “في حمص كان لدي زبائن كثر من ناس عاديين يستعملون في بيوتهم الطناجر النحاسية بالإضافة إلى زبائني من مطابخ المطاعم، أما في الأردن فالوضع مختلفا تماما، لأن عدد مستخدمي النحاس قليل جدا ويكاد يقتصر على مطابخ بعض المطاعم، ومن هنا أشعر ان لا مستقبل لمهنتي في الأردن، مالم يعود الناس لأستخدام النحاس الذي هو افضل بكثير من بقية المواد صحيا”.

نبيل المعروف بأبو راكان يعتمد على الطرق البدائية التي تعلمها على يدي أبيه في تبيض النحاس، ويستعمل المواد القديمة ذاتها، ويوضح أن تلك الطرق هي الصحيحة التي تضمن تبيض يدوم طويلا للمواد النحاسية، ولكنه في الوقت الحالي يعاني كثيرا من قلة الزبائن في الأردن، وجل ما يتمناه الرجوع إلى محله في حمص القديمة، ويعود لممارسة مهنته بشكل يومي حيث يجد سعادته، وختم نبيل حديثه مع بالقول: “من غير كاره قل مقدراه”.