في استعراض سريع لبعض وقائع الجلسة الأسبوعية للحكومة بتاريخ 12/1/2016، كما نشرت على الصفحة الرسمية لموقعها، نجد أن المواطن ما زال في أولوية اهتمامات الخطاب الحكومي الرسمي، حيث وعلى لسان رئيسها: «المواطن سيبقى هو البوصلة ومحور وهدف الإجراءات الحكومية كلها، والاهتمام بأوضاعه المعيشية والخدمية وتلبية احتياجاته وطموحاته، وخاصة الخدمية منها، كواقع الكهرباء وتوفير مياه الشرب وتأمين وسائط النقل العام وخاصة باصات النقل الداخلي، والاهتمام بالقطاع الصحي والتربوي والتعليمي، والحد من التضخم والفقر، ومعالجة التهرب الضريبي، وضبط الأسعار، وترشيد الإنفاق الحكومي، منعاً للهدر والفساد».


أمام هذا الخطاب لا يسع المواطن سوى التقدم بالشكر والعرفان للحكومة!، خاصة وهو يلمس كل يوم الترجمة العملية لهذا النوع من الخطابات المدبجة، فهو فعلاً بوصلة وهدف لكل السياسات والإجراءات الحكومية، وخاصة على مستوى جيبه ومعيشته وخدماته واحتياجاته وطموحاته ومستقبله، التي لم يغفل الخطاب منها شيئاً، فمنذ خمسة أعوام وحتى الآن؛ والمواطن يدفع جريرة سلبيات السياسات الحكومية المتبعة، والمستكملة للسياسات الليبرالية لأعوام خلت، والتي تؤدي إلى إفقاره وتجويعه واستنزاف مدخراته، كما استنزاف خيرات البلد، بل ووصل الأمر إلى استنزاف المستقبل، عبر سلة القوانين والتشريعات التي أنجزتها الحكومة خلال هذه الفترة، وكله على حساب الوطن والمواطن، ولمصلحة كبار التجار والسماسرة والفاسدين، ليس المحليين فقط، بل تعدتها إلى الإقليميين والدوليين كذلك، من شركات عابرة للحدود والقارات، وبالمحصلة كان من نتائج تلك السياسات والإجراءات، مع واقع ظروف الحرب والأزمة، وصول المواطن السوري إلى حالة الفقر والجوع والعوز والبطالة، ناهيك عن واقع التشرد والنزوح واللجوء الناتجين عن الحرب.


لا نقد للذات

الأمر اللافت للنظر في الجلسة أعلاه هو ما ذكر عن عمل الفريق الحكومي، حيث قيل: «لزاماً علينا كفريق حكومي تنفيذي أن يكون العام الحالي عام ترميم المؤشرات الاقتصادية والخدمية والاجتماعية، التي تدنت بفعل هذه الحرب، والحد من انخفاض معدلاتها بأدوات تنموية حقيقية وليست استهلاكية استنزافية، ترفع أرقام عجوزات الموازنة العامة، وتوفير فرص عمل حقيقية لا تجميلية لمشهد البطالة والفقر».
وكأن في هذه الكلمات بعض الحقيقة، حيث تم الاعتراف ضمناً بأن الأدوات التنموية التي تم استعمالها سابقاً لم تكن تنموية حقيقية، بل كانت استهلاكية واستنزافية أدت إلى رفع أرقام عجوزات الموازنة، كما أن فرص العمل لم تكن حقيقية، بل كانت تجميلية لمشهد البطالة والفقر، فهل كانت تلك الكلمات عبارة هي خطأ في الصياغة، أم أنها وقفة مع الذات، في انتقاد واضح للسياسات والإجراءات التي اعتمدتها ونفذتها الحكومة؟.


استمرار النهج نفسه

الجواب على ذلك لم يتأخر، بل ورد سريعاً في محضر الجلسة نفسه، حيث تمت الإشارة إلى أن «الحكومة مستمرة في تعديل القوانين والأنظمة من أجل مواءمتها مع طبيعة المرحلة التي تمر بها البلاد، مع التركيز على أهمية إنجاز مشروع قانون الاستثمار، والطلب من وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية ووزير الدولة لشؤون الاستثمار، بمتابعة إنجاز مسودة القانون وعرضها على مجلس الوزراء خلال /15/ يوماً».
لم يتسن للمواطن أن ينسى الآثار الكارثية لقانون الاستثمار رقم 10 لعام 1990، على حياته ومستقبله، حيث كان مؤشراً على عملية تراجع دور الدولة الاجتماعي، ومع تأكيد الحكومة على أنها مستمرة في تعديل القوانين والأنظمة، وطلبها إنجاز مشروع قانون الاستثمار الجديد، ليضاف إلى جملة ما صدرته من تشريعات وقوانين، مع منح تلك الفترة الوجيزة للإنجاز، وكأنها على عجل، فالأمر لم يعد بحاجة لأية إجابة توضيحية أخرى، فالحكومة ماضية في سياساتها الليبرالية، التي أكلت الأخضر واليابس خلال السنوات المنصرمة، على الرغم من تغنيها وتدبيجها لعبارات الاهتمام بالمواطن، وباحتياجاته وبطموحاته وبمستقبله.


عطار وسمسار!

ملّ المواطن من عبارات التغني فيه حكومياً، ولم تعد الحكومة بالنسبة له عطاراً، يمكن اللجوء إليه عند الحاجة، ليصف العلاج والدواء لمشاكله، كما يجب أن تكون، بعد أن ثبت له، بالواقع العملي، بأن تلك السياسات والإجراءات، تصب في مصلحة كبار الحيتان من التجار والسماسرة والفاسدين، داخلاً وخارجاً، الذين يتاجرون به وبمستقبله، كما الوطن، متسببين بكل أزماته ومشاكله.
وهو على ذلك يقول بأن الخطابات والبيانات لن تغير شيئاً في الواقع، بل المطلوب تغيير تلك السياسيات التي أنتجت هذا الواقع الاقتصادي الاجتماعي الذي يلقي بأثقاله على كاهل أبناء الوطن.

سيرياديلي نيوز


التعليقات