تنصب جهود المعنيين بقطاع الاتصالات منذ مدة بقضية إدخال مشغل ثالث للشبكة الخلوية.. وكأنها غدت الهم الأوحد في القطاع، تحت مسمى حزمة الحلول المتكاملة للشبكة. ويراهن هؤلاء على حل عقدة أمر المباشرة المستعصية منذ أكثر من عقد من السنين وتحويل عقود B.O.T إلى تراخيص بالتزامن مع إدخال المشغل الثالث.‏‏ وما يثير التساؤل الجنوح الكلي لمسؤولي القطاع خلال الفترة الماضية لحصر المشغل الثالث بجهة خارجية وتجاهل تام للحلول المحلية البديلة.‏‏ ربما يكون هذا التوجه صائباً، لكن في ظل الظروف الراهنة وحصار الأشقاء قبل الغرباء، نحمد الله لعدم وصول إجراءات المعنيين بالقطاع إلى خواتيمها في منح رخصة المشغل الثالث للسعوديين أو القطريين في التعاقد.‏‏ ومن عبرة التجربة السابقة التي خاضتها الوزارة، أليس حرياً بنا البحث عن البدائل المحلية المتاحة؟ وأن نحسب ألف حساب قبل إعادة النظر باستقدام مشغل خارجي، إذا علمنا أن البديل المحلي شبه جاهز.‏‏ وفرص التمكين له متوفرة ليكون مشغلاً كاملاً للشبكة بعد 5 سنوات في نهاية العقد 2016، وحتى نصل إلى ذلك، وللاتعاظ من التجربة السابقة، لماذا لا نعتمد على مواردنا المحلية سواء كانت قطاعاً عاماً أم مشتركاً أم خاصاً.‏‏ ‏‏ خيار المؤسسة كمشغل ثالث‏‏ سبق وشكلت مؤسسة الاتصالات لجنة فنية متخصصة بموجب الأمر الإداري 455/22/1 لعام 2008 ضمت 14 عضواً.. وخلصت اللجنة إلى اعتماد سيناريوهات للمشغل الثالث للشبكة الخلوية حظيت بموجبها المؤسسة بالسيناريو الأول.‏‏ وحسب اللجنة يعتبر اختيار المؤسسة مشغلاً ثالثاً للشبكة الأفضل كونه يحقق إيرادات عالية للخزينة العامة وبتكاليف منخفضة بسبب توفر البنية التحتية التي يمكن الاعتماد عليها ما يخفض التكاليف وبالإمكان لاحقاً الاستثمار حتى في مشاريع خارجية على غرار بعض الشركات العامة الخارجية.‏‏ إلا أن المعنيين بقطاع الاتصالات تجاهلوا سيناريو اللجنة وتوصياتها ولم يكتفوا بذلك، وإنما رفضوا تدارسها بالمطلق في المجلس الإنتاجي أو في مجلس التنسيق وحتى على مستوى مجلس الإدارة في المؤسسة قبل العمل بقانون الاتصالات الجديد.‏‏ لماذا؟‏‏ لأنه كان هناك توجه بإدخال مشغل ثالث خارجي من المعنيين وهذا ما دلت عليه الوقائع المتلاحقة.‏‏ حيث عمدت الوزارة إلى استقبال طلبات عروض خارجية وسارت في هذا المنحى حتى مراحل متقدمة جداً، لكن لم يكتب لها النجاح، علماً أن تاريخ المؤسسة يشهد على تنفيذها لمشاريع استراتيجية كبيرة على صعيد المنطقة ككل في فترات سابقة، كما تملك شبكة بنى تحتية عملاقة من ضمنها شبكات النفاذ التي تستخدمها حالياً شركتي الخلوي.‏‏ خيار المؤسسة الأفضل‏‏ بعد مضي أكثر من عشر سنوات على تشغيل مشروع الخلوي عمدت المؤسسة إلى إحداث إدارة للترابط الشبكي وتعد مشاركاً ومنسقاً في أعمال الاتصالات الخلوية، كما يوجد كوادر مالية وفنية خبيرة وجديرة، والأهم من ذلك هناك أكثر من 125 مهندساً من المؤسسة يتدربون منذ بدء المشروع عام 2001 كنظراء في شركتي الخلوي، لاكتساب الخبرة الفنية والمهارات لتشغيل المشروع فور انتهاء عقد الشركتين 2016.‏‏ وإلى جانب البنية التحتية الموجودة بالمؤسسة والمتمثلة بشبكات النفاذ هناك الكوابل الضوئية والأبنية، وهي مؤجرة حالياً لشركات الخلوي، كما أفادت مصادر المؤسسة.‏‏ الجدوى الاقتصادية‏‏ إذا كانت إيرادات الشركة الواحدة من شركتي الخلوي 50 مليار ليرة سنوياً وبعدد عاملين لا يتجاوز 1500 عامل، فإن إيرادات المؤسسة من الشبكة الثابتة حوالي 31 مليار ليرة فقط وبعدد عاملين 26 ألفاً، ويضاف إليها سنوياً زهاء 55 مليار ليرة إيرادات صافية من شركتي الخلوي.‏‏ عوامل القوة‏‏ تمتلك المؤسسة على صعيد البنى التحتية الربط الفقاري البيني وبنوعية ممتازة ويتم تأجير الشركتين المشغلتين من مكونات هذا الربط.. وتمتلك أيضاً الأبنية المتوفرة في 750 موقعاً جغرافياً في جميع المناطق والنواحي.‏‏ ومن الممكن والسهل استخدام أبراج الشركتين الخلوية بأجور يتفق عليها كما إن الترددات الراديوية متوفرة وبمتناول اليد.‏‏ وعلى صعيد المقدرة الفنية على التشغيل يوجد زهاء 125 مهندساً يعملون ضمن شركتي الخلوي كنظراء لمصلحة المؤسسة بهدف اكتساب الخبرات منذ بدء تشغيل المشروع الخلوي ويفترض بالقدرة الفنية المتكونة لديهم العمل كنواة تشغيل أولية.‏‏ إضافة إلى إدارة فنية للمشروع اكتسبت خبرات حقيقية في جميع النواحي التشغيلية.‏‏ وتضم المؤسسة كادراً من المهندسين يزيد عديده عن الثلاثة آلاف ويمكن تحفيزهم لقيادة المشروع والعمل بتقنيات عالية.‏‏ كما يمكن الاستعانة بخبرات فنية في بعض القضايا وتشغيلها بموجب عقود وأجور مناسبة إذا تطلب الأمر قياساً بالأرباح والعوائد المالية في حال اعتماد المؤسسة كمشغل ثالث.‏‏ وإن اضطر الأمر ولمدة محددة يمكن الاستعانة بجهاز تشغيلي للنهوض بالمشروع بالتعاون مع كادر المؤسسة.‏‏ وأشارت مصادر مؤسسة الاتصالات فيما يخص عمليات الفوترة والكفاءة المالية والتجارية إلى وجود كادر مالي وفوترة متخصص يعمل في مشروع الخلوي إضافة إلى خبرة العاملين في مشروع CCBS للأمور المحاسبية.‏‏ كما يوجد مجلس تنسيق منذ بدء مشروع الخلوي لديه الخبرة في التسعير والأهداف التجارية إلى جانب الإدارة التجارية القادرة.‏‏ عوامل الضعف إلى زوال‏‏ وبالمقابل حالياً يعوق إدخال المؤسسة كمشغل ثالث للمشروع الأنظمة الإدارية غير الملائمة لشبكة الخلوي والأنظمة المالية المحددة بالرواتب والأجور والحوافز والمكافآت وحتى نظام العقود في إجراءات التعاقد وأجور الخبرات وعمل المشتريات والتخزين وعلى صعيد الموارد البشرية كالتدريب والتعيين وتوصيف الأعمال ومؤهلات شغل الوظائف والعلاقة مع الجهات الوصائية.‏‏ إلا أننا نقول للمشككين في هذا الجانب يفترض بالمؤسسة أن تنهي إجراءات تحويلها إلى شركة بعد حوالي شهرين من الآن، ويفترض بها أن تعمل وفق قانوني الشركات والتجارة إضافة إلى قانون الاتصالات وبالتالي تحرر تلقائياً من عوامل الضعف السابقة وهذه العوامل ليست ذات جدوى بعد حزيران القادم.‏‏ وبالتحليل‏‏ تعد نقاط القوة السابقة كثيرة ومهمة، وبالمقابل اندحار عوامل الضعف بقوة القانون، وعندما توضع الحكومة بالصورة الحقيقية للواقع وبما يقدمه المشروع من عوائد مالية بعشرات المليارات سنوياً للخزينة العامة، من المفترض أن تعمد إلى تحفيز خيار المؤسسة كمشغل ثالث للشبكة الخلوية.‏‏ توجيه عالي المستوى‏‏ السيد رئيس الجمهورية وأثناء اجتماعه بالمعنيين في الوزارة ومؤسسة الاتصالات قال: «ضعوا الأنظمة التي تساعدكم في تسريع العمل وتجعل من المؤسسة (الشركة) لاحقاً أن تمارس أعمالها بمرونة أكثر بحيث تتخلص من القيود والمسائل التي كانت الأنظمة القديمة تعرقل تقدمها وتطورها».‏‏ وهذا أكبر دعم معنوي يقدم للقائمين على قطاع الاتصالات والتقانة ويتوجب على هؤلاء القائمين دراسة إدخال المؤسسة (الشركة لاحقاً) كمشغل ثالث في اجتماعات مجلس الإدارة وتكليف إدارة الترابط الشبكي تقديم تصور عن هذا الخيار وتشكيل لجنة اختصاصية لدراسة الاحتمال بكافة جزئياته ووضع المقترحات الملائمة كما تؤكد مصادر المؤسسة.‏‏ وتكليف لجنة قانونية إدارية مالية لبيان الأنظمة التي تحتاج إلى تعديل لاعتمادها قبل إجراءات التحول إلى شركة مع دراسة الجدوى الاقتصادية من تشغيل المؤسسة للمشروع أو دخولها كشريك مساهم.‏‏ الإيرادات المتوقعة‏‏ مع وجود مشغلين اثنين للمشروع فإن إيرادات المشغل الثالث ستكون تدريجية تصاعدياً وتتعلق بنشاط وعوامل السعر وجودة الخدمة والعروض التي تستقطب المشتركين بأرقام المشغل الثالث وبكل الأحوال الفائدة للخزينة العامة أولاً وتأمين فرص عمل ثانياً وتوطين للتقانة وللخبرات الوطنية ثالثاً.‏‏ ‏في المرمى‏‏ مصادر المؤسسة تؤكد أن اعتمادها كمشغل ثالث يعد مصلحة وطنية عليا فيما يتعلق بالإيرادات وتشغيل اليد العاملة، وتعديل الأنظمة الإدارية والمالية والعقدية المساعدة لإكسابها هذا الحق وفق الحاجة مؤاتية في إطار إعداد أنظمتها للتحول إلى شركة مساهمة مملوكة للدولة عملاً بقانون الاتصالات 18 لعام 2010.‏‏ وحسب هذه المصادر تتطلب المسؤولية الوطنية الحصول على إيرادات مالية لخزينة الدولة وهي متاحة، عوضاً عن البقاء متفرجين ونتجاهل إيرادات عالية للمصلحة العامة أو مشاريع رابحة وكأنها محرمة على القطاع العام.‏‏ المؤسسة تنأى‏‏ بموجب قانون الاتصالات 18 لعام 2010 أصبحت شبكة الخلوي من اختصاص الهيئة الناظمة وسلب هذا الحق من المؤسسة صاحبة المشروع والعقود المبرمة حالياً مع مشغلي الشبكة، وفي هذا السياق رفض مدير عام المؤسسة المهندس بكر بكر التحدث عن خيار المؤسسة كمشغل ثالث وأحالنا إلى المعنيين بالوزارة، علماً أن هناك إدارة في المؤسسة تسمى إدارة الترابط الشبكي وهي معنية حصراً بشبكة الخلوي.‏‏ للهيئة الناظمة رأي مغاير‏‏ مدير الهيئة الناظمة لقطاع الاتصالات الدكتور إباء عويشق اعتبر خيار المؤسسة خاطئاً والأفضل استقدام مشغل عالمي يؤمن الدفعة الأولى حوالي 18 مليار ليرة للخزينة وبإجراءات تنافسية واعتماد المؤسسة غير مجد اقتصادياً لذهاب قيمة الرخصة الابتدائية للمشغل الخارجي أولاً وحجم الاستثمارات اللازمة لبدء العمل وصولاً إلى مرحلة التوازن بحيث تكون العائدات تغطي المصاريف.‏‏ واستعيض عن الخيار بأن تملك المؤسسة حصة ملكية من المشغل كحد أدنى 20٪ وإيرادات 25٪ للخزينة العامة.‏‏ إبعاد المؤسسة كنتيجة!‏‏ تريد وزارة الاتصالات القطاع تنافسياً يؤسس لتنمية حقيقية ويحقق مصلحة المواطن والدولة معاً.‏‏ وأضاف الدكتور عماد الصابوني وزير الاتصالات أن إبعاد المؤسسة عن المشغل الثالث نابع من نتيجة وليس خياراً وعلى المؤسسة التصويب على أخطائها والشبكة الخلوية بالمحصلة ليست مقدرة فنية وإنما المقدرة على التشغيل والوصول إلى المستهلكين والتسويق.‏‏ إعادة إعلان‏‏ ورداً على سؤال أين وصلنا بالمشروع؟ قال مدير الهيئة الناظمة: يتم حالياً الإعداد لإعادة الإعلان عن التأهيل المسبق للمشغلين العالميين بعد إجراء بعض التعديلات في البيئة الناظمة لعمل المشغل الثالث بهدف جذب المزيد من المشغلين، حيث لم يتقدم سابقاً سوى عدد قليل، ما يحول دون التنافس الفعال.‏‏ تساؤل مشروع‏‏ هل استبعاد المؤسسة من خيار المشغل الثالث وفي فترة تحويلها إلى شركة تتمتع بالمرونة الكافية في أنظمة التعاقد والتشغيل والعمليات يخدم المصلحة العامة؟!‏‏ للإجابة.. وليعذرنا المعنيون بالقطاع.. نقول لا لأن هناك حوالي 26 ألف مهندس وفني وخبير إداري ومالي قادرون على الاقلاع بالمهمة هذا أولاً، وثانياً ضمن مهلة التحول التي تنتهي بعد حوالي شهرين نكون قد أعددنا الأنظمة والقوانين التي تسمح بالتعاقد المباشر وإجراء المبتغى وفقاً للمصلحة العامة، وبالتالي يحق مساءلة شركة الاتصالات المحدثة وفق قانوني الشركات والتجارة.‏‏ ولماذا العجلة؟‏‏ أولاً السوق حالياً لا يسمح بإدخال مشغل ثالث خارجي بسبب الظروف الراهنة محلياً وإقليمياً والتحولات الناتجة عنها بسب تخوف المستثمرين من الدخول في تجاذبات إقليمية.‏‏ ثانياً لسنا بصدد إدخال مشغل ثالث خارجي أو داخلي خاص على حساب إيرادات الدولة أو على حسابات التخصيص لأسعار الخدمات المقدمة إذا كانت ستسدد من الخزينة العامة وليس من حسابات الشركات الخلوية.‏‏ وحسب مصدر مسؤول في قطاع الاتصالات فإن إدخال المشغل الثالث غير مجد وسيخسر الدولة، والحل برأي المصدر ذاته إلزام الشركتين بإجراء التخفيضات الحقيقية وليس كما عودونا على مدى السنوات الماضية الإعلان عن عروض محدودة؟! الثورة       سيريا ديلي نيوز

التعليقات