الهروب سمة حياتهن. يهربن من الفقر مرّة، ومن الحرب مرّة أخرى. حقائب سفرهن حملت، عند وصولهن إلى سوريا، شقاءً من بلاد بعيدة بخلت عليهنّ بفرصة عمل، لكنّها عند العودة، كانت محمّلة بالحزن والخوف من بلاد لم يعرفن فيها طعم الراحة. هذا هو حال معظم العاملات الأجنبيات في سوريا، واللواتي كنّ يعشن بكثرة في غالبية المناطق، إمّا بسبب الحاجة الفعليّة إلى خدماتهن، أو بفعل حبّ المظاهر.

غير أنّ الحال تغيّر اليوم، جرّاء الحرب التي هدمت بوّابة رزقهم، حيث أغلقت معظم مكاتب استقدام العاملات أبوابها، في ظل تدهور الحالة الاقتصادية. فبعدما كانت تكلفة استقدام العاملة، عام 2010 تبلغ 100ألف ليرة (ألفي دولار بحسب سعر الصرف في حينها)، وصلت اليوم إلى قرابة 8 آلاف دولار (قرابة مليوني ليرة بحسب سعر اليوم). هذه الأرقام تؤكدها نسرين عطيّة، التي وعت منذ طفولتها، على وجود عاملة إندونيسية في منزل ذويها. عطية قالت لـ«الأخبار»: «عندما كانت تنتهي مدّة عقد الاستقدام، وحدّه الزمني الأقصى 3 سنوات، كنّا نخالف الموعد، ونمدّد عاماً تلو الآخر، مع دفع غرامة مالية قدرها 100 ألف ليرة سورية، طبعاً بالاتفاق مع العاملة، التي تحصل على 150 ألف ليرة سنوياً. وكنا مستعدين لدفع أي مبلغ مقابل وجود عاملة في المنزل على نحو دائم، وعندما تضطر إحداهن للعودة إلى بلادها، نسارع لاستقدام أخرى فوراً. أما الآن، فالسفارة الإندونيسية امتنعت عن إرسالهن، خوفاً من الأوضاع الأمنية، ما اضطرنا للاستعانة بعاملة سوريّة».


نسرين التي تسكن مع والدتها في حي البرامكة، وسط دمشق، اتفقت، بواسطة مكتب عقاري، مع سيّدة مقيمة في أحد مراكز الإيواء، على تدبير شؤون المنزل لثلاث مرات أسبوعياً، لقاء ألفي ليرة عن كلّ يوم. وهي الطريقة ذاتها التي اتبعتها مها حمّودة، أم لأربعة أطفال، بعدما غادرتهم العاملة الفيليبنية عائدة إلى بلادها فور انتهاء عقدها. وتقول حمودة: «رحيلها ترك فراغاً كبيراً في المنزل، ولدى الأولاد. لم تكن ترغب الرحيل، لكنها غادرت تحت إلحاح أهلها، الذين خافوا عليها من الحرب الدائرة على أرضنا».

بدائل جديدة

اليوم، لا يتجاوز الخمسة عدد مكاتب استقدام العاملات الأجنبيات، المستمرة في العمل، في دمشق. وبحسب نزار مرعي، صاحب أحد تلك المكاتب، فإنّه من بين 60 مكتباً مرخّصاً، من قبل وزارة العمل، في جميع المحافظات السورية، لم يبق أكثر من 10 مكاتب مستمرة بالعمل، نصفها موجود في دمشق. ويضيف مرعي: «الأوضاع الحالية كسرت قواعد الربح في هذه المهنة.
تكلفة استقدام عاملة أجنبية تصل اليوم إلى نحو 8 آلاف دولار

كنا سابقاً نستقدم 100 عاملة في الشهر، أما اليوم فهذا الرقم لا نصل إليه سنوياً. وهو ما دفع أغلب المكاتب لإغلاق أبوابها، وانتقال أصحابها إلى مهن أخرى». ويرجع، مرعي، السبب الأساسي في ذلك إلى «قلة العرض أولاً. حيث أوقفت الكثير من الدول مثل هذه التعاملات مع المكاتب السورية، ما دفعنا للانتقال إلى بلدان أخرى، مثل بنغلادش ونيبال، والتي تعتبر عاملاتها أقل خبرة، وغير مرغوبة من قبل بعض العائلات، بسبب اختلاف الديانات وصعوبة التعامل. وثانياً قلّة الطلب بعد ارتفاع التكلفة، نتيجة ضعف سعر صرف الليرة السورية بالنسبة للدولار، وزيادة أجور الطيران، والأسعار المحدّدة من قبل الدول المرسلة للعاملات».


تأقلمت أميمة عساف مع وضع المنزل الجديد، بعدما رفضت العاملة الإندونيسية تجديد عقدها، الذي انتهى قبل عامين، مفضّلة العودة إلى بلدها. وعن ذلك تقول عسّاف: «أحاول تدبير أمور المنزل وحدي، وخاصة أن أولادي كبروا. وقد فكّرت بإحضار عاملة سورية في بداية الأمر، لكنني تراجعت عن الفكرة نهائياً، فالموضوع غير مجدٍ على المدى الطويل. أستعين في بعض الأوقات بشركات التنظيف فقط». بينما لم تتمكن إيمان عثمان من الاستغناء عن العاملة الأجنبية، المقيمة مع والدتها، برغم وصول تكلفة استقدامها إلى نحو 8 آلاف دولار، فيما استعانت هي بعاملة سورية، مهجّرة، في منزلها، وبدوام يومي من الساعة 8 حتى 3 ظهراً، لقاء 25 ألف ليرة شهرياً.

مصدر، في وزارة العمل السورية، أشار إلى أنه، قبل عام ونصف عام، «أقرّ مجلس الشعب مشروع القانون، الناظم لأسس وشروط ترخيص وعمل المكاتب، الخاصّة بتشغيل العمّال المنزليين السوريين، وأصبح قانوناً، إلا أنه، حتى اليوم، لم يحصل أيّ مكتب على ترخيص، وفقاً لذلك القانون».

سيريا ديلي نيوز - الأخبار اللبنانية


التعليقات