سيريا ديلي نيوز - الدكتور المهندس محمدغسان طيارة
لا يوجد تعريف محدد دولي لمفهوم الفساد, ويمكن توليف تعريف له بأن المقصود بالفساد هو الخروج على القوانين الوضعية وعلى العلاقات الاجتماعية والأسرية وعلى الأعراف والتقاليد المتوافق عليها في كل مجتمع. وفي بعض المجتمعات يمكن إضافة الخروج على التعاليم الدينية ضمن مفهوم الفساد. وما يمكن اعتباره فساداً في مجتمع ما, لا يمكن اعتباره فساداً في مجتمع آخر, ولا يرتبط تفشي الفساد بمدى تقدم الدولة وحضارتها ولكن يمكن التأكيد على اعتبار التخلف الحضاري سبباً رئيسياً مساعداً على تفشي الفساد. ولتوضيح هذه الأفكار يمكن إيراد ما يلي: ففي دولة مثل الدنمرك يُعتبر اجتياز الشارع والإشارة الضوئية حمراء شكل من أشكال الفساد بينما ممارسة الجنس في أي مكان يدخل في مفهوم الحرية الشخصية. وينظر المجتمع إلى من يخالف قانون السير بأنه فاسداً ويجب محاسبته. بينما خلافاً للديانة المسيحية فإن وجود أندية للعراة يدخل ضمن الحرية الشخصية. وينطبق ذلك على الزواج المثلي. وعلى الرغم من عراقة الثقافة في بريطانيا وفرنسا لديهما لا يهتم المواطنون بخرق قانون السير إذا لم يلحظه شرطي السير. وكان المواطن في برلين الشرقية يعْتبر مخالفة إشارة تحديد السرعة جريمة يجب أن يُعاقَب عليها مرتكبها حتى ولو كان ذلك في وقت نادراً ما تمر فيه أي وسيلة نقل, بينما في برلين الغربية يضرب شخص رجل يمر مع زوجته بجنزير حديدي فتصرخ زوجته طالبة نجدته فلا يتحرك أي شخص من المارة فيهرب المعتدي وينزف المصاب دماً من دون أن يتقدم أي شرطي لنجدته ولم تصل سيارة الإسعاف إلا بعد نصف ساعة. وما يميز المجتمعات فيما بينها أن مجتمع ينظر إلى الفاسد كأنه جرثومة في مجتمعه بينما في مجتمع آخر لا يبالٍِ بالفاسد وقد يتعامل معه في كثيرٍ من الاحترام وفي مجتمعٍ ثالث يمكن أن تسميته رجل أعمال أو شاطر (على أقل تقدير) وحلال على الشاطر. وينحصر الفساد في منطقتنا العربية في قبول الرشاوى في أي عملٍ حكومي وفي تسهيل معاملة صغيرة إلى تمرير عقد غير ملائم لقاء عمولة كبيرة وقبول بضائع غير مطابقة للمواصفات والتهرب الضريبي لقاء منفعة مادية وإلى تهريب بضائع سواء أكانت بمواصفات متدنية أو جيدة, ويبقى الفاسد محترماً حتى يقع في المصيدة. يُعْتبر الاحتكار في بعض الدول المتقدمة جريمة كبرى تعادل أو تزيد على التهرب الضريب بينما في بلادنا نادراً ما تصطاد حكومة محتكراً وإذا وجدت فريستها فيكون من صغار التجار وليس من بين أسياده من المحتكرين. وفي الدول المتقدمة يعْتبر التهرب الضريبي من الجرائم الكبرى التي تُعرِّض مرتكبيها لأشد العقوبات وينطبق ذلك على تهريب البضائع عبر الحدود كما يخضع مرتكب تبييض الأموال إلى عقوبات شديدة وهي من الجرائم الكبرى. ومع كل هذا التشدد نجد انتشار المافيات المتخصصة بكل أشكال التهريب وخاصة تهريب المخدرات. ففي بلادنا يقبل المسؤول قبض عمولة كبيرة أو صغيرة لقاء تمرير عمل غير قانوني كشراء تجهيزات ليست الأفضل اقتصادياً من شركات ليست مؤهلة, ومع العادة يتحول القبول إلى طلب العمولة والحبل على الجرار. على الرغم من الحضارة والتقدم في تلك المجتمعات فالأخلاق وصلت فيها إلى الدرك الأسفل لدرجة اعتبار سرقة الأولاد وتبنيهم أفضل من الولادة. ويبقى فساد بلادهم مختلف عن فساد بلادنا المتخلفة, فما زال عندنا بعض الأخلاق التي تعْصمنا من الوصول إلى أسفل سافلين. فلو وصلنا إلى حالة ازدراء الفاسدين, كما في بعض الدول المتقدمة, سنتمكن من القضاء على كل مسببات الفساد. أي أن محاربة الفساد ليست مسؤولية الحكومة فقط وإنما هي مسؤولية مشتركة بين الحكومة والمواطنين. حاولت سورية في مراتٍ عديدة الوقوف في وجه الفساد ولكن فشِلت كل تلك المحاولات, ولنتذكر تشْكيل لجنة الكسب غير المشروع التي أدخلت عدداً من الراشين من رجال الأعمال والمرتشين من كبار الموظفين إلى السجن ولم تتمكن من إثبات جرائمهم فعادوا كرجال أعمال بارزين وهرب بعض المرتشين مع أموالهم إلى خارج الوطن. وبهذه المناسبة لم تُوقف لجنة الكسب غير المشروع أي وزير فقد اكتفت بتوقيف عدد من المدراء العامين ومعاونيهم. شاع في ذلك الوقت بأن أحد الموقوفين قال للجنة معترضاً: كيف وصلتم لتوقيفي فلو بدأتم من أعلى السلم لما حان وقت توقيفي ولو بدأتم من أسفل السلم ايضاً لما وصلني الدور؟. وبنظرة سريعة نقول بان إجراءات اللجنة باءت بالفشل واستمر الفساد ينخر في جسم مؤسساتنا. لقد أقرت الحكومة الحالية بتاريخ 27 تشرين الثاني من عام 2012 مشروع قانون الكسب غير المشروع وقانون إحداث هيئة مستقلة تسمى هيئة مكافحة الفساد ومشروع قانون إحداث إدارة تسمى إدارة الرقابة والتفتيش. ومنذ عدة أيام رفعت الحكومة سعر البنزين بحجة تهريب المادة إلى خارج سورية. اليس في ذلك فضيحة يجب التوقف عندها فالبلاد تمر بأزمة اقتصادية وأزمة أمنية وتكالب 130 دولة ضدنا والتهريب على أبو جنب والأسعار تلتهب, وبعدين لا وين رايحيبن؟!. يُعْتبر الاحتكار من اكبر جرائم المجتمع المتقدم ونحن نعيشه وهو معشش لدى الكثيرين من التجار. المواطن يستمع ويقرأ ويُفكِّر ويتخذ قرارات ذاتية قد لا ترْضى عنها الحكومة. وأول مكافحة للفساد تكون بالتعاضد بين الحكومة والمواطن, حتى لا ينضم هذا المواطن إلى حزب يصطفلوا أو فخار يكسر بعضه البعض. قلت في المقدمة إن نظرة المجتمع هي وسيلة هامة في مكافحة الفساد وكنت أدخلت تحت مفهوم الفساد مخالفة العلاقات الاجتماعية والأُسرية, ولهذا للمجتمع والأسرة الدور الأكبر في مكافحة الفساد. ولذلك يجب الإصرار على إعطاء دور للمجتمع في مكافحة الفساد. وهذا يحتاج إلى تربية أجيال جديدة, فالقوانين التي لا يحميها المواطن غير قادرة على العيش مهما كان المجتمع متقدماً أو كان متخلفاً ولهذا يجب أن تكون القوانين معبرة عن نوازع الخير لدى كل مواطن كي تمنع ظهور نوازع الشرور لديه والتي يغذيها الكم الهائل من وسائل الإعلام المغرضة والتي تزرع الفتنة بين أعضاء المواطنين الصابرين. والسؤال الأهم الذي يحتاج إلى إجابة واضحة ألا وهو: هل الفساد من أسباب الأزمة؟ للإجابة على هذا السؤال يجب أن ندرس الفساد في كل الدول العربية من المغرب إلى المشْرق, فسورية ليست في زيل قائمة تصنيف الفساد في الوطن العربي, فكلنا في الهوى سوى, ولكن الأزمة لدينا مستمرة. تابعت أساليب بيع النفط الخام في دول الخليج لفترة زمنية تقارب الأشهر الستة ووجدت التالي: تقوم الأسرة الحاكمة بتوزيع منتجاتها النفطية على أعضائها حيث يحق لكل أمير بيْع كمية آلاف البراميل يومياً لفترة تتراوح ما بين ثلاثة سنوات وخمسة سنوات ويتضمن السعر نسبة محددة تُسمى حصة الأمير يتنعم بها طيلة تلك السنوات,. أي أن الثروات الطبيعية ملك للأسرة الحاكمة قانوناً وفي العلن ولا يُعْتبر ذلك فساد الأسرة الحاكمة. ولا يُكْتب عن أي أزمة أمنية فيها ولا يتكالب عليها هذا الكم من الدول المتكالبة على سورية, مما يؤكد بأن الهجمة الشرسة على سورية مرتبطة بالموقف السياسي وليس بالفساد مع عدم نكران بأن الفساد بيئة حاضنة للأزمة ولهذا لا يجوز إهماله في خارج الأزمة والزيادة في مكافحته خلال الأزمة الأمنية التي تعْصف بالبلاد. نلاحظ أن مفهوم الفساد مختلف بين المجتمعات وهو يشكل بيئة حاضنة لنفسه ولتوسيع شبكاته, فالفاسد يشكِّل حاضنة طبيعية لبيع الوطن والاتجار فيه. وهنا يجب تنصيف الفاسدين وفق ما يلي: فمنهم من حمل السلاح عن قصد أو مُغَرر به طعماً للمال أو لغريزة انتقامية أو إجرامية, وهناك من سحب أمواله وهرب بها, وهناك من هرب على الرغم أنه كان من بين المسؤولين أو المقربين المدللين وعليهم أُلْقيت مسؤولية مكافحة الفساد, وهناك من هرب من تحمل المسؤولية معتبراً نفسه بطلاً ويمنِّي نفسه بالعودة منتصراً بعد أن يكون الوطن قد تمَّ تدميره. وعلينا أن نعْتبر هروب مسؤول من موقعه هو الفساد بعينه, وعلينا إدخال اختيار هذا الفاسد إلى موقع المسؤولية نوع خبيث من الفساد ويجب معاقبة كل من له علاقة بترشيحه لموقع المسؤولية, ومن دون محاسبة المرشِّح يتشجِّع على زياد الخطأ في إدارة الدولة. السؤال المهم: هل لعِب الفساد دوراً في استمرارية الأزمة؟ والجواب: إذا كان الفساد ليس من الأسباب المباشرة للأزمة ولكن من اسباب تأمين بيئة حاضنة لها, فالفاسد لا يساند الدولة في مكافحة الإرهاب وهو أقرب إلى حماية بعض الإرهابيين من التبليغ عنهم. والخطر الذي يجب التأكيد عليه إذا كانت الحكومة لا تعرف رموز الفساد ولا تستطيع تأمين الحماية للمواطنين للدلالة عليهم مما يولد فساد جديد يتمثل في الخوف من الفاسدين. وأخيراً سألت نفسي فيما إذا كنت أعرف من هم رموز الفساد والجواب: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده, فإن لم يستطع فبلسانه, وإن لم يستطع فبقلبه وهذا أضعف الإيمان. وأنا وغيري مع أضعف الإيمان. وفي الخلاصة بنتيجة الأزمة تبدلت مفاهيم الفاسدين فلم يعد حيتان المال هم في مقدمة الفاسدين وتناسينا التهرب الضريبي بل تحول مفهوم الفاسدين متلازم مع صغار المحتكرين وصغار المتلاعبين بالأسواق. وزادت نسبة الفاسدين من النوع القديم الجديد المتمثل بالخوف من الدلالة على رموز الفساد.
سيريا ديلي نيوز
2015-01-10 18:51:22