غيّرت اسمها، اعتنقت الإسلام، وهربت إلى سوريا لتتزوّج جهادياً. هي ستيرلينا بيتالو، الفتاة الشقراء بالعينَين الزرقاوين، التي تعيش في بلدة ماستريخت الهولندية.
تصفها والدتُها مونيك فيربير بأنها صبية مثل كل الصبايا، تبلغ من العمر 18 سنة، وكانت مليئة بروحٍ معنوية وببهجةٍ عالية، وهي مرحة ومندفعة ومتفائلة، قبل أن تعتنق الإسلام وتعتمد اسم "عائشة" في صيف 2013.
فهي كانت ملتزمة كاثوليكياً قبل اعتناقها الدين الجديد، وقالت والدتُها خلال مقابلةٍ أجرَتها معها إحدى القنوات التلفزيونية الهولندية إن ابنتها في البداية أحضرت إلى المنزل إنجيلاً، ثمّ أحضرَت قرآناً، لكن الصدمة الحقيقية حصلت حين رأت ابنتها واقفةً في المنزل وهي ترتدي النقاب، فسألَتها: "ماذا تفعلين يا ابنتي؟!"، لافتةً إلى أن الأمر قد تخطّى الخطوط الحمر بالنسبة إليها.
لكن "عائشة" لم تكترث لهموم والدتها، وفتحت في تشرين الثاني من العام الماضي حساباً جديداً في موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" لتعبّر عن حماستها الدينية التي تتشكل، واعتمدت اسم "سينباد هوفد كاليميجن" بدل اسم "لينا لينا" الذي اعتمدَته في حسابها الأول، وهو ما يدعوها أصدقاؤها وعائلتها، كاسمٍ مصغّرٍ لاسمها الحقيقي ستيرلينا.
وشرحت "عائشة" في 3 كانون الأول 2013 عبر حسابها الجديد في "فايسبوك" لماذا اختارت أن ترتدي النقاب – وهو شكلٌ محافظٌ من الحجاب لا يُظهِر إلا عيونَ المرأة – على الرَّغم من معارضة أهلها للأمر، فأكدت أن "المرأة تلبس النقاب من أجل الخالق، وليس لأنه يُظهرها جميلة أو قبيحة"، وأضافت: "أنا أرتدي النقاب، ولكن لا أتلقى إلا الانتقادات والأحكام، حتى من والدَيّ، ولكن الحمدلله أن الأمر يقوّي إيماني"، معتبرةً أن المرأة "تلبس النقاب لسببٍ واحد، وهو إرضاء الخالق وليس إرضاء الناس".
وخلال استعمالها لشبكة الإنترنت، رأت "عائشة" للمرة الأولى الجهادي عمر يلماز المعروف بـ"إصرافيل" عندما شاهدت مقابلة أُجرِيَت معه ونُشِرَت إلكترونياً. ووِفق والدتها، كانت "عائشة" "منجذبة جدّاً إليه، بما أنه يقرّر مصيره بنفسه، ويعمل كعامل إغاثة ومُدَرّب ومُقاتِل".
يلماز هو أصلاً جهادي هولندي-تركي، ومعروف في مواقع التواصل الاجتماعي باسم "تشيشكلير"، يعبّر باستمرار عن استعداده للتواصل مع الإعلام الغربي، وينشر العديد من الصور المحتوية قططاً، والصور التي تعكس حياته اليومية في سوريا.
وتُخبر الوالدة أن ابنتها رأته كفارسٍ شجاع ووسيم، تماماً مثل "روبين هود"، خصوصاً أنه خدم في الجيشَين الهولندي والتركي، قبل انتقاله إلى سوريا. وتضيف للقناة التلفزيونية نفسِها أن ابنتها التي تُعتبَر فتاةً لطيفة جدّاً وحسّاسة، اعتبرت يلماز رجلاً جيّداً ، وكانت تتوجه إليها مراراً بالقول: "انظري يا أمي إلى هذا الرجل – أليس جيّداً ما يقوم به؟".
تواصلت ستيرلينا مع يلماز عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبحا يتحادثان عبر الإنترنت لساعاتٍ عدة، وهو تعرّف إليها باسمها الجديد "عائشة"، الاسم العربي الذي اعتمدَته بعدما اعتنقت الإسلام.
استولت السلطات على جواز سفرها بعدما بلّغ أحد أصدقائها أنها قد تغادر البلاد قبل تعرّضها للمحاكمة. لكن في الأيام الأولى من شباط الماضي، استعملت بطاقة هويتها لتسافر عبر القطار من هولندا إلى تركيا، وبعد وصولها إلى الأراضي التركية، توجّهت إلى الحدود فعبرَتها ودخلت سوريا.
على الرَّغم من تواصلهما المستمر، قال يلماز إن "عائشة" خطّطت لتتزوّج جهاديّاً آخر من القوقاز. ولكن بعد مقتله، تزوّجَت الشابة ذات الـ18 ربيعاً يلماز بدلاً منه.
وفي 28 شباط، نشر يلماز في صفحته في موقع "تامبلر" عبارةً تدلّ إلى الزواج، ما يشير إلى احتمال زواجه من "عائشة". إذ من المحتمل أنهما تزوّجا في أواخر شباط 2014 أو في الفترة الأولى من آذار 2014، بما أن الحالة العاطفية في حساب "عائشة" في "فايسبوك" تغيّر في 28 آذار إلى "متزوّجة"، ولم يتم استعمال الحساب بعد ذلك التاريخ.
وقبل تخلّيها عن حسابها في "فايسبوك"، نشرت "عائشة" بعض الصور من مسكنها الجديد في سوريا. وكما تُظهر تعليقاتها في البداية، يبدو أنها كانت سعيدة حينها بقرارها بالمجيء إلى سوريا والزواج من رجلٍ لم تلتق به من قبل.
وأخبر يلماز الصحيفة البريطانية الأسبوعية "الصنداي تايمز" أن "عائشة" اتصلت بعائلتها يومياً خلال فترة زواجها منه. وبما أن حسابَها في "فايسبوك" ظلّ متجدّداً حتى أواخر آذار، لا يُعتبَر اتصالها بالعائلة أمراً مختلَقاً، إذ من الواضح أنه كان بإمكانها استعمال وسائل للاتصال.
لكن السيدة فيربير، والدة "عائشة"، قالت في شهر أيلول الماضي إن آخر رسالة تلقَّتها من ابنتها كانت رسالة نصية عبر تطبيق "واتساب" في نيسان 2014 قالت فيها إنها تحبّذ قلق والدتها، ولكن هذا ما عليها أن تقوم به، ولا تزال مقتنعة بأن خيارها في الرحيل إلى سوريا كان صحيحاً.
لكن التقارير الصحافية التي لحقت هذه الفترة تختلف بالمعلومات، والمشترك الوحيد بينها هي أن "عائشة" ويلماز تطلّقا بعد زواجٍ قصير الأمد.
ووِفق يلماز، كان الانفصال ودّياً، إذ قال لـ"الصنداي تايمز" إننا "علِمنا معاً أن زواجنا لن يكون ناجحاً". وأكد للصحيفة أنه دفع لها مستحقاتٍ مالية وأكمل حياته كجهاديّ. وقال أيضاً إنه حاول ترحيل "عائشة" وإعادتها إلى عائلتها بعد طلاقهما، لكنها رفضت مغادرة سوريا، ذاكراً أنها قالت له إن الإسلام يحرّم على الرجال إرسال زوجاتهن أدراجهنّ بعدما هاجَرن من بلادهنّ، فامتثل للأمر، وتركها عند زوجة أحد أصدقائه، وتوجه إلى أرض المعركة.
ووِفق تقارير صحافية هولندية وتركية، عنّف يلماز عروسته اليافعة وهجرها، فدخلت حياة الاسترقاق الجنسي (Sexual Slavery). "لقد صدّقتُ يلماز، أعطيتُه كل شيء"، تُخبر "عائشة" إحدى الصحف التركية، وتضيف أنه "استغلني كالعبد ورماني بعيداً". وفي هولندا، انتشرت التقارير حول ستيرلينا، أي "عائشة"، واحتوت معلوماتٍ عن أنه تم بيعها لمحاربٍ آخر أو لبيت دعارة.
وقال يلماز إنه بعد عدّة أشهر على الطلاق، استعلم عن زوجته السابقة، فقالوا له إنها تزوّجت مجدّداً وانتقلت للسكن في مدينة الرقة مع زوجها التونسي الجديد.
اكتمل طلاق يلماز و"عائشة" في تموز الماضي، بحسب ما يبيّن سؤالٌ مؤرشف في صفحة يلماز المعلّقة الآن في موقع Ask.fm.
وفي أيلول الماضي، أعلن يلماز أنه تزوّج مجدّداً، عبر حسابٍ في موقع "تويتر" عُلّقَ استعماله منذ ذلك الوقت. وهو أجاب أحد متتبّعيه أن زوجته الجديدة أذربيجانية. وكما العديد من المتزوّجين حديثاً، نشر يلماز صورةً لخاتم الزواج. ثم نشر في تشرين الأول الماضي صورةً لزوجته، لكنه سرعان ما محاها من حسابه.
وخلافاً لما اعتقد كثيرون، ليست الرسائل التي يتبادلها يلماز مع زوجته والتي ينشرها في "تويتر" الرسائل التي تبادلها مع زوجته "عائشة"، بل هي مكالماتٌ بينه وبين زوجته الجديدة.
أما في بلدة ماستريخت الهولندية، مسقط رأس ستيرلينا، لا يزال القلق مخيّماً حول مصيرها. وفي تشرين الأول، نشرت شقيقتها إيزميرالدا صورةً لها في صفحتها الخاصة بموقع "فايسبوك"، قائلةً إنها تشتاق لأميرتها ذات العينين الزرقاوين. كذلك، نشرت صوراً أخرى معها، ومنها صورة لهما في مرحلة الطفولة.
سافرت والدة ستيرلينا في الشهر نفسه، والذي يصادف بلوغ ابنتها الـ19 سنة، آملةً أن تذهب إلى سوريا لتقفّي أثرها، لكنها فشلت في عبور الحدود.
وجاء بصيص الأمل في الشهر التالي، أي شهر تشرين الثاني الماضي، حين اتصلت ستيرلينا بأمها للمرة الأولى منذ سبعة أشهر، طالبةً منها مساعدتها في العودة إلى ديارها.
وصفت السيدة فيربير رسالة ابنتها بأنها صرخة للنجدة، فتوجهت إلى السلطات طالبةً المساعدة لإيجادها. لكن الجميع، من المسؤولين في الشرطة إلى وزارة الخارجية الهولندية، لم يشجّع والدة "عائشة" على محاولة رحلة أخرى إلى سوريا في سبيل إعادتها إلى ديارها.
قلق الأم كان أكبر من التحذيرات، فرفضت الإصغاء وبدأت التخطيط وحيدةً لكيفية إعادة ابنتها إلى هولندا. وقالت للصحيفة البريطانية اليومية "الدايلي تلغراف" أنه "أحياناً على المرء أن يقوم بما عليه القيام به، اتصلت بي ابنتي هاتفياً وقالت لي: "خذيني إلى المنزل"، لكنها لا تتمكن مغادرة الرقة من دون مساعدة".
وبعدما علمت إحدى الصحف الهولندية بمعاناة والدة "عائشة" وبخطتها لنجدة ابنتها، نشر أحد صحافييها الهولنديين في 17 تشرين الثاني الماضي افتتاحيةً موجّهة إلى يلماز، يسأله فيها أين هي "عائشة" وحاثّاً إياه على ردّها إلى أمها.
وذكر المقال أن يلماز قام بإغراء ستيرلينا لتتوجه إلى سوريا عبر استخدامه ذرائع زائفة، فيما هي بالكاد بالغة. وورد فيه أيضاً أن يلماز عاملها كالعبد قبل أن يقدّمها كهدية لمحاربٍ تونسيٍّ زميلٍ له.
لكن يلماز دافع عن نفسه بغضب عبر "تويتر"، رافضاً اتهامه بمعاملة زوجته معاملةً سيئة.
من ناحيتها، وصلت "عائشة" في 17 تشرين الثاني الماضي، إلى الحدود السورية-التركية، مرتديةً حجاباً ثقيلاً، وجمعها لقاءٌ عاطفي مؤثّر مع والدتها.
واعتبرت تقارير صحافية أولية أن والدة "عائشة" قد ذهبت إلى سوريا واستردّت ابنتها من مدينة الرقة، لكن أحد المسؤولين الهولنديين أكد أن لقاءهما كان على المعبر الحدودي في تركيا.
ولم يُعرَف حتى الآن كيف سافرت ستيرلينا مسافة تقارب الـ60 ميلاً من الرقة إلى الحدود.
وبما أن ستيرلينا افتقدت جواز سفر، اعتُقِلَت ووالدتها عند معبر الحدود التركي لمدة بلغت ثلاثة أيام، في حين بدأت وكالات ووسائل الإعلام بنقل الحدث.
ودفع هذا التطور يلماز لأن يكتب تغريدة في "تويتر".
وعند وصولهما إلى هولندا في 19 تشرين الثاني الماضي، أُلقِيَ القبض على ستيرلينا على الفور، ونُقِلَت إلى مركز الشرطة، للاشتباه في تورّطها في جرائم تهدد أمن الدولة. وبعد يومين، مدّد قاضي التحقيق فترة اعتقالها.
ثم حصلت ستيرلينا في 25 من الشهر نفسه على إفراجٍ مؤقت، شرط التزامها بأمورٍ معينة. لكن المحكمة رفضت الإعلان عن هذه الأمور، فأوضح أحد المسؤولين أن على المراهقة ألا ترتكب جرائم وأن تلتزم بأيّ طلبٍ يُوَجّه إليها من الشرطة أو القضاء، وأحد الأمور التي عليها الالتزام بها هو عدم تحدّثها للصحافة، نظراً لحساسية قضيتها.
وأفادت منظمة الإذاعة العامة الهولندية في 30 تشرين الثاني أن ستيرلينا وعائلتها يعيشون في الخفاء، ويخضعون لحراسةٍ مشدّدة، خصوصاً أن ستيرلينا بدأت تتلقى تهديداتٍ بالقتل.
وقد تواجه العروس الهاربة من سوريا 30 سنة في السجن إذا ما ثبت تورّطها في جرائم إرهابية، إذ قال المدعي العام الهولندي روجير بوس إننا "لا نعلم ماذا ذهبت لتفعل هناك، وماذا كان دورها، هل هي ضحية أم مشتبه فيه؟ ربما هي الاثنان معاً".
سيريا ديلي نيوز- النهار
2014-12-28 20:38:13