من اللافت للنظر في الأزمة السورية، تعدد أشكال الجرائم التي يمول منها المجرمون نشاطاتهم، فمن تجارة الأعضاء البشرية، إلى سرقة النفط والغاز وبيعه بطرق غير شرعية، إلى سرقة الآثار وتهريبها وبيعها من خلال مزادات بعضها سري، وبعضها علني.
وأصبحت هذه التجارة مصدراً أساسيا للدخل لدى الكثير من المجموعات المسلحة، مثل "داعش" وبعض مجموعات المعارضة السورية، وهذا الأمر ليس جديداً، فالدواعش تاجروا بالآثار، المنهوبة من العراق وسوريا، والتي تشمل الكثير من التماثيل واللوحات التي يعود تاريخها لآلاف السنين.
وتشهد سوريا في الوقت الراهن عمليات نهب للآثار، خاصة في المناطق التي تقع خارج سيطرة الجيش العربي السوري، مثل دير الزور والرقة ودرعا وتدمر وريف حلب، وهي مناطق حدودية مع دول الجوارــ تركيا والأردن ولبنان.
وعلى الضفة الأخرى، يوجد ما هو أشد فتكاً وقساوة من النهب والسرقة، وهو التفجير والتدمير للآثار الثابتة ذات الحجم الكبير، ما يعد جريمة ضد الإرث التاريخي والثقافي والحضارة الإنسانية.
وقام عدد من السوريين، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بافتتاح العديد من المزادات لبيع القطع الأثرية السورية الثمينة، من خلال التواصل عبر أرقام هواتف تركية، على أن يتم التسليم في المناطق المحتلة من قبل العصابات الإرهابية والتنظيمات الإسلامية المتشددة أو على الأراضي التركية، حيث تم عرض العديد من الصور لتماثيل وأيقونات وقطع نقدية ولوحات تعود بتاريخها إلى الحضارات التي تعاقبت على سوريا.
وقال أحد العاملين بهذه المهنة، وهو من محافظة السويداء، ويلقب بـ"أبو الذهب"، لـ"سبوتنيك"، "إن الغالبية العظمى من تجار الآثار الذين نتعامل معهم ليسوا من السوريين، لكنني لاحظت أن الأتراك يشكلون النسبة الأكبر من التجار ومن مشتري الآثار السورية".
وأضاف "مدينة غازي عنتاب التركية، هي المركز الرئيسي لبيع وشراء القطع الأثرية على الحدود التركية السورية".
ورغم بث تنظيم "داعش" مقاطع فيديو تظهر تدميره لمواقع أثرية، في إطار ما يسميه الحرب على الأوثان، فإن المجموعة المتطرفة تستفيد مادياً من خلال نظام التنقيب الذي تعمل به وهو منح المنقبين إذنا للتنقيب في مواقع معينة، بشرط أن يحصل الدواعش على 20% من قيمة ما يتم اكتشافه.
مافيات سورية تتعاون مع أخرى في تركيا
وحول سرقة وتهريب الآثار، صرح مأمون عبد الكريم، المدير العام لمديرية الآثار والمتاحف السورية، لـ"سبوتنيك"، بأن المناطق الشرقية والشمالية في دير الزور والرقة ودرعا وحلب، يوجد فيها عصابات منظمة ومافيات تتعاون مع مثيلاتها في تركيا لتهريب الآثار وبيعها بطرق غير قانونية
ولفت إلى أن تركيا رفضت رفضاً نهائيا وقطعياً أن تتعاون مع المديرية السورية للآثار، بحجة الخلافات السياسية مع الدولة السورية.
وأضاف "طالبنا المنظمات الدولية مثل اليونيسكو أن تستوضح من تركيا عما إذا كان عندها آثار سورية، ولكنها رفضت أيضاً، وهذا يعد دليلاً قاطعاً على عدم وجود الشفافية… نحن واثقون من أن كل الآثار الموجودة في المنطقة الشمالية تمر عبر تركيا، أما المناطق الغربية فتذهب إلى لبنان، فهناك أيضاً مافيات لبنانية تعمل في الخفاء، ولكن لبنان قرر التعاون معنا وإعادة العديد من القطع التي هربت إليه".
أما بالنسبة للأردن، "رفضت السلطات هناك الإفصاح عما لديها من معلومات، وهي لا تتعاون ولا تراسلنا… نتمنى إعادة وجهة النظر بالمفاهيم السياسية والخلافات الحكومية".
99% من الآثار نقلت إلى أماكن آمنة
ولفت عبد الكريم إلى أن المديرية العامة للأثار والمتاحف استطاعت أن تحافظ على 99 % من القطع الأثرية الصغيرة التي تم نقلها إلى العاصمة السورية دمشق، وهي آمنة، ولكن القطع الكبيرة والتي يصعب نقلها بقيت في المناطق الساخنة، وهي تقع تحت سيطرة العصابات الإرهابية.
وطالب عبد الكريم المجتمع الدولي التحرك بسرعة لتحرير مدينة تدمر قبل فوات الأوان، ومكافحة الارهاب بأي شكل من الأشكال، وإلا سنفقد مدينة ثمينة لها مكانة تاريخية على مستوى العالم.
سيرياديلي نيوز
2015-09-08 22:00:42