صوت مبهم، مبحوح، متقطع، مبتور النهاية، حزين ، متطفل، يترامى إلى الأذن ليلا، حوالي الساعة الثالثة فجرا في حي الـ86، ومن ثم تتالت ليالي أخرى سمعنا فيها الصوت الذي يخترق السكون والظلام،، إلى أن خمنّا أنه صياح ديك، وهو أبعد ما يكون عن صوت الصياح الحاد المتفائل المبشر بطلوع الفجر، وهل أحد يخطئ بصوت الصباح.

وكون المنطقة مخالفات ومازال فيها بعض البيوت العربية فليس هناك مانع من تواجد ديك في مكان ما، ذلك هو المبرر القوي لصياحه في المدينة، أما هذا القبح في صوته الأقرب للنباح و بعد تكراره ليالي طويلة في نفس التوقيت، لم نجد له إلا تفسيرا واحدا، عدم وجود المنافس! ليس هناك ديك آخر يصيح ليعلو فوقه صوت ديكنا، وليكون لديه الدافع ليحسن أدائه ويعطي أفضل ما لديه، على الأقل ليتذكر النغمة الرنانة الأصيلة لأجداده الديكة، إن وحدته كادت تتسبب له بخلل وراثي في الجينات!

هذه هي فائدة المنافس وضرورة وجوده في حياتنا، وبدلا من أن نحارب بعضنا البعض في المهن والحرف شتى ونكسر بعضنا بعضا، على العكس يجب على كل منا أن يعجب بمنافسه وبأدائه، وبدلا من أن يسعى بيديه وقدميه لإقصاءه يجب أن يدعمه ويزكيه ويمدح محاسنه، أي يعترف به، لأنه سيكون شاهدا على وجوده ودافعا لتطويره، وإلا فسيبقى يراوح مكانه بل وسيتراجع.

إن عادة تحطيم الآخر والتفرد في الاختصاص للأسف هي الدارجة في مجتمعنا حتى على مستوى أدنى الأعمال، سواء في الطب والصحافة والدراسة، وحتى عند عامل التنظيفات، وصانع الحلويات، وغاسل السيارات الذي يحمل دلوا في الشارع.

إن ثقافتنا في العمل تجعلنا نحارب ونقصي الآخر كي نتفرد بالشاغر والمكان وتعود علينا الأرباح الكبيرة، متناسين تلك الفائدة العظيمة لوجود المنافس الذي يمارس نفس العمل وله طرقه وأساليبه وتفاصيله وقدراته المختلفة عنا، فمتى سمعنا صحفي مثلا يمدح مقال صحفي آخر بدلا من أن يشتمه ويقول بأنه يكتب أفضل منه، متى وجدنا طبيبا مشهورا يرسل مريضا فائضا عن حاجته ووقته لطبيب آخر ويشيد به، وهل يسمح حتى غاسل السيارات لآخر أن يدخل منطقته، حتى الشحاذ يستخوذ على قطاع خاص به ليس له فيه منافس.

وللأسف تنحصر المنافسة في الأعمال الخاصة لأنها تدفع المال لصاحب الأداء الأفضل، بينما تغيب في الوظائف الحكومية بسبب الاطمئنان وثبات الراتب وعدم تهديد المكانة، وحيث غاب المنافس تراجع الأداء!

 

 

سيريا ديلي نيوز - حلا خيربك


التعليقات