تحت مسمى الجرأة، وفي محاولة لاستعراض العضلات في زجّ مَشاهد الإثارة الجنسية والإغراء أمام المُشاهد، ولو عدنا بالزمن إلى الوراء، لربما رُفضت هذه المَشاهد مِن قِبل الممثلة «إغراء» ذاتها! نرى الدراما السورية تسابقت لإقحامها في أعمالها هذه السنة، ضاربة عرض الحائط بموسمها المرتبط بشهر رمضان، لتبدو وكأنها معدّة لـ«شهر عسل خاص».

لكنّ هذه اللوثات لم تمر من دون صدى. إذ لم تتوقف الانتقادات التي طاولت ذاك «الهوى في الأعمال السورية»، إن من الجمهور المتابع، أو على لسان أهل الفنّ الذين دقّوا أيضاً ناقوس الخطر إزاء ما يُعرض على الشاشة من فضائح مصوّرة، لا مشاهد درامية. داعين إلى عودة الدراما السورية إلى خطها السليم الذي حققت أمجادها عبره.

جرأة مفرطة بعيدة عن الواقع

المخرج السينمائي المهنّد كلثوم أكّد أن الدراما السورية في هذا الموسم تحلّت بالجرأة المفرطة غير المبرّرة، من خلال استخدام الشتائم والحركات غير اللائقة، وهذا ما يشير إلى الإفلاس الفني والاستسهال في استخدام الجرأة تحت مسمّى الفن والواقعية التي لا تعني نقل الواقع الذي تعيشه سورية بكل تفاصيله وجوانبه.

وأضاف كلثوم: رافقت هذه الظاهرة الأعمال الضعيفة والمكرّرة من حيث طريقة الطرح. وهذا ما يؤكد أن صانعي الدراما أصبحت غايتهم تحقيق أيّ نجاح ولو كان رخيصاً. لافتاً إلى أن الساحة الدرامية السورية لا تفتقر إلى المواهب والكفاءات، غير أن التوجه إلى الربح السريع، والنمط الاستهلاكي غير المتقن، أوقعا الدراما في المحظور.

وقال كلثوم إن الدراما يجب أن تسلّط الضوء على السلبيات لا إبرازها بشكل فجّ. لكن معظم الأعمال تؤدّي إلى الانحدار بالذوق العام ونقل ثقافات سيئة. لذلك، من حق الجمهور عدم تقبّل المسلسلات المبالَغ بها والتي تعدّت الحدود، لأنها تشكل خطراً في الفترة المقبلة.

ولفت كلثوم إلى أننا في وضع استثنائيّ، وضمن هذه الظروف، يجب أن يكون هناك أولويات من حيث طريقة تقديم الوقائع التي تحدث على الأرض.

تجاوز الخطوط الحمراء

ويرى الفنان يوسف مقبل أنّ أهمّ ما طرأ على الدراما السورية في هذه الأزمة، ضياع الهوية الوطنية وفقدان البوصلة. فنتج عن ذلك ـ وتحت عنوان الجرأة وتجاوز الخطوط الحمراء ـ أعمال مليئة بـ«الدعارة». فلا يكاد يخلو عمل من خطّ يعتمد على «الدعارة» والاتجار بالجسد. إنها دراما الدم واللحم.

ومن أهم الأسباب التي ساهمت في تردّي الدراما السورية، التمويل الخليجي الذي ساهم في إنتاج أعمال أساءت إلى بنية المجتمع السوري وساهمت في ضياع الهوية الوطنية السورية باب الحارة نموذجاً ، فكان الحل إما أن نغلق «باب الحارة» على أنفسنا، أو نذهب إلى «صرخة روح» الذي فتح الباب على مصراعيه أمام «الدعارة الفنية»، وكذلك عدم قيام نقابة الفنانين بدورها المطلوب من حماية أعضائها، فدخل المهنة من لا علاقة لهم بها، ومن لا يعنيهم تردّيها أو محاولة الحفاظ على المستوى الذي حققته الدراما من مكانة مرموقة على الصعيد العربي.

أعمال هابطة

الفنانة نسيمة ضاهر، أبدت استياءها ممّا يقدّم. ولفتت إلى أن هناك بعض الأعمال الهابطة والمخجلة جدّاً، التي لا تنتمي إلى عالم الدراما السورية، التي استطاعت أن تتبوأ مكانةً مرموقة في وقت ما، عبر الكتّاب والممثلين والمخرجين. ومع سيطرة رأس المال السيئ على الدراما، وإسقاطها في هوّة التسطيح والتجهيل وإظهار مجتمعنا السوري بصورة لا تليق به، والقيّمون الجهلة على الدراما السورية، ورغبة أصحاب المال في جعل الدراما تقتصر على مخاطبة الغرائز بكلّ أنواعها، كلّ ما سبق مجتمعاً، أوصل الدراما السورية إلى حيث هي اليوم من انحدار.

المخرج المنفّذ علي غبيس، يوافق نسيمة ضاهر الرأي، وينوّه بأن الدراما أضحت تعرض مجتمعاً بعيداً كل البعد عن الواقع السوري وعن شخصية المواطن السوري. وهي تشوّه واقع المواطن السوري وتظهره في أسوأ منظر.

ظاهرة خطيرة

أما الفنان جمال نصّار، فدقّ أكثر من باب لانتقاد ما يعرض ضمن إطار الدراما السورية. مبدياً امتعاضه الشديد ممّا يقدّم فقال: «لن أتحدث عن إقصاء الدور الريادي للمرأة السورية المثقفة والمتعلمة في الدراما السورية وهو موجود… ولن أدخل في مناقشة ظواهر مخزية في الدراما السورية كظاهرة العنف الواقع على المرأة إن كان جسدياً بالضرب والاعتداء، أو نفسياً بالشتم والسباب والقدح بالعبارات الساقطة. وحدّث ولا حرج عن هذا الجانب… ولن أخوض في ظاهرة إغفال دور المرأة المنتجة والمفكّرة والعالِمة والفاعلة وهي تشكل نسبة لا يستهان بها في المجتمع السوري وفي الدراما السورية… فقط أريد أن أنبّه إلى ظاهرة وهي خطيرة وخبيثة، وأعتقد أنها جزء من الحرب المعلنة على الوطن والمجتمع، وهي ظاهرة فرد مساحة كبيرة في غالبية الأعمال الدرامية المنتجة حديثاً لـ«المرأة العاهرة»، وكأنها هي الجزء الأكثر عدداً من بين النساء السوريات… فمتابع الدراما السورية المنتجة مؤخراً يخيّل له أن غالبية النساء السوريات عاهرات أو بائعات هوى وخائنات أزواجهن، في ظاهرة اجتماعية تجاوزت كلّ الخطوط الحمراء… للأسف، إنّ ما يساعد الجهات منتجة هذه الأعمال السورية غريبة المرامي، وجود بعض الفنانات أو ممّن يسمين فنانات، ومنهن ـ بحسب المعايير التي تُعتمَد ـ نجمات ومشهورات، واللاتي تخطين كل المعايير الأخلاقية التي يجب أن تمتلكها الفنانة الحقيقية صاحبة الرسالة الانسانية في تجسيد أدوار قميئة تتوجه فقط إلى غرائز المشاهدين وإثارتهم، في أدوار يندى لها الجبين. إنّنا ننبّه، وندقّ ناقوس الخطر، ونقول إنّ الدراما السورية، بسبب رؤوس الأموال غير الوطنية وبعض التجار المنتجين وبعض الفنانات السوريات اللاتي تجاوزن كل الحدود والأعراف الاجتماعية، في خطر. فعلى مَن هم في موقع مسؤولية الدفاع عنها، أن يتحرّكوا».

سيرياديلي نيوز - البناء


التعليقات