تتجلى أولى مظاهر نزيف الإقتصاد السوري على مدى 5 سنوات، في سعر صرف الليرة التي وصلت إلى حدود 540 ليرة للدولار الواحد.
نزيف الإقتصاد خلق ضغوطاً ملموسة على الوضعين النقدي والمالي. فالموازنة العامة السورية شهدت تراجعاً في الفترة الممتدة بين العامين 2011 و2015، بنسبة 50%، وفق ما يقوله” أستاذ النقد في “جامعة حلب” عبد الله حمادة، الذي يرى أن الخسائر القطاعية مجتمعة ضغطت على الناتج المحلي للبلاد، فقلصته من نحو 60 مليار دولار في 2010 إلى 23 ملياراً في 2014.

وقدّر “المركز السوري لبحوث السياسات”، في تقرير نشره على موقعه الإلكتروني تحت عنوان “في مواجهة التشظي”، خسائر الإقتصاد السوري حتى نهاية العام 2015، بنحو 254 مليار دولار، أي ما يعادل %468 من الناتج الإجمالي المحلي لعام 2010. وتمثل هذه التراجعات قيمة ما تم تدميره في سوريا، وبمعنى آخر، جزء من قيمة المبالغ اللازمة لإعادة الإعمار، وفق الأستاذ المساعد في كلية الاقتصاد في “جامعة القصيم” عماد الدين أحمد المصبح الذي يعتبر أن هناك أكلافاً أخرى تُضاف إلى تلك الخسائر المباشرة، وهي كلفة الفرص الضائعة التي تمثل قيمة الناتج المحلي الإجمالي الذي من المفترض أن يتم إنتاجه لو لم تقع الازمة السورية، والذي يقدر بنحو 30 مليار دولار سنوياً.

جولة على الخسائر الإقتصادية السورية تظهر أنه على مدى 5 سنوات، تضررت السياحة التي تعتبر إقتصادياً، أول ما يتضرر ما الازمات وآخر من يتعافى، والسياحة السورية هبطت من قطاع يشكل 14% من الناتج المحلي، وبإيرادات تصل إلى 4.8 مليار دولار في العام 2010، إلى قطاع ينعيه الوزير السياحة بشر اليازجي، بعدما وصلت خسائره إلى 300 مليار ليرة سنوياً (اكثر من 555 مليون دولار).

أما صادرات النفط، التي تعتبر من شرايين القطع الأجنبي السوري، فبقيت مستقرة ضمن مستويات إنتاج وصلت إلى 380 ألف برميل حتى نيسان 2013، حين سيطرت فصائل مسلحة على بعض حقول النفط في دير الزور، حيث بدأ الإنتاج يتراجع وصولاً إلى 70 الف برميل يومياً. ومع سيطرة تنظيم “داعش” على حقلي العمر والتنك، في ريف دير الزور، في تموز 2014، لم يبقَ للدولة سوى 9 آلاف برميل يومياً، وفق وزير النفط سليمان العباس، الذي أقرَّ بتراجع الإيرادات من 4.7 مليار دولار في 2011 إلى 140 مليون دولار في 2015.

من ناحيته، تضرر الإنتاج الزراعي بشقيه الحيواني والنباتي، وبخاصة في الشق النباتي حيث خرج عن سيطرة الدولة، نحو 70% من الأراضي المزروعة بالقمح في محافظات الرقة ودير الزور والحسكة، استناداً إلى أرقام “الفاو”. ويؤكد الممثل الإقليمي لـ”الفاو” عبد السلام ولد أحمد، أن الإنتاج الحالي من القمح يقل 40% عن مستوياته التي كانت “قبل الأزمة”. أضاف أن محصول العام الماضي وصل إلى 2.4 مليون طن من القمح فقط، وهو أفضل بنحو 600 ألف طن عن محصول 2014.

الانكماش في الإنتاج الزراعي حوّل سوريا من “الوفرة إلى الندرة”. فقبل فترة وجيزة، وتحت “قبة البرلمان” كشف وزير الصناعة السوري كمال طعمة، لأعضاء البرلمان أن خسائر القطاع تجاوزت ألف مليار ليرة (نحو 20 مليار دولار) يتقاسمها مناصفة القطاعان العام والخاص. غير أن وسائل الإعلام السورية تداولت أرقاماً كثيرة عن الخسائر تُظهر أن الخاسر الأكبر كان القطاع العام وقد سجلت خسائره 354 مليار ليرة (أكثر من 667 مليون دولار) في العام 2013. وزادت 214 مليار ليرة (نحو 400 مليون دولار) في 2014، لتصل إلى 568 مليار ليرة.

تقود الإحالة إلى المؤشرات العامة إلى خط بياني متصاعد لخسائر الإقتصاد السوري منذ 2011، بخسائر تقترب من 12.5 مليار دولار. وفي العام التالي للثورة، بلغت الخسائر 50 ملياراً، والعام 2013 كان الاقسى بتسجيل 103 مليارات، وفي العام 2014 تراجعت الخسائر إلى 46 مليار، وفق ارأام “المركز السوري”.

غير أن حمادة يعتقد أن الخسائر أكبر من الأرقام المتداولة، في أكثر من صعيد، وأن هناك قطاعات يصعب ضبط خسائرها بسبب غياب البيانات، وبسبب الصفقات التي تتم في الخفاء بين النظام وحلفائه. ففي آخر جردة لخسائر الإقتصاد السوري، قال مركز “فرونتيير إيكونوميكس” الأسترالي للاستشارات، في دراسة نشرها الشهر الماضي، إن “الخسائر الإقتصادية للحرب في سوريا بنحو 689 مليار دولار إذا توقف القتال هذا العام، وقد تصل إلى 1.3 تريليون دولار إذا استمرت الحرب حتى عام 2020.

جولة الأرقام السلبية التي يحصدها الإقتصاد السوري، تظهر مدى صعوبة الوضع، حتى وإن هدأت الحرب،. فالإقتصاد النازف سيؤثر على السوريين

سيريا ديلي نيوز


التعليقات