تابعت صحيفة "السفير" اللبنانية في افتتاحية رئيس تحريرها "طلال سلمان" في تشريح "الألم السوري" معتبرة أن دمشق خسرت بعام ما راكمته على مدار عقود وحذرت "السفير من "لبننة" الوضع السوري بحيث تختفي الدولة ويبقى النظام، مشددة على وجوب الانتباه من غرق الحل السوري في لجة التدويل.. وقالت "السفير":
خسرت سوريا خلال عام واحد ما كان قد اجتمع لها وفيها خلال عقود من الزمن: دورها السياسي الحيوي في منطقتها الذي منحها بعض صفات المرجعية، واستقرارها الأمني الوطيد في محيط شديد الاضطراب، بعدما اهتزت ركائز وحدتها الوطنية واخترقتها السهام المسمومة «للبننة»... أي ذهاب الدولة وبقاء النظام، واندثار الشعب وتصاعد المد الطوائفي.
وإنها لمأساة أن يصير الماضي أفضل من الحاضر، وأن يتبدى المستقبل قاتماً، حتى لو انتهت الصدامات المسلحة بين الجيش الذي كان يقدم باعتباره عدة التحرير ومعقد الآمال في مواجهة العدو وبين بعض شعبه وإن اتخذت صيغة أشتات المعارضة، خصوصاً أن استخدام القمع قد تسبب في تعاظم حركة الاعتراض حتى قاربت حدود الحرب الأهلية.
طبيعي والحالة هذه أن يحمّل الناس النظام المسؤولية بمعناها الوطني الشامل، كائنة ما كانت مواقفهم من المعارضات متعددة الرؤوس والميول والارتباكات التي لا يمكن مسح الشبهات عنها، خصوصاً أن بعض قيادات هذه المعارضات لا يخفي «تبعيته» لدول وجهات لم يعرف عنها حب سوريا خاصة ولا إيمانها بحق الشعوب العربية في الحرية والعدل والتقدم نحو غدها الأفضل، عموماً.
ومهما تكاثر عدد «المشبوهين» من قادة الدول العربية والأجنبية، لا سيما المجاورة مثل تركيا، وتأكدت أدوارهم في تحريض المعارضات بل وفي تسليحها وتمويلها ومحاولة فرضها كطرف في مواجهة النظام السوري تظل مسؤولية النظام أساسية عن تفاقم المخاطر على وحدة الشعب ودولته هي الأصل وهي الأساس... خصوصاً أن قادة الدول المعنية، وبالتحديد السعودية وقطر وتركيا لا يخفون التزامهم بقتال النظام حتى آخر معارض سوري، حتى مع وعيهم أن هذه المغامرة الحمقاء والتي تنم عن أحقاد دفينة قد تهدد الكيان السياسي والوحدة الوطنية للشعب السوري.. بل لعلهم يقاتلون في سوريا متوهمين أن ذلك يبعد النار عنهم في حين أنه يسرّع وصولها إليهم.
ولقد تأكد، بالدليل الحسي، أن تورط النظام في قتال من يرى فيهم «عصابات مسلحة» قد أدى به إلى إلحاق الأذى الجسيم بصورة الدولة ومكانتها، مهدداً ركائز الوحدة الوطنية التي كانت تبدو عصية على محاولات ضربها بالأسلحة المسمومة للطائفية والمذهبية.. والعنصرية.
لقد كابر النظام طويلاً جداً، وأكثر مما يجوز، قبل اعترافه بخطورة الأزمة التي واجهته، وتأخر أكثر مما يحتمل الوضع الذي قارب التفجّر بامتداد مساحة البلاد، قبل أن يباشر عملية إصلاح مجتزأ لا تستعيد جمهوراً أغرقه انتظار «الحسم» في لجة من اليأس، أو دفعه إلى الخروج من البلاد إلى أي مكان طلباً للنجاة بنفسه وعائلته واستنقاذ مستقبله في أي مكان «يبيعه» الأمن والسلامة.
إن سلامة سوريا مهددة. إن وحدة سوريا الدولة مهددة. إن الوحدة الوطنية في سوريا مهددة. ولن ينفع النظام أن يتهم المعارضات بالتسبب في تهديد ركائز وجود الدولة ووحدة الشعب. فالنظام هو المسؤول أولاً وأخيراً.
إن استنقاذ سوريا هو المهمة الوطنية والقومية التي لا يجوز أن يتقدم عليها أي مطلب.
وماذا تنفع القوة العسكرية النظام إذا ما ضربت وحدة الوطن والدولة؟!
إن سوريا توشك أن تغرق في لجة التـدويل الذي لا يحفظ أوطاناً ولا يؤمن وحدة الشعب، ولا يحمي الدولة المعطوب داخلها.
إن حماية وحدة الشعب ودولته ليست تنازلات من النظام، بل هي أولى واجباته البديهية... فالشعب هو السيد، ووحدة الشعب هي القضية المركزية، وحماية الدولة هي المهمة المقدسة وليس حماية النظام، إذا ما فرضت مثل هذه المعادلة البائسة.
لن يهبط الحل السحري للأزمة بالمظلة، ولن يتم استيراده من الخارج.
المسؤولية هي أولاً وأخيراً مسؤولية النظام، وكلما تأخر عن تحملها والتصدي لإنجازها كان يعرّض الوطن بشعبه ودولته لمخاطر غير محدودة.
... والمخاطر هذه سوف تتجاوز سوريا إلى محيطها جميعاً، من لبنان إلى الأردن إلى العراق وما خلفه (وربما ترى تركيا نفسها في الدائرة ذاتها)، بل هي سوف تمتد إلى أعماق الجزيرة والخليج، ولسوف تتسبّب في انتكاسة حركة التغيير المرتجى في مصر وتونس وسائر الأرض العربية التي تتفجر بالانتفاضات الشعبية بعد موات طويل.
والكلمة بعد للرئيس بشار الأسد، لكن المخاطر تلتهم الوقت، والحريق يتمدّد ويهدّد الجهات جميعاً... فهل يبادر بخطوة شجاعة قبل فوات الأوان على الإنقاذ؟!
السفير
سيريا ديلي نيوز
2012-04-11 11:00:33
نور سلمان