مرّة جديد، فتح برنامج «القصّة الكاملة» (Toute une histoire) الذي تعرضه القناة الفرنسيّة الثانية «فرانس 2»، ملفّ المراهقين الفرنسيين الذين يختارون طريق الجهاد. فبعدما تطرّقت للموضوع في حلقة سابقة قبل أشهر، استعادت مقدّمة البرنامج صوفي دافان الملّف من زاوية جديدة، من خلال شهادات حيّة لعائلات شبان وشابات فرنسيين هربوا للجهاد في سوريا. وبدت الصورة التراجيدية خارقة لكل أسس المنطق، ففي حين يرمي سوريون بأنفسهم في البحر ليصلوا إلى ضفاف أوروبا، هناك أوروبيّون يخاطرون بأنفسهم للانتماء إلى منظّمات سرية تجندهم وترسلهم إلى مواقع القتال في سوريا.
خلال الحلقة التي عرضت أمس الأوّل، يتحدّث فؤاد عن تجربة شقيقته البالغة من العمر 17 عاماً، والتي اختفت منذ مطلع العام 2015. قبل انقطاع أيّ اتصال معها بيومين، التقى فؤاد بشقيقته، وبعد عشر دقائق من البكاء، حاول أن يفهم سبب اتخاذها قرار الذهاب إلى سوريا للجهاد، ولكنّه لم يفهم ما أرادت قوله، فقد كانت تضرب رأسها بالجدار، وتردّد أنّها لا تستطيع الكلام، وحاولت أن تشير له بعينيها الى أنّ هناك من يراقبهما بكاميرا مثبّتة في الغرفة، وهمست له أنّها نادمة جداً.
استنتج فؤاد الفرنسي المسلم، ذو الأصول العربية، أنّ أخته هربت تحت التهديد، وأنّ سرّاً كبيراً بقي طي الكتمان، عن طرق تجنيد الشبان الأوروبيين للقتال في سوريا والعراق. أما عن ظروف حياة شقيقته قبل أن تهرب، فأكّد فؤاد لدافان أنّها كانت «مدلّلة»، لكنّها عاشت بشخصيتين، فقد كان لها هاتفان، وحسابان على «فايسبوك»، وحياة للعائلة وأخرى للأصدقاء. لم يجد فؤاد إجابة على سؤال المذيعة عمّا إذا كان متوقّعاً عودة شقيقته. من جهتها، ردّت ماري آنياس على السؤال ذاته، مؤكّدةً أن لا أمل لديها بعودة من ذهبوا، لأنّ ابنها بيار ذهب ولم يعد. وقالت إنّه كان يكتب لها رسائل مقتضبة عبر البريد الالكتروني، كلّ ثلاثة أسابيع، ثمّ توقّف عن ذلك بعد ستة أشهر، لتتلقّى لاحقاً رسالة تخبرها بأنه قتل. تقول ذلك باكية، وتتأسّف أنها حرمت حتى من استلام جثته ودفنه بشكل لائق.
من ضيوف حلقة «القصّة الكاملة»، سيّدة تدعى فاليري، اختفت ابنتها ذات الستّة عشر عاماً أيضاً. تقول إنّ أكثر ما آلمها، أنّها لم تنتبه لكل التغيرات الجذرية في شخصية ابنتها المفقودة. فخلال أشهر اعتنقت الإسلام، وغيّرت اسمها، وارتدت البرقع، ثم اختفت، ولا تعرف إن ماتت أم لا. وتشير إلى أنّها تشارك في البرنامج لتنبيه العائلات إلى خطورة ما يحدث، وللتوعية ضدّ «داعش» وغيره من التنظيمات التي تجنّد مراهقين للقتال في سوريا والعراق وأماكن أخرى. أمّا جنان، فتصدم المشاهدين بحقيقة تشبه القصف: «يبيعون البنات الجميلات، والصبيان يزجّ بهم في معسكرات التدريب ثم إلى القتال».
اللافت في ضيوف «القصة الكاملة»، أنّهم تحلّوا بالشجاعة لمواجهة المشاهد الفرنسي من جهة، والمشاهد الفرانكفوني المسلم من جهة أخرى، في هذه الظروف الصعبة، حيث يكمن الالتباس دوماً في السؤال الخطير: «هل الإسلام والفكر الجهادي واحد؟» سؤال ردّت عليه الكاتبة دنيا بوزار (تحمل دكتوراه في علم الأنتروبولوجيا، ومختصة في تحليل التأثير الديني)، صاحبة كتابي «التخلّص من تأثير الجهاديين» و «الحياة بعد داعش» (منشورات أتيلييه/ باريس؛ 2015). شاركت بوزار في الحلقة انطلاقاً من معايشة 400 عائلة لامستهم المشكلة في الأعماق، ولفتت إلى أنّهم بعكس ما يتوقع البعض ليسوا فقط من أبناء الأحياء الفقيرة والأطفال المهملين، بل من فئات مختلفة، بعضهم من مدن، وبعضهم من قرىً، ومنهم من ينتمون لعائلات ميسورة بعضها متدين والبعض ملحد والبعض الآخر بوذي أو غيره.
كانت حلقة «القصة الكاملة» مؤلمة جدّاً ومتميزة، وخرجت هذه المرة عن الأسئلة السطحية التي توجه للأمهات والأبناء والآباء حول يومياتهم. ساعة حوارية مهمة ألقت الضوء على حقيقة خطيرة وهي أن الفكر الجهادي لم يعد حبيس الرقعة العربية، ولن يبق داخل قضبانها، ما لم يوقف بطرق ذكية تفوق ذكاء من يقنع ابنة 16 عاماً بإلقاء نفسها في الجحيم.
سيرياديلي نيوز
2015-09-30 21:15:47