قطاع السيارات كباقي القطاعات الذي ألقت الأزمة وتداعياتها بظلالها عليه ليخرج من الخدمة شيئاً فشيئاً، فقد تعرّض هذا القطاع لعمليات مد وجزر في السنوات
السابقة، إذ رأيناه في بداية الأزمة في حالة من الركود أدت لشلّه نهائياً وانعدام حركته، لتصبح أسعار السيارات في الحضيض نتيجة تعرضه لخسائر قُدّرت بالملايين،
وذلك بعد أن وجهت له مجموعة من العقوبات الاقتصادية من قبل دول عربية وغربية، إضافة إلى عدم استقرار سعر صرف الدولار، وتوقف الوكلاء عن الاستيراد،
وانعدام قطع التبديل والزيوت. كل هذه الظروف أدت إلى إحجام المواطنين عن شراء السيارات، ولا سيما أن 95 % من سوق السيارات في سورية يعتمد على
التقسيط، ثم ما لبث أن عاد هذا القطاع إلى العمل متماشياً مع الظروف التي وُضع فيها، فنشط سوق السيارات المستعملة، وتم استيراد قطع السيارات بأسعار مرتفعة
من دول صديقة لتصبح أسعار السيارات المستعملة تُحلّق عالياً أسوة بارتفاع الدولار وقطع التبديل وغيرها من الأمور التي لا تُبرر تحليق أسعارها لتصبح حلماً يُراود
أغلب المواطنين.
دخاخني
إمكانيات الرقابة تبقى محدودة أمام هذا الكم الهائل من المحلات والباعة والأسواق وهناك مزاجية بالأسعار
أسعار متذبذبة
من المنطقي أن ينصب اهتمام المواطن حالياً على تأمين أساسيات الحياة وليس كمالياتها، فلم يعد تأمين السكن والسيارة من أساسيات الحياة، بل بات تأمين لقمة العيش
هو الهوس الذي يصيب معظم المواطنين، فمعظم المواطنين الذين التقيناهم أكدوا لنا أن السيارة كانت قبل الأحداث حلماً وبعد الأحداث أصبحت كابوساً مخيفاً، ففي ظل
الأزمة الحالية لا يمكن لذوي الدخل المحدود ولا حتى المتوسط التفكير بشراء سيارة مستعملة، فقد أضحى الحديث عن تجارة السيارات ينطوي على سمسرة حقيقية
ليتفنن سماسرة السيارات في حرق الجيوب مع استمرار التهاب الأسعار، ففي جولة لنا بين مكاتب بيع وتأجير السيارات، لاحظنا الارتفاع الرهيب لأسعار السيارات
المستعملة، لم يعد الحصول على سيارة مستعملة بالأمر السهل … عبد القادر واصل صاحب أحد المكاتب، أكد لنا أنه في الأزمة قام بعض المتصيدين في الماء العكر
بشراء السيارات القديمة واحتكار بيعها بأسعار تفوق قيمتها الحقيقية، كذلك قامت العصابات الإرهابية المسلحة بسرقة السيارات وتهريبها من المحافظات والتجارة
بقطع تبديلها لتصل أسعارها إلى أرقام أقل من سعر السوق بقليل لتصريف هذه السيارات.
أسعار قطع التبديل والزيوت
في ظل سياسة العرض والطلب، وارتفاع وهبوط سعر صرف الدولار، وغياب أجهزة الرقابة، قفزت أسعار قطع تبديل السيارات، وخاصة ما يتعلق منها بمكونات
المحرك، وأنظمة المكابح، والمقود، والكهرباء، وملحقاتها الأساسية، إضافة إلى مستلزمات السيارة التي بدأت ترتفع يوماً بعد يوم، وعند سؤالنا لعدد من أصحاب
محال قطع التبديل والزيوت، كان الرد واحداً وهو: “إن سعر الدولار غير مستقر”، فقد ارتفع سعر برميل زيت المحرك أضعاف ما كان عليه سابقاً، إضافة إلى ارتفاع
أسعار قطع التبديل التي تجاوزت الـ 800%، ناهيك عن قفز أسعار بطاريات السيارات إلى خمسة أضعاف، إن لم يكن أكثر، وهو ما أدى إلى رواج سوق البطاريات
المستعملة، ودفع المستهلكين إلى الاستفادة من البطاريات القديمة من خلال مقايضتها بنحو50% من إجمالي السعر الجديد؟!.
سيارات مستعملة
بعد هذا الارتفاع المخيف سرعان ما عرف سوق السيارات تقلبات جوهرية، الأمر الذي أدى لرواج سوق السيارات المستعملة، وانتشار مكاتب بيع وشراء السيارات،
وإقبال المستهلكين على شرائها، وحالياً، وفي خضم توقف التجار عن استيراد السيارات الجديدة، وإغلاق شركات السيارات لشركاتهم، بدأت رحلة بحث الكثيرين في
عالم السيارات المستعملة عن سيارة رخيصة وجيدة، وتراجع عمليات شراء السيارات الجديدة، قابلها في الاتجاه الآخر اتجاه الكثير من المشترين لبيع سياراتهم،
حسب أحد أصحاب مكاتب بيع وتأجير السيارات، وذلك بسبب عدم قدرة المشترين على تحمّل الأعباء التي فرضتها الأزمة على واقع السيارات، سواء في ارتفاع سعر
البنزين، أو ارتفاع تكاليف قطع السيارات والزيوت، ليكون الخيار في النهاية هو بيع السيارة بسعر رخيص هرباً من التزاماتها، وأكد أصحاب مكاتب بيع السيارات
المستعملة ارتفاع أسعارها إلى خمسة أضعاف تقريباً بسبب قلة السيارات المعروضة للبيع في المكاتب من جهة، وارتفاع سعر صرف الدولار أمام الليرة السورية من
جهة أخرى، وبسبب عمليات التهريب إلى الدول المجاورة!.
إمكانيات محدودة
الجهات المسؤولة ألقت اللوم وراء الارتفاع الجنوني لأسعار السيارات وقطع تبديلها لارتفاع سعر الصرف، وارتفاع أجور النقل، ونهاية ضعف الرقابة، وهذا ما يطالب
به الشارع السوري، مؤكدين الحاجة إلى متابعة أكبر للأسواق، وتفعيل دور الرقابة بصورة أشمل، ليبرر رئيس جمعية حماية المستهلك عدنان دخاخني بأن إمكانيات
الرقابة تبقى محدودة أمام هذا الكم الهائل من المحلات، والباعة، والأسواق، والتسيّب الحاصل لدى التجار والباعة، فكل يبيع على مزاجه دون التقيد بأي سعر يصدر
عن التجارة الداخلية وحماية المستهلك، لذا لابدّ من التخلص من الجشع والتلاعب بالأسعار بالرقابة الشديدة التي نبذل كل الجهد لتنفيذها وبقوانين رادعة أيضاً.
تحمل مسؤولية
الدكتور إياد مهنا، دكتوراه في الاقتصاد، عزا سبب ارتفاع أسعار السيارات إلى عدة أسباب منها أن بعض السيارات تخرج إلى الدول المجاورة بأوراق خروج نظامية،
بالتالي من الضرورة التدقيق في الغاية من الخروج، وفرض وديعة مالية معينة حتى تعود السيارة كما خرجت، وأوضح أن هناك أسباباً أخرى لتأثر مبيعات السيارات
في سورية، منها الحظر الذي فرض لمنع الاستيراد، وهذا رفع سعر السيارات الجديدة وانعكس على السيارات القديمة، وبالتالي انعكس على الناس، والسبب الثاني
ارتفاع الأسعار، ناهيك عن ارتفاع سعر المحروقات، وخاصة البنزين، وهذا يشكل عبئاً إضافياً للمواطن، ولاسيما أصحاب الدخل المحدود. إضافة إلى توقف استيراد
السيارات وحتى ارتفاع تكاليف هذا الاستيراد، وأوضح أن الشيء المهم الذي يجب التوقف عنده هو تهريب السيارات إلى الدول المجاورة، الأمر الذي يفرض على
الجهات المعنية، وخاصة في الجمارك، التعامل مع هذه المسألة وغيرها بمنتهى المسؤولية والوطنية في ظل هذه الظروف، خاصة إذا علمنا أن ما يتم تهريبه هو
سيارة، وليس أي شيء آخر تافه.
مبررات مسؤولة
نظمت مديرية حماية المستهلك عدداً كبيراً من الضبوط بحق أصحاب محلات قطع تبديل السيارات عام 2016، وهذا ما أكده مدير حماية المستهلك باسل طحان،
فالمديرية تولي الاهتمام الكبير بسوق السيارات كباقي الأسواق، مؤكداً وجود معاناة كبيرة في ضبط هذا الموضوع بسبب وجود القطع المستعملة بصورة كبيرة في
الأسواق، والقطعة المستعملة من المستحيل تسعيرها، إضافة إلى وجود مخالفات وتجاوزات مخيفة يرتكبها السائقون، وفي كثير من الأحيان يغالون في استغلال هذه
الظروف، لكن على أرض الواقع لهم النصيب الأكبر من الضبوط التموينية، حيث أكد طحان أن الوزارة نظمت عدداً كبيراً من الضبوط بحق سائقي سيارات الأجرة
والميكروباصات لطلب تسعيرة زائدة، ومع ذلك يعتبر هذا العدد قليلاً بالمقارنة مع ضبوط تجار القطع، في المقابل وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية أكدت وجود
تنسيق مع التجارة الداخلية في موضوع سعر قطع تبديل السيارات، لكن موضوع التسعير مرتبط فقط بالأخيرة، أما وزارة التجارة الخارجية فتعطي الموافقات لاستيراد
قطع التبديل بكافة أنواعها، وفي عام 2015 تم استيراد ما قيمته 26.700.000 يورو لقطع تبديل كافة أنواع الآليات، ومنذ بداية العام الجاري وحتى اليوم أصدرت
موافقات لاستيراد قطع سيارات بقيمة 1.416.000 يورو، منها الجديد ومنها المستعمل، ومع ذلك ما يزال سوق السيارات يشهد ارتفاعاً جنونياً لا يمكن ضبطه.
البعث
سيريا ديلي نيوز
2016-07-20 23:25:38