سيريا ديلي نيوز - بقلم الدكتور عمار يوسف
على مدى سنين الحرب على سوريا ما زال المواطن السوري يعاني وخلال خمسة سنوات من الأزمة من التدرج من حالة البحبوحة إلى حالة الكفاية إلى حالة الحاجة إلى حالة الفقر وفي النهاية الفقر المدقع.
لا بد أن الكثيرين منا يتذكرون وضع المواطن الاقتصادي ما قبل الحرب على سوريا حيث كان يصل متوسط دخل الفرد السوري والموظف تحديداً إلى ما يقارب 20000 ل س تعادل 500 الخمسمائة دولار كحد أدنى لأغلب الموظفين بواقع سعر الدولار 47 ل.س الأمر الذي أورث بحبوحة من العيش في ظل دعم الحكومة لدولار الاستيراد ودعمها لحوامل الطاقة من مازوت وبنزين وكهرباء بشكل عام حتى لكان يمكن القول أن المواطن السوري يعيش على حساب الحكومة
حيث شهدت سوريا في تلك الفترة انتعاشاً اقتصادياً غير مسبوق من خلال البنية الاقتصادية المتطورة والتي كانت تتجه إلى ما يقارب الاكتفاء الذاتي للمواطن السوري.
المرحلة الاولى البحبوحة
في الأشهر الأولى من الأزمة لم يكن هنالك أي منعكس واضح على الاقتصاد السوري بل على العكس شهدت الحركة التجارية والاقتصادية تطوراً في تلك الأيام وذلك من قبيل دعم المواطن السوري لاقتصاده لأسباب وطنية وأنتمائية
فلم يشعر المواطن السوري بأي مضايقات اقتصادية بل على العكس أحس أن الأمور تتجه نحو الأفضل وذلك في ظل استمرار الدعم من قبل الحكومة للمواطن وخاصة بالحاجيات الأساسية له ولم نشهد أي ارتفاع للأسعار في تلك الفترة.
المرحلة الثانية الكفاية
استمرت تلك المرحلة حتى النصف الثاني من عام 2011 حيث بدء الارتفاع في أسعار القطع الأجنبي وبدأت الحكومة تتخلى بهدوء عن الدعم الذي كانت تقدمه فبدء ارتفاع طفيف على الأسعار ولكنه كان ضمن الحدود المقبولة لبلد تتجه إلى حرب غير مسبوقة بل واستمرت الحكومة في تنفيذ المشاريع الإنمائية والإستراتيجية التي كانت قد بدأت بها قبل الحرب وهنا كان المواطن قد بدء يدخل في مرحلة الكفاية فهو أي المواطن قد شعر ان الوضع السياسي ينحى منحى آخر وأن التدخل الخارجي سيؤدي في النتيجة إلى المساس بلقمة عيشه وأصبح يشهد ارتفاعات مستمرة بالأسعار نتيجة ارتفاع الدولار حيث قام التجار في تلك الفترة برفع أسعارهم توافقاً مع الدولار ارتفاعا ولم يقوموا بخفض الأسعار تزامناً من انخفاض الدولار الأمر الذي أدى لزيادة تراكمية في الأسعار أحس بها المواطن في السنة التي قدمت وتحول المواطن في نهاية العام 2011 إلى حالة الكفاية.
المرحلة الثالثة الحاجة
في بداية العام 2012 حيث توضحت الرؤية السياسية والاقتصادية وبدأت العقوبات الخارجية تنال من المواطن خاصة في لقمة عيشه وبدء الدولار بالارتفاع غير المسبوق ووصل إلى مستويات قياسية في ظل عدم تدخل من قبل الحكومة للجم تلك الارتفاعات وكذلك استمر التجار في رفع أسعارهم وذلك بحجة ارتفاع الدولار حتى بالنسبة للمواد الموجودة لديهم والمستوردة بالسعر القديم للدولار وتحول ونتيجة للعقوبات الاقتصادية الخارجية الاستيراد إلى ما يشبه الإقطاعية الخاصة ببعض المستوردين وخاصة فيما يتعلق بالحاجات الأساسية للمواطن وخاصة المواد الغذائية وأكملت الحكومة مشوارها في رفع أسعار حوامل الطاقة من محروقات وغيرها.
ولا بد لنا من ملاحظة أمر مهم في تلك السنة وهو انقطاع شبه كامل للطرقات فيما بين المحافظات وان لم يكن انقطاع فهو خطورة تلك الطرقات مما أدى بأسعار النقل وخاصة للبضائع تصل إلى أرقام فلكية وكذلك ملاحظة أن أغلب المناطق المنتجة للحاجيات الأساسية ونقصد الأرياف قد تحولت إلى مناطق غير آمنة يسيطر عليها الإرهابيين الأمر الذي أخرجها من الخارطة الاقتصادية السورية وتم في ذلك العام استهداف الكثير من المشاريع الاقتصادية الخاصة أو التابعة للقطاع العام بشكل ممنهج إضافة إلى البنى التحتية من كهرباء وماء وصرف صحي واستهداف للمناطق السكنية تدميراً وحرقاً الأمر الذي أدى إلى حالة نزوح كبيرة ضمن القطر الذي انعكس على التوزع الديمغرافي والاقتصادية فأوجد فأوجد في سوريا الملايين ممن بدون عمل وبدون مسكن وبدون أي إمكانية اقتصادية فتحول جزء كبير من السوريين إلى حالة الحاجة في نهاية العام 2012 وبداية العام 2013.
في بداية العام 2013 بدأت تتوضح حجم الكارثة التي عصفت بسوريا والاقتصادية منها على وجه الخصوص حيث كان استهداف الاقتصاد السوري ممنهجاً بطريقة تجعل المواطن السوري لا يفكر إلا بلقمة العيش بل ويجد الصعوبة الكبرى في تأمين تلك اللقمة فاستمرت الأسعار بالارتفاع ووصل تضاعف الأسعار إلى ما يقارب 7 أضعاف الأسعار ما قبل الحرب في ظل زيادة في الرواتب لا تتعدى 40% من الراتب قبل الأزمة إضافة لارتفاع غير مسبوق في أسعار الدولار حيث بدء يلامس عتبة ال250 ليرة سورية وبدون أي أمل في الانخفاض إضافة للعدد الهائل من المواطنين المهجرين والنازحين وغير المنتجين والذين تحولوا إلى الاستهلاك فقط وهنا تحول الغالبية العظمى من السوريين إلى حالة الفقر وانتهت ضمن هذا العام ونصف العام الذي تلاه ما يسمى بالطبقة الوسطى والتي كانت تشكل ما يزيد عن 80% من المجتمع السوري وكان تحول تلك الطبقة في غالبيته العظمى إلى الطبقة الفقيرة والتي أصبحت تحت خط الفقر ضمن المعايير الإنسانية للمجتمعات فكان نسبة من أصبح فقيراً تزيد عن 79% من مجموع الطبقة الوسطى والباقي قدره 6% من تلك الطبقة تحول أي الطبقة الغنية وهي طبقة أثرياء الحرب في ظل ملاحظة مهمة أن عدداً كبيراً من الطبقة الغنية في فترة ما قبل الحرب قد أصبح أيضاً ضمن الطبقة الفقيرة ونتحدث هنا عن مجموعة منهم الذين دمرت مصانعهم وعقاراتهم ومتاجرهم وبشكل عام أسباب عيشهم كلها واغلبهم ممن كانوا يقطنون ضمن المناطق التي استهدفت فتحولوا من مالكين إلى مستأجرين لا يكادون يؤمنون قوت يومهم.
المرحلة الرابعه الفقر
فكانت العام 2013 ونصف العام 2014 المفصل الأساسي في تحول المجتمع السوري من حالة الحاجة إلى حالة الفقر في أغلبه ولا بد أن نكون واقعيين في دراسة هذه المرحلة حيث لا يمكن للاستهداف الاقتصادي للسوريين وحده أن يكون السبب بل ساهمت عدة عوامل داخلية في هذا التحول منها استمرار عدم تدخل الحكومة في الارتفاع غير المسبوق للأسعار بل ساهمت أحيانا في هذا الارتفاع من خلال رفعها لأسعار حوامل الطاقة بشكل بسيط وعلى عدة مرات الأمر الذي كان يؤدي في كل مرة إلى ارتفاع الأسعار بشكل متضاعف ولا يتناسب في ارتفاع حوامل الطاقة إضافة لذلك وهو الأهم لم تقم الحكومة بواجبها في محاربة ارتفاع أسعار الدولار بل كانت في كل مرة تتدخل بشكل خجول وبدون أي ضوابط قانونية رادعة لمن يقومون بالتجار بالعملة أسوة بالتجار الأمر الذي أدى إلى ما يشبه الانهيار بالعملة الوطنية ومن الملاحظ في تلك الفترة هو توفر كافة المواد الكمالية في الأسواق وبأسعار غير مسبوقة واستيراداً بمعرفة الدولة وغزت البضائع التركية والسعودية الأسواق السورية مع ما تشكله من استنزاف للعملة الوطنية والصعبة في البلاد وذلك بشكل غير مفهوم وليس له أي علاقة بأي نظرية اقتصادية معروفة خاصة أنه من المعروف تماماً أي بلد في حالة حرب يجب فيها تخفيض المستوردات من الكماليات إلى أدنى حدودها أن لم تكن منها خاصة من دول معادية وعلى حالة حرب مع الدولة المستهدفة الأمر الذي لم يرعى في الحالة السورية.
المرحلة الخامسة الفقر المدقع
في منتصف العام 2014 وحتى نهاية 2015 كانت الكارثة الاقتصادية فتحول المجتمع الاقتصادي السوري إلى مجتمع فاشل حيث لم يعد المواطنين السوريين بأغلبيتهم يستطيعون تأمين ضروريات وأساسيات المعيشة وأصبحوا في جزء كبير منهم يعتمدون على المعونات التي توزع من الجمعيات الخيرية ومراكز الإيواء والأمم المتحدة عن طريق المنظمات المحلية وأصبح المواطن السوري يعيش فعلياً حالة الفقر المدقع حيث أصبح في غالبيته لا يستطيع تأمين أساسيات الحياة من مأكل ومشرب فما بالنا بتأمين السكن والمواصلات وغيرها وأصبح لدى المواطن السوري تحول هام في نوعية طعامه وملبسه بل وتأثرت الحياة الاجتماعية الخاصة به الأمر الذي ما زال مستمراً حتى اليوم.
في منتصف العام 2014 بدء الارتفاع المتوالي للأسعار حيث أصبحت العائلة السورية تحتاج إلى ما يزيد عن 200000 مئتان ألف ليرة سورية لتأمين حاجاتها الأساسية من مأكل ومشرب ومسكن وطبابة ونقل وخلافة مع مراعاة أن ذلك المبلغ يقارب حوالي 400 دولار في ظل أن أعلى راتب لدى المواطن السوري أو أي دخل بشكل عام يصل وسطياً إلى 50000 خمسون ألف ليرة سورية في أفضل حالاته ويوجد من المواطنين من لا يصل دخله إلى 20000 عشرون ألف ليرة سورية أي ما يقارب 40 دولار أمريكي مع العلم أن هذا المبلغ أي 20000 كانت تعادل 400 دولار أمريكي.
الأمر الذي جعل نسبة من هم تحت خط الفقر المدقع من السوريين يصل إلى 89% من إجمالي عدد السكان و ذلك بحسب دخل الفرد السوري مقارنة مع غلاء المعيشة و ارتفاع سعر صرف الدولار المدة الأخيرة.
فأصبح الدخل يعادل 15% مما يحتاجه المواطن السوري للاستمرار في الحياة الطبيعية وأصبح المواطن بين مطرقة التجار ورفعهم للأسعار و سندان الحكومة مع ما تقوم به من إجراءات اقتصادية غير منطقية وغير مفهومة فتحول العدد الكبير من المواطنين السوريين إلى الفقر المدقع.
من خلال ما تقدم يمكن تقسيم الوضع الاقتصادي المعيشي للمواطن السوري خلال الحرب على سوريا إلى خمسة مراحل الأولى هي البحبوحة وتبدأ من ما قبل الأزمة حتى النصف الثاني من عام 2011
مرحلة الكفاية وتبدأ من نصف العام 2011 وحتى نهاية العام 2011
مرحلة الحاجة وكان العام 2012 مسرحاً لها
مرحلة الفقر يبدأ بعام 2013 حتى منتصف العام 2014
مرحلة الفقر المدقع ويبدأ في النصف الثاني للعام 2014 ومستمر حتى الآن في ظل غياب أي معالجة اقتصادية فعالة من قبل الحكومة بل على العكس تماماً ما زالت زيادات الأسعار وخاصة فيما يتعلق بحوامل الطاقة مستمراً إضافة استمرار الحكومة في رفع الدعم عن الحاجات الأساسية للمواطن من خلال المبدأ الجديد المعتمد وهو مبدأ عقلنة الدعم الذي سيؤدي بالنتيجة بالمواطن السوري إلى الموت جوعاً قبل الموت ارهاباً.
سيريا ديلي نيوز - بقلم الدكتور عمار يوسف
2016-03-23 18:09:10