سيريا ديلي نيوز- ألمانيا - فادي رجب
ثقافة العنف بأشكاله اللفظي والجسدي وغياب التربية والأخلاق هي ثقافة متجذرة في مجتمعنا منذ عقود ..
منذ ما يقارب خمسة أعوام، ظهر مقطع فيديو لمعلمتين تقومان بتعنيف تلامذتهما في مرحلة التعليم الأساسي وتضربهما ضرباً مبرحاً في إحدى مدارس “السفيرة” ريف حلب، يومها كتبتُ مقالاً نُشر في صحيفة الكترونية بتاريخ 22.09.2010 بعنوان "قضية رأي عام ..مَن المسؤول ؟؟".
حينها أجريت اتصالا مع منظمة اليونيسيف للتواصل مع الحكومة السورية من أجل التعرف على هاتين المعلمتين واتخاذ الاجراءات اللازمة وعلمتُ بعدها بأنه تم التعرف عليهما ومعاقبتهمها لكن بالحد الأدنى من العقوبات ..
منذ بضعة أيام انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو لقمامات بهيئة طلاب في مرحلة التعليم الثانوي في دمشق يقومون بالهجوم على معلمهم والتعدي عليه بالضرب، وكان يرافق هذا المشهد القبيح ضحكات الاستهزاء وبعض الكلمات السئية من بعض هذه القمامات البشرية داخل القاعة ..
من المفترض أن هناك حكومة قائمة في سورية، وأن سورية "دولة مؤسسات" وأن هناك وزارة تدعى "وزارة التربية" على رأسها وزير مسؤول عن كل ما يحدث في المدارس والمؤسسات التابعة لهذه الوزارة،
وأنه يوجد ما يعرف بــ "نقابة المعلمين" التي من مهامها الدفاع عن حقوق المعلمين .. مضى على نشر الفيديو ما يقارب اسبوعين أو أكثر، لم يتم التعامل مع هذه القضية من قبل الجهات المسؤولة، ولم يُسمع بإجراءات رادعة اتّخذت بحق هؤلاء الطلاب ..
ناهيكَ عن أن هذا العمل “الضرب” ارتكب في مؤسسة تربوية وتعليمية، وبحق من يحمل مهنة من أسمى المهن، فهكذا عمل في الدول المتحضرة يستدعي من المعتدي "بالضرب" إحالته إلى القضاء، وتنفيذ القانون بحقه، وتغريمه مبلغ كبير من المال أو حتى حبسه، وفي الشأن السوري فقد ورد في البند 1 من المادة 371 من قانون العقوبات السوري: مَن ضرب موظفاً أو عامله بالعنف والشدّة أثناء ممارسته الوظيفة أو في معرض ممارسته إياها يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين. (لكن هيهات من تطبيق القانون). ربطاً لما سبق بالحرب الدموية الدائرة اليوم على سورية، وما تخللها من انتهاكات بحق الإنسانية، وما شاهدناه ولانزال نشاهده من أفعال بعيدة كل البعد عن التربية والأخلاق السليمة والصحيحة، نجد أن أحد أهم أسباب ما وصلت إليه الحال في سورية، والحالة الاجتماعية والاقتصادية المزرية التي عصفت وتعصف بمجتمعنا، هي غياب التربية المنزلية أولاً والأخلاق العامة ثانياً عن شريحة كبيرة وواسعة في المجتمع، وغياب تطبيق القانون والمحاسبة قبل أولاً وثانياً ..
وأن تراكم هذا الفساد الأخلاقي والتربوي وتراكم الفساد الإداري والقضائي عبر عقود من الزمن أدى بالنتيجة المنطقية لبروز وظهور ما كان خافياً بعض الشيء في زمن السلم إلى الواقع. ففي لحظة تاريخية سادت فيها الفوضى في المجتمع، واستمر بالسُبات ما كان نائماً أو منوّماً من القضاء، صحى السوريون على مشاهدة ما لم يكونوا يشاهدونه أو يشاهدون جلّه قبل الحرب، فظائع وجرائم وانتهاكات بحق البشر والحجر، وبدأ البعض من السوريين يتساءل: أين كانت هذه القمامات البشرية قبل الحرب؟ هل بالفعل كان يعيش بيننا شخصيات بهذا الحجم من الإجرام واللصوصية وإنعدام الأخلاق والتربية؟ هل كانوا يعيشون بيننا ويأكلون معنا ويسيرون جانبنا؟ وأسئلة أخرى مرتبطة بهذا الواقع من الإنحلال والتفكك الأخلاقي والتربوي. أضف إلى ما سبق أن ظهور ما يعرف بـ “تجار الأزمات” أو “تجار الحروب” المرتبطين بشكل أو بآخر ببعض المسؤولين الفاسدين في الدولة الذين ينعمون بغياب الرقابة والمحاسبة والذين أصبحوا من أصحاب الملايين والمليارات على حساب سرقة أموال الشعب وقوته، هو جزء هام في إطار الحديث عن غياب التربية وانعدام الأخلاق، وسيادة الجشع والطمع والنهب والسرقة للمال العام والخاص. بالعودة إلى جوهر الموضوع، فإن وجود مظاهر إجتماعية كطلاب يضربون معلميهم، وأطفال تقطع الرؤوس، وتقتل، وتذبح، وتشاهد مظاهر القتل والذبح، وأطفال تتحدث بالطائفية وتسب وتشتم وتتلفظ بألفاظ منحطّة، وشبان يسرقون بحجة أنهم يحمون الوطن، وآخرون يفجرون ويدمرون بحجة أنهم “ثوار” من أجل “الحرية” ومظاهر وأوبئة إجتماعية أخرى مشابهة، ما هي إلا تعبير حقيقي عن أزمة أجيال خطيرة ليست وليدة اليوم، وستستمر لتظهر نتائجها في المستقبل القريب والبعيد. بات لدينا جيل بل أجيال مشبعة بالكره والحقد والطائفية والإجرام والإرهاب والتعصب الأعمى، جيل عديم التربية والأخلاق، جيل منقسم بين إرهابي ولا مبالي، شريحة واسعة من الأطفال والشباب الحاقد على الواقع المنهك من مآسِ الحرب، ومن الحرمان، ومشاهدة الدماء، أجيال ضاعت أحلامها وضاع مستقبلها، وبات الوطن عندها ليس سوى عنوان للفوضى والفساد والإجرام وسقوط الأحلام. وكل هذا لا يتيح لنا أن نغفل دور شريحة كبيرة من الشباب المسؤول والواعي المحب لوطنه والذي يعمل متطوعاً في محاولة ترميم ما قد دمر من بنى تحتية ومن تضميد جراح المفجوعين من هذه الحرب، والذين اختاروا البقاء في الوطن وتقديم كل ما يستطيعون تقديمه (لكن هذا ليس محور موضوعنا). بناء على كل ما سبق، وربطاً، حيث يجري الحديث كثيراً في وسائل الإعلام وعلى لسان بعض المسؤولين عن ما يسمونه “إعادة البناء” والذي يقصد منه إعادة بناء ما قد دمرته الحرب من مساجد وكنائس وآثار طرقات وجسور وغيرها، في غياب تام للحديث عن إعادة بناء الإنسان وإعادة تأهيل الأطفال والشباب من خلال برامج ومشاريع عمل ومؤسسات تعنى بالشؤون النفسية والاجتماعية وعلى مستويات أكاديمية عالية، والتي من شأنها ضمان مستقبل أفضل لوطن مدمر ونفوس حطمتها حرب من أقذر حروب التاريخ. إن إعادة بناء الحجر، وإهمال إعادة تأهيل البشر سوف يؤدي بالنتيجة الحتمية إلى إعادة تدمير ما سوف يبنى لاحقاً، كما حدث خلال مجريات هذه الحرب. فمن باع شرفه هو الإنسان، ومن خان هو الإنسان، ومَن يقتل ويذبح ويسرق ويرتشي هو الإنسان، ومَن عانى ويعاني ومن تبخرت أحلامه وحسب أن مستقبله قد ضاع أو قد ضاع فعلاً هو الإنسان أيضاً .. فلنتجه في المرحلة الحالية والقادمة إلى الإنسان، لأنه هو من سيعيد البناء وهو الذي سوف يحصّن وطنه المدمر لكن بعد أن يتم تحصينه تربوياً وأخلاقياً ونفسياً وإجتماعياً.
سيريا ديلي نيوز
2015-04-09 13:21:11