في الأسابيع الماضية تراكمت انتقادات سورية-عراقية شعبية لإيران  وروسيا “نتيجة عدم ثقل الدعم العسكري” في مساندة جيشي البلدين في الحرب ضد الارهاب. مواقف الشارع السوري جاءت نتيجة تقدم المسلحين على عدة جبهات وخصوصا في ادلب وما بعدها: لماذا لا ترسل الجمهورية الاسلامية وروسيا سلاحا افعل ومقاتلين يكفون لمجابهة مسلحين آتين من اربع رياح الأرض؟ لماذا لا يضغط الروس والإيرانيون على تركيا للكف عن مخططاتها في شمال سوريا؟

كان شكل وهدف التقدم الميداني للمسلحين يوحي بأن هناك من يعدّ ويشارك في توجيه الهجمات. تركيا هي التي تتحكم بمسلحي الشمال السوري وتحديدا في أرياف حلب وادلب والحسكة. تلك قناعة شعبية-رسمية سورية.

الجيش السوري يقاتل على جبهات بلاده المفتوحة جغرافيا، ولا يمكن له وللقوات المسلحة الشعبية التي تسانده ان يكسبوا وحدهم جولات المعارك في ظل وجود حدود ودعم مفتوحين للمسلحين شمالا وجنوبا.

بعد زيارتي وزيري الدفاع والداخلية السوريين الى موسكو وطهران، تنفس السوريون الصعداء. تم وضع الحليفين امام واجب التحرك والمساندة، انطلاقا من اعتبار الروس والإيرانيين ان سوريا أولوية في مصالحهم وسياساتهم.

يقتصر دعم موسكو على التجهيزات العسكرية والأسلحة. لم يقصّر الروس هنا. لم تشغلهم حرب أوكرانيا. زادتهم العقوبات الغربية على موسكو إصرارا على خياراتهم تجاه سوريا. الكلام الاخير للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سان بطرسبورغ دليل واضح عن بقاء الموقف المؤيد للرئيس السوري.

ماذا عن ايران؟ لم تقصّر ايضا في تثبيت موقفها الحازم تجاه دمشق. هي تدرك بأن ابرز اسباب الحرب على النظام السوري يتلخص بالتحالف بين دمشق وطهران. قدمت الخبرات والسلاح والمساندة المالية. ماذا يمكن ان تقدم بعد؟

لم تحّرك الجمهورية الاسلامية عديدا مقاتلا للمشاركة في صد المشروع الذي يقاتل خياراتها في سوريا. لم تستطع فعل ذلك خلال المفاوضات النووية. بمقدورها ان تتحرر من ضغط المفاوضات في الأسابيع المقبلة. خفّ الاعتراض التركي على اي خطوة إيرانية عملية في سوريا وتراجعت قدرة أنقرة على الرد بالمثل نتيجة نتائج انتخابات تركيا.

لكن ماذا عن الجبهة الجنوبية السورية؟ اذا كانت الجبهة الشرقية وامتدادا الشمالية في سوريا تشكل أساسا لطريق يربط ايران بسوريا عبر العراق، فإن التماس مع اسرائيل أولوية إيرانية أيضاً. الجبهتان تتكاملان وتحتلان الموقع نفسه عند الإيرانيين.

لن يكون التصرف الإيراني تجاه سوريا بعد انتهاء المفاوضات النووية مع الغرب مشابها لما يجري الان. ما هي الخطوات التي يمكن ان تتقدم من خلالها طهران؟

يبدو ان الاستراتيجية قائمة، “ستقونن” من خلال ترجمة التحالف بين الإيرانيين والسوريين والعراقيين في اجتماع سيعقد بعد ايام في طهران لإعلان ما يشبه إدارة العمليات العسكرية الواحدة. يُراد الوصول من خلال هذا التنسيق الى ترجمة ان امن بغداد ودمشق وطهران مرتبط ببعضه البعض. هو أشبه بإعلان الاتحاد العسكري والسياسي الإيراني-السوري-العراقي المتحالف مع روسيا.

هل سيكون على قدر التحدي الميداني تحديدا، بإعتبار انه اثبت في السياسة فعالية وقدرة. ما هي أولوياته؟ هل كما يُصمم العراقيون بالزحف من العراق الى سوريا لاحقا؟

أثبتت معارك الرقة والحسكة ان “داعش” تنظيم يمكن قهره كما فعل الأكراد. لكن هل محاربة “داعش” في سوريا هي الأولوية ام محاربة “جبهة النصرة”؟ في سوريا المعادلة تقوم على اساس الحرب اولا مع “النصرة” ومتفرعاتها. موقف دمشق ناتج عن حقيقة ان تلك المتفرعات تتغطى بلبوس المعارضة وتحظى بغطاء دولي ودعم عربي وتسهيل اسرائيلي. ما يعني مخاطر هذه المجموعات.

اذا كان موقف دول عربية داعمة لمسلحي سوريا معروف، ماذا عن موقف الغرب وتحديدا الأميركيين؟ هل يسمحون بالتحالف “الثلاثي” ضد مسلحين مدعومين من عواصم خليجية وغربية؟ وهل يتركون للتحالف المرتقب إعلانه بت امر الميدان قبل إنضاج التسويات السياسية الدولية او تحقيق مخططات التقسيم والفدرلة.

في الوقائع، لا يمكن اليوم الحديث عن وجود غرفة تحكم دولي في واشنطن مثلا توزّع الأدوار بإتقان. أظهرت التطورات في المنطقة أن القرارات تُتخذ خطوة تلو خطوة بناء على المستجدات. فوضى قائمة تجر معها العالم تدريجيا ولن تستثني اي مساحة أرضية.

طهران تنطلق من واقع المفاوضات النووية للتحرر في تصرفاتها بعد انتهائها، ومن ضعف العواصم المناوئة لها الآن: السعودية غارقة في اليمن، وتركيا مشغولة بحساباتها الداخلية التي قيدت تحركات رئيسها رجب طيب اردوغان وسط القلق التركي من تمدد الأكراد. الأوروبيون ليسوا فاعلين عمليا سوى بوضع عقوبات اقتصادية، يحاصرهم المهاجرون كقنابل موقوتة باتت موضع قلق جدي.

للأميركيين حسابات مختلفة. بالنسبة للإيرانيين لا يمكن الاستهانة بما حصل في شارلستون بعد استيقاظ العنصرية النائمة مجددا وحديث الرئيس الأميركي عن وجودها والفشل في القضاء عليها.

لا يمكن لأي حركة في العالم دينية متطرفة او متسامحة او تمرد او مجموعة حرة او مشاكسة او إرهابية او لديها مطالب محقة او ظالمة او مظلومة او مافيوية …. لا يمكن لأي جماعة ان تبقى ساكنة بظل متغيرات ميدانية متسارعة في الشرق الاوسط. الروس والصينيون أيضاً يعلمون ذلك. لديهم قنابلهم الموقوتة في مجموعات اسلامية نائمة او مشغولة الان بالحرب في سوريا والعراق. لاحقا ستتحرك في القوقاز او جنوب الصين اذا انتصر المشروع في “سوراقيا”.

اذا العالم بات مربوطا ببعضه. ساحاته قابلة للانفجار تدريجيا. انظروا الى تمدد الأزمات. يصح هنا التعبير السوري “حارة كل مين ايدو الو”.

 

 

سيريا ديلي نيوز - النشرة


التعليقات