سيرياديلي نيوز - خاص - سليمان أمين

 ترتبط الحضارة الأرمينية بتاريخ الشرق القديم منذ عصور ما قبل التاريخ، وما يميز أرمينيا عبر تاريخ الشرق –وعلى اختلاف تسمياتها عبر العصور- هو حضورها المتميز وبدون انقطاع في كل المراحل التي شهدت ولادات الشرق القديم ومخاضاته، وهذا الحضور التاريخي لأرمينيا إنما يدفع إلى مزيد من العمل من أجل إحياء ماضيها وكتابة تاريخ موحد لها، يضم إليه شتات الجغرافيا قبل معطيات التاريخ. ومن خلال دراسة انهار أرمينيا -من منابعها إلى مصباتها مروراً بمجاريها- واستناداً إلى الدراسات التي قام بها الدكتور ابراهيم خلايلي –المختص بتاريخ الشرق القديم- ومنها (بحث بعنوان قوة الامبراطورية الآشورية/دراسة خاصة بالإنجاز الحضاري الآشوري ونظرة بعض المدارس الغربية إليه- نماذج دراسية من آشور وسوريا وأرمينيا القديمة.. منشور في مجلة فكر العدد 113، تشرين الثاني-كانون الأول2010) وبحث بعنوان التاريخ القديم لأرمينيا، جزءان في الملحق العربي لمجلة Aztag Arabic الأرمنية، كانون الثاني 2010) يمكن أن نلاحظ ملاحظة هامة جداً، وهي أن تلك الأنهار تعتبر بمثابة الشرايين الممتدة من قلب أرمينيا إلى أهم مناطق الشرق القديم النابضة بالحضارة، فتلك الأنهار –وبإشراف من جبال آرارات العالية- تصل إلى جهات أربع متباعدة هي بحر قزوين والبحر الأسود والخليج العربي والبحر المتوسط، ولعل أهم حضارات الشرق القديم قد ازدهر على ضفاف الفرات ودجلة وسيحون وجيحون، وبالتالي فنحن في هذا الصدد لا نتحدث عن طرق تجارة أو مواصلات أو محطات "ترانزيت" بين أرمينيا القديمة ومناطق الشرق القديم، وإنما عن اتصال حضاري طبيعي أمّنته أولاً- الجغرافيا الأرمنية في المنطقة، ثم العناصر الحضارية المشتركة بين الشعب الأرمني القديم وسائر شعوب منطقة الشرق. والعناصر الحضارية المشتركة بين أرمينيا وسوريا القديمة، إنما موغلةٌ في القدم، وتعود إلى العصر الحجري بمراحله الثلاث.، ومع الأسف فجل المؤلفات الخاصة بتاريخ أرمينيا –العربية منها والأجنبية وخاصة المراجع الأكاديمية- جل هذه المؤلفات لا يقدم أرمينيا للدارس أو القارئ كوحدة تاريخية وأثرية ولا حتى جغرافيّة...هناك تقطيع لأوصال الوحدة التاريخية الجغرافية لأرمينيا، وهذا التقطيع نلمسه من خلال المراجع الأكاديمية أولاً...فلا نجد إشارات موحدة إلى المكونات الحضارية (التاريخية والجغرافية والأثرية) لأرمينيا، والمعطيات الآتية من مجمع الجغرافيا التاريخية الأرمنية –إن صح التعبير- تُذكر متفرقة وملصقة بأجزاء هذا المجمع كلاً على حدة، فنرى معطيات تنتمي إلى جبال طوروس دون الربط مع الأرض الأم، وكذلك الأمر معطيات مناطق بحيرة فان وسيفان وجبال زاغروس وأرتين ومجاري الفرات ودجلة وهاليس، وهضبة الأناضول وشواطئ بحر قزوين...كل هذه المناطق المنتمية إلى الأرض الأرمنية، تُذكر ضمن الشواهد الأثرية على أنها مناطق جغرافية غير معرّفة على المستوى الوطني المحلي...وهذا يقدم أرمينيا على صورة نموذج مصغر لشرق قديم يعاني نفس المعاناة المتمثلة في محاولات تقطيع الأوصال الجغرافية التاريخية والانفراد بمعطيات الأجزاء لتصويرها وكأنها طفرات إنسانية زمنية لا أساس لها ضمن تطور الفكر الجماعي الموحد والمترابط تاريخياً في الشرق القديم...وبالمقابل فإن محاولات التقطيع هذه تُرسم لها مخططات لإعادة التركيب التاريخي للمنطقة تتضمن التركيز على الناحية الكرونولوجية الجغرافية المجزّأة، والعبث بهوية المعطيات الأثرية ومضامينها... ووصولاً إلى التاريخ الحديث، فإن ما يميّز أرمينيا هو أنها بقيت مع الأرمن حين اتجه بعضهم من بلده إلى بلاده، العراق وسوريا ولبنان وفلسطين… لقد وحّد هذه البلاد ملكٌ أرمني في عصر من العصور… والأرمن أتقنوا الحياة وأَلِفوها في هذه البلاد عبر العصور. إن طمس الهوية الأرمنية في المناطق الأرمنية التاريخية إنما يشكل معاناة لكل الأبناء المنتمين إلى الشرق القديم، واستهداف الهوية الأرمنية جزء من حرب مفتوحة على الهوية الحضارية الموحدة في المنطقة… هناك من يسعى في هذا العالم إلى عدم الإبقاء على منطقتنا كما كانت… يريدون بعثرة أوراق التاريخ ليتصرفوا في الأرض كما تشاء السياسة والمصالح والأطماع، ومن يفعل ذلك قرأ تاريخنا جيداً ويريد أن يضع له الفصل الأخير، ومهمتنا نحن هي أن نستمر، وألا نعطيه فرصة وضع الفصل الأخير. وما ارتكبه الأتراك العثمانيون قبل قرن من مذابح وجرائم إبادة بحق أشقائنا الأرمن، وما يرتكبونه الآن خلال المؤامرة على سورية ومكوناتها الحضارية، إنما يؤكد همجية العقلية التركية العثمانية المنسجمة مع الصهيونية العالمية التي تريد محو شواهد التاريخ الموحد لمنطقتنا وقتل وتهجير أبناء هذا التاريخ وأصحاب الحق بالمستقبل.

سيرياديلي نيوز - خاص - سليمان أمين


التعليقات