سيريا ديلي نيوز- د.. م محمد غسان طيارة

آخر مقال نُشِر لي على مواقع النشرات إليكترونية كان بعنوان "رسالة من أعماق قلبي" بتاريخ 2 حزيران 2015 وقد تضمن المقال توضيحاً لثبات الموقف الروسي والإيراني من دعم سورية شعباً وجيشاً وقيادةً, وذلك بسبب ظهور بعض الأخبار المغرضة تتدعي أن موسكو تخلت عن القيادة السورية وأن إيران غاضبة من تصرفات المقاومة اللبنانية ومن السيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله, ومن المؤسف ظهور بعض علائم القلق في مقالات لمواطنين سوريين لا نشك بحبهم للوطن.

فوجدت أن الضرورة تقضي التذكير بالمواقف الثابتة لأصدقاء سورية. مع بداية زيارة وزير الخارجية السورية وليد المعلم لموسكو ومقابلته مباشرة للرئيس الروسي بوتين ظهرت مواقف غير متوافقة مع دعوة الرئيس بوتين للقاء الجيران لمحاربة الإرهاب على الرغم من الوعد الذي قطعه لوزير الخارجية وليد المعلم بثابت موقفه من أزمة سورية والاستمرار في دعمه لصمود سورية. فتناسى البعض الأصل وتناسوا جهوزية الدعم الروسي الثابت لسورية. ولهذا وجدت أن إعادة نشر نفس المقال مناسب لنفس الحالة بعض مضي شهر على نشره في المرة الأولى, ولكن سأكتفي بما نقله مراسل الميادين في موسكو عن أمين عام الجامعة العبرية "العربية": "نقل مراسل الميادين عن الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي تأكيده أنه مستعد لمقابلة وزير الخارجية السوري وليد المعلم في أي وقت يختاره الأخير. العربي قال إن سوريا عضو في جامعة الدول العربية ولم تجمد عضويتها إطلاقاً بل علقت مشاركتها في اجتماعاتها".

قد يكون لدى روسيا خطة جديدة للحل السياسي بين السوريين ومشاركة دول الجوار في محاربة الإرهاب, وستبين الأيام نجاح أو فشل تلك الخطة المتوقعة!. لن أخوض أكثر في الموضوع ولن أحاول التنجيم عن الأسباب, ولكن أقول "شخصيا" قد نسامح بعض العربان ومن بينهم أمين عام الجامعة العبرية "العربية" ولكن لن ننسى بانتظار جلاء الغيوم وظهور شمس الحق ساطعة. وأكرر بأن روسيا صديقة وصادقة معنا. أن الأهم من مواقف روسيا وإيران يتلخص في البيئة الحاضنة للإرهاب التي ظهرت مع بدايات الأزمة السورية وقبل تدفق الجماعات التكفيرية للمشاركة في تدمير الوطن فهذه البيئة شاركت في الإرهاب وحضنت المجموعات التكفيرية من 83 دولة عربية وأجنبية تشارك معها في تدمير البشر والحجر والتاريخ في وطننا سورية. إن تفكيرنا كمواطنين مستمر ونتساءل في السر والعلن عن كيفية تشكيل تلك البيئة الحاضنة للإرهاب في سورية ومن خطط لها داخلياً وكيف مرت من أمامنا ونحن نيام في العسل, كما يقول الإخوة المصريون. إنه تساؤل مشروع والجواب عليه سيكون أساسي في إعادة بناء الوطن والإنسان والتاريخ والحجر. نستلم الطفل في منظمة الطلائع ليصل إلى اتحاد شبيبة الثورة وبعدها الاتحاد الوطني لطلبة سورية وبعد تركه الدراسة فأمامه اتحاد العمال أو اتحاد الفلاحين وباقي المنظمات الشعبية والنقابات المهنية. وإذا تسرب من التعليم وأصبح عاطلاً عن العمل ودخل في متاهات الإجرام فهناك أجهزة أمنية مختلفة من المفروض أن تهتم بإصلاحه أو تحْجيم نشاطاته الإجرامية كما أن الحزب منتشر على مساحة الوطن تسانده أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية. كل هذه التنظيمات والمؤسسات لم تلاحظ تنامي البيئة الحاضنة!. كلها مقصرة أو مهملة وقد يكون بعض أفرادها ساهموا في تكوين تلك البيئة الحاضنة. وهذا يخص بعض الناس المغرر بهم من المنغمسين في الإجرام, ولكن ماذا عن بعض المسؤولين الذين تسلقوا سلم الصعود من بداية الطريق حتى أصبحوا في مواقع متقدمة وما أن وصلوا حتى انقلبوا على الوطن وانغمسوا في التآمر عليه مع بداياته. كنت تسمعهم يهللون ويكبرون للقيادة وما أن تمكنوا حتى أداروا للوطن ظهورهم , وبعضهم بعد أن أمضوا سنوات طويلة في مواقع المسؤولية فما أن انتهت خدماتهم وظهرت المؤامرة حتى وجدناهم قد تطوعوا لخدمتها والمشاركة في مشروع تدمير الوطن. يتبع هذا السؤال التالي: ألم ينبه أحد على ما كان يحدث في الخفاء أو من الممكن أن يحدث؟. طبعاً كانت هناك تنبيهات ولكن الأصوات كانت غير مرتفعة وقُمِعت في مهدها. ولن اتدخل في شرح تفاصيل هذه الأصوات والدلالة عليها وماذا حدث لأصحابها, وسأكتفي بالتأكيد على أن أي شخص ما قريب من جهة نافذة قادر على تحطيم كل أصوات التنبيه التي ظهرت على مرور السنوات الماضية. والسؤال المحزن الذي يحتاج إلى إجابة: أننا مررنا بتجارب غير مريحة لحركات خوان المسلمين ونجحنا في القضاء عليها ولكن لم نتعظ من دروسها, فأول تحرك لخوان المسلمين كان في حماه وفي سنة 1964 ولم يستمر تمردهم طويلاً. والحالة الثانية بدأت في سنة 1975 واستمرت حتى سنة 1985, قُتِل فيها علماء بارزون من ابناء الوطن, وكان في مقدمة الداعمين أردن الملك حسين وعلى أرضه تدربوا على القتل, وعراق صدام حسين وعنده فُخِخَت السيارات وفُجِرت في أماكن عالية الكثافة السكانية حيث تمَّ تفجير مبنى مجلس الوزراء وفي منطقة الأزبكية التي حدثت فيها مجزرة وقبلها مجزرة المدفعية, ومحاولة اغتيال رمز الوطن حافظ الأسد. قُتِل علماء ورجال دين وأطفال وكان في مقدمة داعميه في سورية عدد من المهندسين والأطباء والمحامين, حتى اضطرت الحكومة لحل تلك النقابات وتشكيل نقابات جديدة وبقوانين جديدة. وأُعقِّب على قانون تنظيم مهنة الهندسة فهو يسمح بإيصال خشبة إلى موقع نقيب المهندسين وتمنيت أن نفتش عن الرجال من بين المهندسين ونبتعد عن الانتهازيين والخشبات, نجحنا في مكان وفشلنا في مكانٍ آخر. وبعد اشتداد الهجمة على سورية انضم إلى داعمي الإرهاب أنور السادات شريكنا في حرب تشرين التحريرية الذي وعد بأن تجري الدماء في دمشق أنهاراً وأيده ياسر عرفات. انتصرنا على عدوان خوان المسلمين الهمجي وسامحنا المعتدين ولكن تناسينا جرائمهم ولم نستفيد من تلك التجارب القاسية التي مرت بنا وكانت الضرورة تقضي إعادة بناء منظماتنا ونقاباتنا ومفاهيم الديمقراطية داخلها وداخل الحزب وعلاقتنا مع أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية, وباختصار شديد كنا بحاجة إلى إعادة بناء الإنسان الوطني حتى نتمكن من تمييز صوت الانتهازي فنخلعه ونقدم الوطني عليه. هذه الحرب الإرهابية ستنتهي وسننتصر وقد يكون الثمن مرتفعاً جداً, ولكن هل هناك خطط لإعادة بناء الإنسان؟!.

وهل سننتظر حتى ينتهي العدوان كي نبدأ بإعادة بناء منظماتنا الشعبية ونقاباتنا المهنية فيستمر استغلالها من الأصوات الانتهازية عالية النبرة. إن الضرورة تقْضي أن نكون قد بدأنا في بناءِ الحزب والمنظمات الشعبية والنقابات المهنية وإعادة بناء الإنسان من سن الطفولة حتى يصبح عضواً فاعلاً في المجتمع. وكل تأخير له تسمية وحيدة هي التقصير!. على الرغم من التدقيق الكبير في الانتساب إلى الحزب الشيوعي وسيطرته على كل مناحي الحياة فقد انهار البنيان "الحديدي" بسرعة البرق وانهار المعسكر الاشتراكي بعد عشرات السنين من البناء والسيطرة. ألا نحتاج إلى دراسة أسباب انهيار الدولة السوفياتية كي لا نقع في مصيدة جديدة تفكر الصهيونية الاميركية منذ الآن التخطيط لها؟. يكفينا لطمات وحان الوقت كي نتعلَّم. أنهي بحادثة جرت معي أثناء خدمة العلم حيث كان مطلوب مني ترجمة حديث للمستشار الأول الروسي لفرع إنشاء المطارات حيث كنت أنفذ خدمة العلم. اختار بعض الضباط موقع لمطار الرقة, وبعد قشط التربة الزراعية تبين أن التربة كلسية تتأثر تقلصاً وتمدداً بحسب الأحوال الجوية السائدة في تلك المنطقة ويصعب تدعيمها. استدعى رئيس إدارة الإمداد والتموين العقيد عدنان سلحدار المستشار الأول الروسي كي يقدم مشورته في الحل المناسب ووقع الاختيار عليَّ للترجمة. وقال المستشار عبارة ترجمتها باللغة العربية: أنتم كالأطفال لا تتعلمون المشي قبل الوقوع عدة مرات على رؤوسكم. رفضت في البداية الترجمة. فهمَّ المستشار الروسي بالخروج إذا لم اترجم ما قاله. شعر العقيد سلحدار بأن هناك إشكال في الترجمة فطلب مني الترجمة مهما كان الموضوع محرجاً. ترجمت كلام المستشار. رحب العقيد سلحدار بكلام المستشار وشكرني على الترجمة واتفق الجميع على المعالجة الميدانية مع مترجم الملحقية العسكرية الروسية بدمشق. السؤال: كم من المرات ستنكسر الرؤوس حتى نستفيد من تجاربنا المرة؟!. انها تجليات محزنة.

دمشق في 2 تموز 2015

 

سيريا ديلي نيوز


التعليقات