لا يفارق هاتف سلمى يدها. تتفقده باستمرار لتتأكد ما اذا كان احد اولادها الستة الذين هاجروا الى المانيا مع والدهم في مراكب مهربين انطلقت من ليبيا يتصل بها، وتتصفح صور الاحباء ومعها الذكريات.
في شقتها الصغيرة في طرابلس، تجهد سلمى (42 عاما)، السورية المتحدرة من مدينة حلب، لحبس دموعها حين تتحدث عن افراد عائلتها، وعن املها بلقاء قريب معهم في اوروبا.
وتقول المرأة النحيلة وقد بدا الارهاق على وجهها “كنت اود ان ارحل معهم، لكن علي ان ابقى هنا لكي اسدد ثمن رحلتهم” الى اوروبا والتي بلغت نحو اربعة آلاف دولار استدانتها العائلة.
وجاءت سلمى الى ليبيا في فترة التسعينات بحثا عن عمل. والتقت سليم، الفلسطيني الذي يحمل اوراق عبور لبنانية، وتزوجته قبل ان ينجبا اربعة ابناء وابنتين تتراوح اعمارهم بين سبعة وعشرين عاما.
ووجدت سلمى نفسها رغما عنها بعد ذلك في موقع المسؤول الوحيد عن العائلة، بعدما اصيب زوجها بمرض باركنسون ثم بجلطة منعته من مواصلة عمله كميكانيكي سيارات.
وتروي سلمى وهي تتامل في كوب من القهوة تحمله بيديها المتعبتين “كنت حينها في السابعة والعشرين من عمري”.
كأن قلبي انتزع من مكانه
مع مرض سليم، تراجع مدخول العائلة. لكن سلمى لم تتخذ قرار المخاطرة بحياة اولادها وزوجها الا بعدما سادت الفوضى في ليبيا.
وبعدما اوقف مرتين على ايدي مسلحين في الحي الذي تسكنه العائلة، طلب ايمن (17 عاما)، ابن سلمى، منها ان تسمح له بالهجرة الى اوروبا.
وتوضح سلمى “جمعت المال الكافي، الف دولار، وتركته لمصيره” في زورق في البحر في ايلول/سبتمبر العام 2014. ولحق به بعد شهرين شقيقه هادي.
وانطلق كل من ايمن وهادي في رحلتيهما من ساحل مدينة زوارة الليبية (160 كلم غرب طرابلس)، ووصلا الى صقلية حيث اعطت السلطات الايطالية كل منهما بدوره مبلغ 75 يورو ليتوجها الى مدينة ميلان ثم الى المانيا.
على الاثر، بدات سلمى تشعر بقلق اكبر حيال مستقبل اولادها الباقين وزوجها.
وتقول “تعرضت ابنتاي لمضايقات مستمرة، لانهما تتحدران من بلد آخر وتعيشان في كنف والد مريض وفي دولة غير مستقرة”.
واضطرت العائلة الى ان تغير مكان سكنها اكثر من مرة بفعل المضايقات التي كانت تتعرض لها، قبل ان تقرر سلمى ان تمنع الفتاتين من الخروج من المنزل.
في نيسان/ابريل الماضي، غادرت ماي (20 عاما) ومنى (16 عاما) وعمر (12 عاما) ومنار (سبعة اعوام) ووالدهم سليم ليبيا على متن زورق متجه نحو السواحل الاوروبية.
وكان من المقرر ان يبقى منار مع والدته في طرابلس، لكنه “بدا حزينا عندما كان يودع والده، فقررت ان ارسله معهم”، بحسب ما تقول سلمى.
وتضيف “شعرت بان قلبي انتزع من مكانه”.
أسوأ تجربة
بعد مغادرة العائلة، وجدت سلمى نفسها وحيدة. وهي تعمل من اجل تسديد الديون التي تراكمت عليها جراء تكاليف سفر اولادها وزوجها، إذ تعد ماكولات لحفلات الزفاف وتساعد تجارا على انجاز معاملات ادارية.
لكن المال الذي تجنيه شهريا لا يكفيها لدفع ايجار شقتها وتسديد ديونها وادخار ما يكفي لكي تلحق بعائلتها.
في المانيا، يعيش افراد عائلة سلمى في منازل ومناطق مختلفة: ايمن وهادي في ميونيخ ودوسلدورف، وعمر ومنار وشقيقتاهما في ضواحي فرانكفورت مع والدهما الذي يتلقى علاجا منتظما.
ويتابع اولاد سلمى الستة دروسا لتعلم اللغة الالمانية، املا بحصول كل منهم على وضع لاجئ.
ومن خلال تطبيقي سكايب وفايبر، تتابع سلمى تفاصيل حياة اولادها اليومية، بادق تفاصيلها.
وتقول مبتسمة “تتصل بي منى وماي حين يرفض عمر ان يغادر السرير للذهاب الى المدرسة. هناك الاف الكيلومترات بيننا، لكن لا يزال يتوجب علي انا ان اقوم بذلك”.
وتتابع بهدوء “لا معنى لحياتي هنا بعيدا عنهم، لكن ما يصبرني هو معرفة انهم بخير وان المستقبل امامهم. هذا الشعور يعادل كل التضحيات”.
وتعبر سلمى عن رغبتها في المخاطرة والهجرة على متن مركب، لكن اولادها يدعونها الى الانتظار حتى يحصلوا على اوراقهم القانونية ويطالبوا بان تتم دعوتها الى المانيا في اطار عملية لم الشمل.
وتردد ابنتاها على مسامعها ان الهجرة في المركب “اسوأ تجربة مررنا بها”. (AFP)
سيريا ديلي نيوز
2015-11-22 23:54:36