سيريا ديلي نيوز-ألمانيا- فادي رجب

لعل الكلام الذي سأكتبه قد لا يعجب البعض، لكنه قد يكون الحقيقة التي لم يشأ البعض تصديقها منذ البداية ..

وخصوصاً مَن اعتقد أن المستشارة الألمانية وحكومتها هم جمعية خيرية لرعاية اللاجئين واحتضانهم وحمايتهم من ويلات الحرب في بلادهم، في الوقت الذي تغذي فيه هذه الحكومات تلك الحروب بتصدير الأسلحة إلى منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية والعالم لاستمرار هذه الحروب .. كنا نقول منذ البداية بأن السياسة الغربية هي سياسة براغماتية لا تأبه لقضايا الشعوب، وما كلمات "الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية" سوى شعارات وذرائع ابتكرها الغرب، وولدت من رحم أروقة حلف شمال الأطلسي لتبرير التدخلات العسكرية في الدول تحت مفهوم "التدخل الإنساني" وتحقيق مصالح استراتيجية أكبر بكثير من قضايا شعوب عربية ينظر إليها الغرب على أنها وقود لحريق المنطقة وأدوات لتنفيذ مشاريعها الاقتصادية ومطامعها السياسية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط والمنطقة العربية ..

ما حدث ليلة 31.12.2015 في محطة قطارات مدينة كولن الألمانية وجرى الترويج له بشكل غير مسبوق "إعلامياً" على المستوى الألماني والعالمي تحت عنوان "الاعتداءات الجنسية" والتصريحات النارية التي أطلقها ولا يزال يطلقها السياسيون الألمان وأحزاب وتيارات سياسية وفئة كبيرة من الشعب الألماني ضد وجود اللاجئين، ما هو سوى بداية التحول في السياسة الألمانية تجاه قضية اللجوء واللاجئين .. بعد مرور تسعة أيام على هذه الحادثة ورغم أن الاضاءة والتركيز كان بشكل محدد على عنوان عريض "الاعتداءات الجنسية"، لكن لم يخرج إلى الإعلام الرسمي أو مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو واحد يصور حالة تحرش جنسي، والسؤال هُنا: "أين هي كاميرات المراقبة المنتشرة في محطة القطارات ومحيطها؟ أين هي كاميرات الهواتف الجوالة لعشرات الاف الاشخاص الذين كانوا في المكان؟ أين هم عناصر الشرطة وقوات التدخل السريع التي زاد تواجدها في المناطق السياحية خصوصا بعد أحداث باريس الأخيرة؟؟ نعم هناك ممارسات سيئة جداً مصدرها لاجئين وغير لاجئين على مدى السنوات الماضية ومنها ممارسات تحرش جنسي وسرقات ومشاجرات، لكنها لم تستحوذ على اهتمام الاعلام والرأي العام الألماني والعالمي إلى هذه الدرجة .. السؤال: لماذا اليوم !!! قد تكون حقيقة ما حدث وما يحدث وما قد يكون مخطط له أن يحدث هو التالي: - واجهت السياسة الألمانية على مدى العامين الفائتين تجاه قضية اللجوء (سياسة الحدود المفتوحة) ولا تزال تواجه انتقادات شديدة، بعضها معلن وبعضها وغير معلن من قبل الأحزاب والتيارات الألمانية وجزء كبير من الشعب الألماني الذي جرى تهميشه وتهميش رأيه تجاه هذه القضية. - إن الاستمرار بهذه السياسة سوف يؤدي إلى سقوط مدوي للسياسة الألمانية الحالية، وكوارث على المستوى الاجتماعي الألماني. - إن التحول في السياسة الألمانية تجاه قضية اللاجئين كان يحتاج إلى حدث كبير ومؤثر على الرأي العام الألماني، يجيش المشاعر ويساعد بتأييد أي قرار سياسي لاحق يتخذ ضد اللاجئين دون إثارة أية تساؤلات أو استغراب من أي تحول، خصوصاً بعد أن كانت مبررات وجود هذه الاعداد الكبيرة من اللاجئين حاضرة دائما في خطابات رأس هرم السياسة الألمانية .. فكيف تأتي مبررات أي تحول في هذه السياسة واقناع الرأي العام بهذا التحول ؟ - جاء هذا الترويج لهذا الحدث، وتم اختيار التوقيت المناسب، توقيت له دلالات اجتماعية ودينية (ليلة رأس السنة الميلادية)، جرى الترويج باحترافية عالية، (وإن ظهر على الاعلام بعض الفتيات (ضحايا التحرش) اللواتي روينَ ما حدث، لكن هذا لا يعني شيئاً ، ننتظر مقاطع فيديو لا تتعدى الثوانِ). - عشرة أيام لم تتوصل فيها الشرطة والجهات الأمنية والمختصة إلى نتائج نهائية في بلد مثل ألمانيا لديه أعلى مستويات التكنولوجيا والأمن، وفي موقع في أحد أهم المدن الألمانية والسياحية، حيث ينتشر عناصر الشرطة وكاميرات المراقبة بكثافة وفي حدث مثل احتفال برأس السنة، هو أمر يستدعي تساؤلات كثيرة !! اسبوعين منحها برلمان مقاطعة شمال الراين لشرطة كولونيا لتقديم تقرير نهائي عن ما حدث، هي مدة كافية لتجييش المشاعر ولتهيئة الرأي العام الألماني لاستقبال أي قرارات لاحقة تصدرها الحكومة الاتحادية ضد اللاجئين، بالترافق مع هذا الضخ الإعلامي غير المسبوق على مدار الساعة منذ إثارة قضية اللاجئين الذين دخلوا ألمانيا منذ عامين تقريبا .... إن ملايين القطيع البشري الذين اعتقدوا أن المستشارة الألمانية ميركل هي الحضن الحنون للاجئين وهي بيت مال اللاجئين سيُصدمون لاحقاً (وهذا ما كنت أنوه إليه طيلة الفترة الماضية)، فذات القطيع الذين مجّدوا وبجّلو وقدّسوا هذه الشخصية ورفعوا صورها من اسطنبول إلى ألمانيا ومنحبك و wir lieben dich وصور السيلفي والميلفي، سيلعنونها ويشتموها وبأقذر العبارات بالعربي والألماني وقريباً جداً (هكذا هم المنافقون) ... ولأن القطيع يبقى قطيعاً، ولأن القطيع لا يقرأ ولا يفكر ولا يبحث، فهو يسير حيث يقاد.. الكثيرون لم يقرأوا شخصية المستشارة الألمانية، لا يعلمون أن ميركل هي شخصية قاسية وحازمة، الشخصية التي وصفت ذات يوم أنها المرأة الحديدية و(التي فسّرها البعض كما يحلو له)، وأن السياسة الألمانية بإمكانها تغيير أي واقع وقت تريد ولحظة شعورها بخطر يتهدد بلادها، لديها العقول التي تفكر وتخطط ، لديها الآليات والأدوات التي تؤهلها أن تغير أي مجرى للأحداث، هكذا دول تعمل وتخطط لعشرات السنين .. سياسات وحكومات لا تعنيها الانسانية بشيء عندما يقترب الخطر من بلادها، وخصوصا أن السياسة الألمانية مؤخراً تواجه استياءاً كبيراً من قبل الشعب الألماني حتى المؤيد منه لوجود اللاجئين بسبب تهميش واضح لقضايا الشعب الحياتية والاقتصادية والتركيز الكبير على قضية اللاجئين، القضية التي باتت الشغل الشاغل في البرامج التلفزيونية وصفحات الصحف والمجلات ... في النهاية .. أستطيع أن أقول بأن هذا الغرب البراغماتي يلعب بنا كما يشاء، يستطيع احضارنا إلى بلاده كالقطيع، ويستطيع طردنا منها متى يشاء، هذا الغرب (وأعني السياسات الغربية) لم يكن يوماً غرب إنساني، فهذه السياسات هي ذاتها التي تتحالف مع الصهيوني الذي يقتل الشعب الفلسطيني، وهي ذاتها مع السعودي والقطري الذي يقتل الشعوب العربية، وهي ذاتها التي تعتبر ثاني مصدر للأسلحة إلى الشرق الأوسط والعالم وحيث الحروب والدمار والقتل، ومن يقول غير هذا فهو مصاب بداء الغباء والبلاهة ومعرض دائما للاصابة بداء الاستحمار ...

سيريا ديلي نيوز


التعليقات