لا يمكن رصد التغيرات الاجتماعية بين عام وآخر، فهي تراكمية بطبيعتها، لكن الساحة السورية بدأت تشهد تغيرات على هذا الجانب، ولعل من مؤشراتها الواضحة غلاء المهور بشكل كبير في الآونة الأخيرة.

وتصدر من حين لآخر، عن مراكز مختلفة، إحصائيات تخص الساحة السورية، كأعداد الشهداء والبيوت المهدمة،  وإن كانت هذه الإحصائيات قادرة على إعطائنا “لمحة” عامة عن الواقع السوريّ، إلا أنه لا يمكن حصر ما يجري بأرقامها، إذ ماتزال بمجملها بعيدة عن تأثيرات أقل وضوحًا وإن كانت أعمق أثرًا.

عندما زار أهل محمد، داليا (24 سنة)، وهي خريجة أدب فرنسي من مدينة حمص، لم يعلموا أن تكلفة الخطوبة ستكون باهظة لهذا الحدّ، لكنّ “الاختيار كان مناسبًا من جميع النواحي ولم نقف عند الأمور المادية، يقول محمد (28 عامًا)

اشترطت عائلة داليا على محمد مبلغ 5000 دولار دولار كمهر، بالإضافة لأربع أونصات من الذهب (ما يعادل 120 غرامًا)، ليكتب ذلك كله في عقد الزواج بعد حسابه بسعر صرف الليرة السورية، ويوضح الشيخ أبو سمير “المأذون”: “المبلغ كبير لكنني أعقد قرانات بشكل مستمر وأرى أن المهور تقدّر بالدولار في غالبها، وبأرقام مقاربة”.

ويذكر الشيخ أبو سمير أن المهور كانت بمعظمها لا تتجاوز 500 ألف ليرة سورية

ترى والدة داليا، وهي سيدة منزل، أن في ذلك ضمانًا لحق ابنتها ، إذ إن ارتفاع المهر لا يتعارض برأيها مع تسهيل الزواج، وتشرح ذلك “لم نطلب حفلات أو مظاهر سيتكلف عليها أهل العريس بشكل كبير دون فائدة، هذه العادات وإن كانت أساسية لنا في السابق فإننا تجاوزنا عنها، سأجهز ابنتي بقليل من الثياب وأشتري لها بما تبقى ذهبًا يقيها غدر الزمان”.

أما بالنسبة للخاطب محمد فهو ينظر للأمر من جهة الشباب المقبلين على الزواج، ويقول “لو لم يكن والدي ميسور الحال ودفع لي تكاليف الزواج ونفقاته لما استطعت أن أتزوج يومًا، لا أدري كيف يتدبر الشباب أمورهم؟”.

لكن محمد يستدرك بأن الكثير من أصدقائه تزوجوا في أول عامين من الأزمة  مضيفًا “أذكر أن الأمور كانت ميسرة للغاية، أحدهم كان مهر زوجته 50 ألف ليرة سورية، وتزوجا في منزل لأقرباء له. صديق آخر اشترى حليًا فضية لزوجته دون معارضة من أهلها، لا أدري إن انتهى زمن التيسير هذا”.

خاتم بمئة ألف
يبدو أن خاتم الخطوبة بخمسة وعشرة آلاف ليرة سورية بات من ذكريات الماضي، هذا ما يراه أيمن (31 عامًا من حماة) بعد أن دفع ثمن خاتم بسيط لخطيبته، أو ما يعرف بالمحبس، مئة ألف ليرة سورية.

“لم أشتر لها ما كان يهدى في السابق من إضافات للمحبس وهدايا مرافقة معه، الخاتم الذي سيعلن خطوبتنا ثمنه مئة ألف.
لم ينجُ أيمن بدوره من غلاء المهور، وإن كان لأهل داليا سبب واحد لرفع المهر فلأهل خطيبته رؤى سببان، ويوضح “مررتُ بتجربة زواج قصيرة جدًا وفاشلة سابقًا، تحملتُ أعباءها المادية جميعها، إلا أن أعباءها المعنوية كانت من نصيبي أيضًا”.

كانت تجربة الزواج الفاشلة إنذار خطر إضافي لأهل رؤى، التي لم يشفع حبها لأيمن بالمساعدة في تخفيض المهر أبدًا، إذ ترى والدتها أنه ما من ضامن بعدم طلاق ابنتها بعد أشهر من الزواج كما حصل مع طليقة أيمن سابقًا، كما لم تكفِ معرفتها بعائلة الشاب للعدول عن موقفها “أعرف أنه شاب ذو سمعة حسنة ومن أفضل عائلات حماة، إلا أن المهر والمؤخر المرتفع سيكون ضامنًا على الأقل لابنتي في حال حدوث انفصال”.

هل يضمن المهر السعادة؟
وافق أهل رؤى على مهر مقدم بثلاثة آلاف دولار، لكن المؤجل كان ضعف ذلك “لضمان حقها”، كما عبرت والدتها، ويقول أيمن حول هذا “أحببت رؤى، وأتفهم قلق أهلها، عمومًا فإن أصدقائي ممن لم يمروا بتجربة زواج سابقة يواجهون مطالب مشابهة من أهل العروس”.

لكن والد أيمن لم يورثه، بعد وفاته منذ أعوام، إلا المسؤولية عن إخوته ومصروفهم، لذا كان تأمين المهر تحديًا كبيرًا له “استدنت من الأقارب والأصدقاء بالإضافة لمبلغ بسيط كنتُ أدخره وأستثمره مع تاجر في السوق، ما الذي يمكن أن أفعله غير ذلك؟”.

ترى والدة أيمن أن ما يجري متاجرة حقيقية، وتقول “لا يوجد مهر في العالم يضمن للفتاة سعادتها واستقرارها، أعتقد أن استمرار غلاء المهور وسفر معظم الشباب سيزيد نسب العنوسة بين البنات لا أكثر”. في حين تصف مهور بناتها المتزوجات بـ “المعقولة” والكافية لشراء مستلزمات الزفاف ليس إلا.

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات