الحروب مكروهة لكنها ضرورة في بعض الحالات الخاصة، ولها بعض مبرراتها، كالدفاع عن النفس والوطن واسترجاع الحقوق المغتصبة، او ما شابه من الأمور الضرورية، وتكون لا أخلاقية، عندما تطيح عمداً بأناس عزل وأبرياء لا دخل لهم في تفاصيلها، أو مبرراتها، ولا سيما الأطفال، الذين غالباً ما يكونون الفئة الأكثر تضرراً بالحروب.

ولئن كانت العدوان جريمة لا أخلاقية، فان الجريمة الأكبر هي ما يجري في العالم الآن من استغلال الأطفال في الحروب والصراعات والزج بهم في أتون المعارك الطاحنة ليكونوا وقودا لها من دون أن يدركوا، كما هو الحال في بعض الدول العربية التي تسودها الاضطرابات والحروب والصراعات الطائفية والمذهبية مثل إيران و سورية والعراق وليبيا واليمن، حيث تقوم المليشيات المسلحة بتجنيد الأطفال، وإرغامهم على الدخول في لعبة الموت تحت العديد من الظروف

جريمة بشعة ترفضها الأعراف والقوانين..ومؤتمر جنيف لحقوق الإنسان يدين استخدام الأطفال في الحروب

ولكن قبل ان ندخل في الحديث عن هذه المليشيات او العصابات المسلحة التي تعمل في بعض الدول العربية لابد لنا أولا من التوقف عند بعض الحالات التاريخية البارزة لتجنيد الأطفال، والجرائم التي ارتكبت بحقهم في اكثر من منطقة من العالم، حيث شهدت إفريقيا خلال القرن الماضي حروبا أهلية كثيرة، استغل فيها الأطفال أبشع استغلال، الأمر الذي استنهض الكثير من المنظمات والمؤسسات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، ولاسيما الأطفال.

وكما هو معروف يوجد مئات الآلاف من الأطفال المُستخدَمين بوصفهم جنوداً في النزاعات المسلحة حول العالم، وكثير من الأطفال مختطفون وقد تعرضوا للضرب لإخضاعهم والدخول في هذه المهلكة، فيما ينضم آخرون إلى الجماعات المسلحة فراراً من الفقر أو من أجل حماية مجتمعاتهم أو انطلاقاً من شعور برغبة الانتقام.

وسياسة تجنيد الأطفال في الحروب باتت خلال السنوات الاخيرة منهجاً تعتمده معظم التنظيمات الإرهابية، لا بل حتى بعض الجيوش النظامية مع الأسف، الأمر الذي بات يشكل معضلة حقيقية، وأزمة أخلاقية كبيرة، ولأنها معنية بالطفولة والأطفال فقد لاحظت منظمة اليونيسيف الخاصة بالطفولة والتابعة للأمم المتحدة هذا الأمر باهتمام كبير حيث أكدت في تقاريرها انه وفي جميع أنحاء العالم، يتم تجنيد آلاف الفتيان والفتيات في القوات المسلحة الحكومية والجماعات المتمردة للعمل كمقاتلين وطهاة وحمالين أو عمال، كما يتم تجنيد الفتيات لأغراض جنسية أو للزواج القسري، ويتم تجنيد العديد منهم قسراً، رغم أن البعض ينضمون نتيجة لضغوط اقتصادية أو اجتماعية أو أمنية، وتؤدي ظروف النزوح والفقر إلى أن يصبح الأطفال أكثر عرضة للتجنيد للدخول بهذه الحروب.

منظمة اليونيسيف اكدت في دراسة قدمتها غراسا ماشيل المسؤولة في الأمم المتحدة عام 1996 حول اثر النزاعات المسلحة على الأطفال أن الأطفال الذين يرتبطون بالقوات المسلحة أو الجماعات المسلحة يتعرضون لعنف هائل – ويضطرون غالباً لمشاهدة وارتكاب أعمال العنف ويتعرضون للإيذاء أو الاستغلال أو الإصابة أو حتى القتل، ويحرمهم هذا الوضع من حقوقهم، ويصاحبه غالباً عواقب جسدية ونفسية قاسية.

وبني تقرير غراسا ماشيل عام 1996 على أثر الصراعات المسلحة على الأطفال الأسس لجدول الأعمال المتعلق بالأطفال والصراعات المسلحة، وكان ذلك أول نداء للعمل في هذا المجال.

وكما هو معلوم في عام 1989، أقرّ زعماء العالم حاجة أطفال العالم إلى اتفاقية خاصة بهم، لأنه غالبا ما يحتاج الأشخاص دون الثامنة عشرة إلى رعاية خاصة وحماية لا يحتاجها الكبار، وانه لابد من وجود قوانين تحمي الطفولة في أوقات الحرب بشكل خاص، وتعتبر اتفاقية حقوق الطفل الصك القانوني الدولي الأول الذي يلزم الدول الأطراف من ناحية قانونية بدمج السلسلة الكاملة لحقوق الإنسان، أي الحقوق المدنية والسياسية، إضافة إلى الحقوق الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.

ولو توقفنا أمام مواقف الدول من هذه الاتفاقية لوجدنا أنها حققت القبول العالمي تقريباً، وقد تم التصديق عليها حتى الآن من قبل 193 طرفاً، أكثر من الدول التي انضمت إلى منظومة الأمم المتحدة أو الدول التي اعترفت باتفاقيات جنيف.

إلا انه ومع الأسف تجاهلت الكثير من الدول وحتى الموقعة على هذه الاتفاقية أهميتها ومارست سياسات تخالف نص وروح هذه الاتفاقية التي تتضمن أربعة وخمسين مادة، وبروتوكولين اختياريين، وهي توضّح بطريقة لا لَبْسَ فيها حقوق الإنسان الأساسية التي يجب أن يتمتع بها الأطفال في أي مكان - ودون تمييز، وهذه الحقوق هي: حق الطفل في البقاء، والتطور والنمو إلى أقصى حد، والحماية من التأثيرات المضرة، وسوء المعاملة والاستغلال، والمشاركة الكاملة في الأسرة، وفي الحياة الثقافية والاجتماعية.

ومن المعروف ان مبادئ الاتفاقية الأساسية الأربعة تتمحور في: عدم التمييز؛ تضافر الجهود من أجل المصلحة الفضلى للطفل؛ والحق في الحياة، والحق في البقاء، والحق في النماء؛ وحق احترام رأى الطفل.

وكل حق من الحقوق التي تنص عليه الاتفاقية بوضوح، يتلازم بطبيعته مع الكرامة الإنسانية للطفل وتطويره وتنميته المنسجمة معها.

كما تحمي الاتفاقية حقوق الأطفال عن طريق وضع المعايير الخاصة بالرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية والمدنية والقانونية المتعلقة بالطفل، وتُلزم الاتفاقية الدول الأطراف بتطوير وتنفيذ جميع إجراءاتها وسياساتها على ضوء المصالح الفُضلى للطفل.

ومنذ اعتماد هذه الاتفاقية ظلت الجمعية العامة تؤدي دورا رئيسيا في تحديد جدول أعمال حماية حقوق الأطفال المتأثرين بالحرب ودفعه قدما إلى الأمام.

وفي عام 1993، اتخذت الجمعية قرارا يوصي بأن يعين الأمين العام خبيرا مستقلا لدراسة تأثير الصراعات المسلحة على الأطفال، وذلك إثر توصية قدمتها لجنة حقوق الطفل.

وفي عام 1996 عملت اليونيسيف على إطلاق سراح الأطفال من القوات والجماعات المسلحة، حتى أثناء النزاعات المسلحة، ومساعدتهم على العودة إلى أسرهم.

وأثناء ذلك، تدعم اليونيسيف الخدمات التي تعنى بالصحة والرفاه البدني والنفسي لهؤلاء الأطفال، وتزودهم بالمهارات الحياتية وتشركهم في أنشطة إيجابية لمستقبلهم، بما في ذلك التعليم والمهارات المهنية والتدريب على سبل العيش.

وقد تم اعتماد نهج مجتمعي يشمل تقديم الدعم للأطفال الضعفاء الذين تضرروا بشدة من جراء الصراع، وذلك لتعزيز المصالحة وتجنب التمييز، وتتطلب هذه الإجراءات منظوراً والتزاماً طويل الأمد تجاه الأطفال والمجتمعات المحلية المتضررة من النزاعات التي يعودون إليها.

وبالفعل لقد تم إطلاق سراح أكثر من مئة الف طفل وأعيد دمجهم في مجتمعاتهم المحلية منذ عام 1998 في أكثر من خمسة عشر بلداً متأثراً بالنزاعات المسلحة.

وفي عام 2010، دعمت اليونيسيف إعادة دمج آلاف الأطفال الذين كانوا مرتبطين سابقاً مع القوات المسلحة والجماعات المسلحة، ومنذ منتصف الثمانينيات قامت اليونيسيف وشركاؤها بالدفاع عن الأطفال وتأمين إطلاق سراحهم من القوات المسلحة في البلدان المتضررة من الصراعات بما في ذلك أفغانستان وأنغولا وبوروندي وجمهورية أفريقيا الوسطى وكولومبيا وساحل العاج وجمهورية الكونغو الديمقراطية وغينيا بيساو وليبيريا وموزمبيق ونيبال ورواندا وسيراليون والصومال وسريلانكا والسودان وأوغندا.

هذه المقدمة التي سقناها وهي عبارة عن النص الصادر عن اليونيسيف، وما أوردته من وثائق هامة، ما هي إلا تذكير بخطورة ما يجري الان في بلادنا العربية مع الأسف، ولاسيما في سورية والعراق، اللتين تشهدان صراعات طائفية مسلحة، سواء من قبل داعش أو الحشد الشعبي أو الميليشيات الأخرى مثل ميليشيات الحوثيين التي أسقطت النظام الشرعي في اليمن واستولت على البلاد بقوة السلاح وذلك بدعم وتآمر إقليمي واضح ومفضوح، حيث استخدمت هذه الميليشيات العميلة الكثير من الأطفال المغرر بهم كدروع بشرية ومقاتلين.

وقد دانت لجنة حقوق الإنسان في مؤتمرها الحالي في جنيف، الذي اجتمع فيه عدد من المحامين العرب والخليجيين والأجانب ’ استخدام الأطفال في الحروب والنزاعات، وقد تطرق المؤتمر الى شهادات وأفلام وثائقية تظهر الأطفال في ساحات المعارك يحملون السلاح وهم قصّر.

ولعل اخطر ما اقدمت عليه المليشيات والتنظيمات الإرهابية هو استغلال الأطفال وتسخيرهم لأعمالها الإجرامية حيث يتولّى الأطفال دوراً مباشراً في القتال، يصل الى حد تكليفهم بمهام انتحارية ومع ذلك فإن دورهم لا يكون مقصوراً على الحروب؛ فكثير من الفتيات والفتيان يبدؤون بمهام للدعم وهي تنطوي أصلاً على خطر جسيم ومشقة بالغة، أو يُستخدَمون كمستطلعين أو رُسُل أو طهاة كما ينفّذون واجبات روتينية أخرى.

أما الفتيات فهن يعانين حالة الاستضعاف بصورة خاصة وغالباً ما يُجبَرن على العمل كإماء للأغراض الجنسية، في انتهاك صارخ للدين والإنسانية والطفولة والأخلاق بشكل عام .

ومن المؤسف أن استغلال الأطفال لم يتوقف على ساحة معينة من العالم، بل بات كالمرض الذي ينتشر بالعدوى، حيث تشهد الكثير من دولنا العربية ولا سيما بعد ما عرف بالربيع العربي، حالة غير مسبوقة في استغلال الأطفال والاعتداء عليهم وتسخيرهم في ساحات القتال من دون أي وازع او رادع اوضمير، ونلاحظ هذه الحالة في إيران أبان الحرب العراقية الإيرانية، واليوم في سورية والعراق حيث يشهد البلدان حربا تداخلت فيها الكثير من العوامل، مما شكل تربة خصبة للكثير من التنظيمات المسلحة، التي تتسم في معظم الأحيان بالإرهابية، والتي تنفذ مجموعة أجندات خارجية، كما هو الحال بتنظيم القاعدة أو داعش، وحتى بعض التنظيمات والمليشيات المسلحة التي ارتبطت رسميا بجهات حكومية، أو شبه حكومية، كما هو الحال بالنسبة للميلشيات المحسوبة على بعض الاحزاب او التيارات السياسية كمليشيا الحشد الشعبي في العراق.

وبصرف النظر عن كيفية تجنيد الأطفال، وعن الأدوار التي توكَل إليهم، فالأطفال الجنود هم ضحايا فيما تؤدّي مشاركتهم في النزاع إلى آثار خطيرة جدا بالنسبة إلى صحتهم الجسمية والنفسية، خاصة وإنهم يكونون مستغلين في اكثر من اتجاه وغالباً ما يكونون خاضعين لضروب الأذى ومعظمهم يواجهون الموت والقتل والعنف الجنسي بل إن كثيراً منهم يُجبَرون على ارتكاب الاعمال الإجرامية التي يرتكبها الكبار الأمر الذي يجعلهم يعانون من آثار سيكولوجية خطيرة في الأجل الطويل كما تصبح عملية اعادة دمجهم في المجتمع عملية صعبة ومعقدة جدا وطويلة الأمد، أي أن أمراضهم النفسية تصبح مع الزمن عقد كامنة تحتاج الى جهد جهيد للتخلص منها. ونظرا لخطورة سن الأطفال فقد لاحظ القانون الدولي هذا الجانب جيداً فحظر حتى تشغيلهم في سن اقل من السن القانونية، فما بالك بإقحامهم في آتون المعارك وساحات الموت، ولذلك فقد اعتبر القانون الدولي انه لا يجوز تجنيد واستخدام الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر للعمل بوصفهم جنوداً، كما أن هذا العمل يمكن تعريفه بوصفه جريمة حرب من جانب المحكمة الجنائية الدولية.

ويعتبر القانون الدولي الجندي الطفل بأنه أي طفل يرتبط بقوة عسكرية أو بجماعة عسكرية وهو دون سن الثامنة عشرة من العمر ولا يزال أو كان مجنّداً أو مُستخدَماً بواسطة قوة عسكرية أو جماعة عسكرية في أي صفة بما في ذلك -على سبيل المثال- الأطفال والغلمان والفتيات الذين يتم استخدامهم محاربين أو طهاة أو حمّالين أو جواسيس أو لأغراض جنسية.

ونلاحظ هنا انه في الآونة الأخيرة ظهر في العراق وسورية واليمن وليبيا حيث الساحات الأكثر سخونة تنظيمات إرهابية واضحة تحترف القتل والجريمة ولكن تحت لافطات مضللة، إذا تختفي تحت ستار الدين احيانا كما هو الحال بالنسبة لتنظيم داعش أو التنظيمات والمليشيات الأخرى التي تتخفى بشعارات سياسية أو طائفية، ونلاحظ أن القاسم المشترك الاعظم بين هذه التنظيمات سواء منها الإرهابية أو الطائفية أو حتى شبه النظامية اعتمدت مع الأسف أسلوب استغلال الأطفال في حروبها ومعاركها المتعددة الاتجاهات.

ونرى كمثال وليس للحصر أن سياسة التخبّط السياسي والأمني في العراق، تسببت بتردٍ في كافة المستويات إلى البحث عن حلول للأزمة الأمنية، الأمر الذي أتاح الفرصة لجهات لها الدور الكبير بالملف الأمني إلى استغلال الظرف والتحرك نحو تنفيذ أجندتها الخاصة وعسكرة المجتمع طائفياً، ومن ثم استغلال كل من يمكن أن يحمل السلاح أو يساهم في الحرب ومن بين هؤلاء الأطفال، ففي انتقادات عديدة قال مسؤولون ومراقبون إنّ الجهات المسؤولة عن الحشد الشعبي في محافظة ديالى بدأت بخطة لتدريب الطلاب الجامعيين وطلاب المدارس الثانوية داخل معسكرات خاصة، فضلاً عن محاضرات يلقيها رجال دين وقادة في الحشد الشعبي على الطلاب.

بالتأكيد قد يقول قائل إن الطالب الجامعي لا يعد طفلا، ولكن عندما نتحدث عن طلاب من المرحلة الأولى من التعليم الثانوي فإننا نتكلم هنا عن شريحة لا يتجاوز أعمارهم سبعة عشر عاما وهم بالنسبة لتصنيف الأمم المتحدة يعتبرون أطفالاً وينطبق عليهم كل القوانين التي تجرم استغلالهم في الحروب، ناهيك عن أن "هويات الحشد التي حصل عليها ستكون ضماناً لهم في المدارس والجامعات وسيحصلون من خلالها على تسهيلات كبيرة في الدراسة، فضلاً عن الأولوية التي سيحظون بها في التعيينات الحكومية الأمر الذي يعني ابتزازاً كاملاً، يستغل حاجة الطلبة للدراسة بأسلوب رخيص، أما ما يسمى بقوات بدر "الجناح العسكري لحزب المجلس الأعلى بزعامة عمار الحكيم فيؤكد بعض المطلعين إن هناك توجيهات من قيادات العمل بتجنيد مزيد من الأطفال".

وتأتي هذه الجرائم متساوية مع ما ترتكبه منظمات ومليشيات اخرى كما ذكرنا وأبرزها تنظيم داعش الذي يواصل تجنيد الأطفال في سورية والعراق، وجعلهم قنابل موقوتة أو دروعاً بشرية أو خطفهم وابتزاز أولياء أمورهم سواء لدفع الدية أو لتأكيد هذا الطرف أو ذاك، إنها جرائم بشعة ونكراء تكرر يوميا على المشهد السياسي والعسكري وما زال الأطفال قودا لهذه الحروب المسعورة التي تأكل الأخضر واليابس والمستمرة المشعلة بدون هدف.

سيرياديلي نيوز


التعليقات