أطلقت جامعة القلمون فكرة القيام بتحضير لمؤتمر تشارك به الجامعات الخاصة إيماناً منها بدورها المسؤول في أن بناء الوطن وتعزيز الشعور بالانتماء والمواطنة هو من أهم واجبات الهيئة العلمية والتعليمية في الوطن، وأنه لا بد في ظل الواقع الذي تمر به سورية أن تكون الجامعات الخاصة شريكاً حقيقياً ومبادراً في اقتراح الحلول ووضع الرؤى لرسم سورية المستقبل، خاصة في ظل تجاهل وإهمال الجامعات الحكومية والجهات العامة لأي دور يمكن أن تُسهم به الجامعات الخاصة، فضلاً عن التشكيك أحياناً بقدرات الجامعات الخاصة ومساهمتها الوطنية لاعتبارها مؤسسات ربحية؛ من هنا كانت فكرة إقامة المؤتمر بمشاركة الجامعات الخاصة، لكن دون إغفال أهمية وضرورة حضور الجامعات الحكومية والجهات العامة.

وقد هدف المؤتمر إلى تفعيل دور الجامعات الخاصة في بناء المجتمع والارتقاء به، خاصة أن المرحلة التي تمر بها المنطقة العربية عموماً وسورية خصوصاً، أوجد خللاً في الرؤية، وصراعاً في الهوية لدى الكثير من جيل الشباب، هذا الواقع  هو ما شكل الحافز لدى جامعة القلمون مع الجامعات الخاصة لعقد هذا المؤتمر، وذلك بمشاركة ثُلة من الباحثين والمفكرين والمثقفين والخبراء، يسلّطون الضوء على الواقع المأزوم الذي تمر به بلدنا سورية، يحللونه ويقدّمون رؤاهم مشروعات حلول، للنهوض بإنسان هذا الوطن ومؤسساته الفاعلة، بما يؤكد أن لدى الجامعات الخاصة القدرة والكفاءة على المشاركة والإسهام في تعزيز مفهوم الانتماء والبناء في سبيل تنشئة جيل من الشباب، قادر على تحمل أعباء عملية البناء والتنمية في سورية خلال الأزمة وما بعدها، ولديها من الاختصاصات والفروع ما يمكنها من لعب دور مهمّ على جميع الأصعدة.

بناء على ما سبق شكلت جامعة القلمون لجنة تحضيرية لوضع المحاور الرئيسة للمؤتمر، وأرسلت الدعوة إلى جميع الجامعات الخاصة، ولم يكن مفاجئاً تلبية معظم الجامعات الخاصة في سورية لفكرة المؤتمر والعمل على إغنائها، حيث عقد ممثلو الجامعات الخاصة التي أيدت وأبدت رغبتها في عقد هذا المؤتمر عدة اجتماعات تحضيرية، وعنها انبثقت المحاور بصيغتها النهائية، وتم تشكيل اللجان العلمية الخاصة بكل محور من مختلف الجامعات المشاركة، بهدف دراسة الأوراق المقدمة من قبل الباحثين الراغبين بالمشاركة من الجامعات الخاصة؛ وبعد العديد من المناقشات بين الجامعات الخاصة تم التوصل إلى المحاور التالية (المحور الأول- التعليم والمواطنة، المحور الثاني- الاقتصاد والتنمية، المحور الثالث- الهندسة، المحور الرابع- المحور الصحي: الواقع والآفاق).

افتتح المؤتمر برعاية السيد وزير التعليم العالي وحضور أعضاء مجلس التعليم العالي والمدعوين من رؤساء الجامعات الحكومية والخاصة وعمداء الكليات ذات الصلة بمحاور المؤتمر، ولفيف من الباحثين والدكاترة وطلبة الدراسات العليا يومي 12-13 حزيران 2015 في رحاب جامعة القلمون الخاصة في دير عطية.

وبذلك لأول مرة يعقد مؤتمراً للجامعات الخاصة في جامعة خاصة بالتنسيق بين الجامعات الخاصة، والتي طرحت رؤاها ونظرتها في الانتماء والبناء، وبذات الوقت تم التطرق إلى مشاكلها وهمومها المشتركة.

وأيضاً لأول مرة يطرح موضوع العلاقة بين الجامعات الخاصة والوزارة والعلاقة بين الجامعات الخاصة والجامعات الحكومية من منظور وطني وعقلاني، قدمها أ. د. فؤاد شكري كردي (نائب رئيس جامعة القلمون للشؤون العلمية) في المحاضرة الافتتاحية للمؤتمر التي حملت عنوان «دور الجامعات الخاصة: التحديات والفرص»؛ حيث أشار إلى الأدوار المختلفة التي يمكن أن تقوم بها الجامعات الخاصة من حيث دورها التنافسي في رفع المستوى الأداء الاكاديمي والأداء الإداري للجامعات الحكومية وفي تطوير خدمات التعليم العالي، لكن ذلك لا يُغني عن دورها التكميلي في تغطية الاختصاصات غير المتوفرة في الجامعات الحكومية، وأكد على أن دور الجامعات لن يكتمل بدون وجود دراسات عليا، بالإضافة إلى دورها الهام في خدمة الأفراد والمجتمع، وبيّن نقاط القوة التي تتمتع بها الجامعات الخاصة وسلّط الضوء على التحديات التي تواجهها.

وانطلقت في اليوم التالي الفعاليات العلمية وأوراق العمل، ورغم اختلاف المحاور عن بعضها البعض إلا أنه كان يوجد إجماع حول ضرورة إحداث الدراسات العليا في الجامعات الخاصة من أجل تشجيع البحث العلمي الذي هو عماد التطور لأي دولة.

وتطرق المحور الأول (التعليم والمواطنة): إلى دور الجامعات الخاصة في خدمة المجتمع وأن بناء الإنسان سبيل لبناء الأوطان وأهمية الجامعات الخاصة بين البناء والانتماء، والعلاقة بين التعليم والمواطنة.

وفي المحور الثاني (الاقتصاد والتنمية): دور الجامعات الخاصة في تنمية المجتمع في سورية من خلال التعليم والبحث العلمي، وتم بيان دور المعرفة في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة، وقدرة الجامعات الخاصة السورية في تحقيق التنمية الإقليمية، وأهمية التعليم العالي في التنمية الإنسانية، وكيفية تحديد آليات ربط الجامعة بسوق العمل.

أما المحور الثالث الذي يحمل عنوان (الهندسة): تمت مناقشة دور الجامعات الخاصة في الاستجابة لتلبية احتياجات إعادة الإعمار، وتحديد أبعاد عملية إعادة الإعمار بشرياً ومادياً، ودور مجتمع المعلومات في التنمية والبناء، وكيفية بناء جيل متعلم يؤسس لمستقبل مستدام لموارد سورية، ودار حوار حول أولويات إعادة إعمار (المدن والمناطق المتضررة)، وطرح فكرة مدن مستدامة جديدة بديلة عن إعادة الإعمار، وعرضت محاولة مداخلة على المصور التنظيمي لمدينة دمشق العمرانية والمعمارية بعد الأزمة.

وأخيراً المحور الرابع (المحور الصحي-واقع وآفاق): نوقشت بإسهاب الآثار الصحية وأمراض الصحة العامة في الأزمة السورية ودور الجامعات الخاصة في إدارتها، والتحديات الجديدة: فاشية التهاب الكبد A، وتغيرات الوضع الوبائي لداء اللاشمانيات، وأشاروا إلى دور الجامعات الخاصة في التأهيل البدني والنفسي بعد الأزمة، وأهمية الدور المجتمعي الذي تقوم به كليات طب الأسنان في الجامعات الخاصة، وانتهى المحور بمحاضرتين عن واقع الصناعات الدوائية في سورية ودور الجامعات الخاصة في رفد المنظومة البحثية والصناعات الدوائية بالأسس العلمية للتصميم الدوائي.

 واختتم المؤتمر أعماله في الرابعة والنصف مساء السبت 13/6/2015 بتوصيات رؤساء اللجان العلمية وبكلمة من نائب رئيس مجلس أمناء جامعة القلمون د. سليم دعبول الذي أوضح أن مقررات هذا المؤتمر وتوصياته، هي خلاصة العقول السورية المخلصة، المستمرة في حمل أمانة العلم الملقاة على عواتق العلماء بشكل دائم غير مقتصر على حالات الطوارئ والأزمات (وإن كنا أحوج إليه فيها) مؤكداً على أن الجامعات الخاصة شريك حقيقي للجامعات الحكومية في بناء الإنسان والوطن، واقترح ضرورة إشراك الجامعات الخاصة عند رسم استراتيجية التعليم العالي، وبيّن أهمية وضرورة إطلاق خارطة تعليمية لسورية تحقيقاً لأهداف جمة من أهمها: التنمية الإقليمية والمحلية، توافق الاختصاصات مع سوق العمل، العدالة الاجتماعية...).

وانبثق عن المؤتمر مجموعة من النتائج والتوصيات، أهمها:

1-     العمل على تأكيد الدور الوطني للجامعات الخاصة بناء على مساهماتها في بناء الكوادر البشرية، واستثمار رؤوس الأموال المحلية، والحد من مغادرة الطلاب للدراسة خارج القطر، وتقديم خدمات مجتمعية كالتدريب والتأهيل وغيرها.

2-     في ظل تراجع الإنفاق الاستثماري العام على التعليم العالي، تأتي أهمية تشجيع إقامة الجامعات الخاصة بما يسمح في استيعاب القدرات البشرية وتعليمها وتأهيلها وتدريبها.

3-  العمل مع وزارة التعليم العالي على وضع أسس لافتتاح الدراسات العليا في الجامعات الخاصة، لدعم مسيرة البحث العلمي.

4-  إشراك الجامعات الخاصة في وضع الاستراتيجية التعليمية على مستوى القطر.

5-  أن تقوم وزارة التعليم العالي بوضع خارطة تعليمية على مستوى القطر، بما ينسجم مع:

·    التنمية الإقليمية والمحلية.

·    توافق الاختصاصات مع سوق العمل.

·    التخفيف من وطأة مضاربات الجامعات المتقاربة.

·    احترام نطاق نفوذ الجامعة الشمولية الواحدة بدائرة نصف قطرها (50 كم).

6-  السعي إلى إحداث رابطة أو هيئة للجامعات الخاصة السورية من أهم أهدافها:

·    توثيق التعاون بين الجامعات الخاصة السورية وتنسيق جهودها.

·    تحقيق التكامل بين الجامعات الخاصة والمؤسسات والهيئات المالية والخدمية والإنتاجية والصناعية.

·    دعم عمليات تطوير أداء الجامعات الخاصة السورية واستقلالها وتأكيد الحرية البحثية والأكاديمية لأعضاء هيئة التدريس فيها وحماية حقوقهم وتقوية أواصر التعاون بينهم.

7-  أن تعمل الجهات المعنية على تشجيع إقامة الجامعات الخاصة بشكل أفقي بما يسهم في تحقيق التنمية الإقليمية، إذ إن الانتشار الأفقي للجامعات يسهم في الحد من مظاهر الاختلال الحضري والحد من الهجرة الخارجية.

سيريا ديلي نيوز


التعليقات