سيرياديلي نيوز - بيروت
مطاعم سورية شهيرة، كـ"أبو وسيم" الدمشقي و"بيت حلب" وسومر" وغيرها، وجدت نفسها مضطرة للجوء إلى بيروت كإنعاش أخير لتاريخها واسمها الذي أسسته على مدار عقود، بعدما قلصت الأزمة في سورية معظم زبائنها وأرباحها.
بيروت: قبل سنة، كان أبو وسيم يعتبر "ملك الشاورما" في دمشق، إذ يقف التجار والفنانون والطلاب في طابور طويل داخل مطعمه ليتذقوا سندويشاته الشهية. اليوم، هو واحد من ثلاثة ملايين سوري يحاولون إعادة بناء حياته في بيروت.
بعد طوابير!
في شارع الحمراء في غرب بيروت، افتتح أبو وسيم مطعمًا صغيرًا يبيع فيه الشاورما، الطبق الشعبي اللذيذ في دول عدة من العالم العربي. وقد دفعت الأزمة في سوريةالمستمرة منذ حوالى أربع سنوات العديد من الطهاة وأصحاب المطاعم إلى المجيء إلى لبنان، ونقلوا معهم أطباقهم الشامية والحلبية الشهية.
يروي أبو وسيم (48 عامًا) مطعم الشاورما، الذي كنت أملكه في منطقة المالكي، كان معروفًا من كل دمشق (...) عشرات الزبائن كانوا ينتظرون في الصف: طلاب وتجار وعمال وممثلون".
وبقيت دمشق، باستثناء بعض الأحياء على الأطراف، بعيدة عن الدمار الذي أصاب معظم المدن السورية. إلا أن هذه المدينة التاريخية تستهدف بين الحين والآخر بقذائف الهاون، التي يطلقها العصابات الإرهابية المسلحة إضافة لضغوط الحرب وأزماتها المعيشية، ما دفع أبو وسيم إلى المغادرة، ونقل عمله، الذي يمارسه منذ ثلاثين سنة، إلى بيروت. ويتابع الرجل "في دمشق، كنت أبيع ثلاثة آلاف سندويش (شاورما) في اليوم في مقابل نحو 250 هنا".
وأشار أبو وسيم إلى أنه يوزع يوميًا أربعين سندويش مجانًا على سوريين فقراء لجأوا إلى لبنان. ويشكل السوريون نحو 70 بالمئة من زبائن أبو وسيم، الذي يقول ردًا على سؤال، إنه لا يعتقد أن منافسيه اللبنانيين يكنّون له أي ضغينة في بلد يستضيف 1.1 مليون لاجئ سوري (ما يوازي أكثر من ربع سكان لبنان) متهمين بتشكيل عبء اقتصادي كبير على الشعب والدولة.
لبنانية 100%
ويوضح أن "كل المواد التي أستخدمها في مطعمي، مصدرها لبنان: الدجاج واللحم والتوابل وغيرها...". وعلى الرغم من الشبه بين الشاورما السورية ونظيرتها اللبنانية، يقول أبو وسيم إن السر يكمن في التوابل، التي تمنح الشاورما نكهتها الخاصة.
ويشرح أن الأرباح في سورية كانت تصل إلى نسبة خمسين في المئة، بينما في لبنان، بالكاد تصل إلى 15 في المئة. لكن "في دمشق، عندما غادرت، كانت الأرباح تدنت بنسبة خمسين في المئة".
وأغلقت مطاعم سورية أبوابها في لبنان بعد فترة من بدء عملها، إلا أن مطاعم أخرى نجحت في استقطاب الزبائن وترسيخ موقع لها في هذا القطاع، وخصوصًا الحلبية منها، وبينها مطعم "بيت حلب"، الذي فتح أبوابه في شارع الحمرا قبل ثلاثة أشهر، ومطعم "سومر" في حي مارالياس في العاصمة.
حلب في بيت
تقول عائشة (20 عامًا) إنها غالبًا ما تقصد مطعم "بيت حلب" مع أفراد عائلتها، مشيرة إلى أن هذا المكان "يذكرني بحلب. التقي هنا بالعديد من سكان حلب، الذين لم أرهم منذ وقت طويل".
وتدمع عينا مدير المطعم مصعب حضيري، وهو ينظر إلى صور من ثاني مدن سوريةوعاصمتها الاقتصادية، علقت على جدران مطعمه، الذي توزعت في أرجائه مقاعد صنعت على الطريقة الحلبية. ويقول حضيري "في حلب، المطاعم كانت تفتح حتى الساعة الرابعة فجرًا. متابعة أخبار حلب تؤلمني كثيرًا".
لكن ملامح وجه هذا الثلاثيني تتغير إلى الرضا، عندما يشاهد الأطباق الحلبية تقدم إلى الزبائن المتحمسين لتذوقها. في الثلاجة تعرض أمام الزبائن سيخ متنوعة من الكباب: الكباب الحلبي، الذي تميزه صلصة الطماطم، وكباب الكرز، والخشخاش الحار، والكباب الهندي بتوابله الكثيرة.
إلى جانب الكباب، هناك الكبة، التي تشتهر بها حلب أيضًا، وتشمل 17 صنفًا مختلفًا، بعضها يحتوي على السماق، وآخر على اللبن، أو الحامض، وغيرها من الخضر والفواكه والتوابل. ويقول حضيري "من أجل الدخول في السوق اللبنانية" المعروفة أيضًا بمطبخها الشهي، "يجب أن نقدم شيئًا مميزًا، والمطبخ الحلبي فريد من نوعه".
أجرة مضاعفة
ويضيف بابتسامة "تأقلمنا مع مذاق اللبنانيين، وأصبحنا نقلل من الدهون" في الأطباق. إلا أن أسعار الأطباق هنا تختلف أيضًا عما هي عليه في سوريا: فبينما كان يدفع أجرة العامل في سوريا عشرة دولارات في الساعة، يضطر هنا إلى أن يدفع ثلاثين دولارًا.
وبهدف إضفاء مزيد من الجو الحلبي على المطعم، يقدم المطعم عزفًا على العود، يقوم به كامل أبو فضل، السبعيني الآتي من حي الحميدية في حلب.
في شرق بيروت، تستقطب مطاعم سورية، بينها "باب شرقي"، زبائن لبنانيين، يبحثون دائمًا عن جديد في منطقة تزخر بالمقاهي والمطاعم والنوادي الليلية. ودفع نجاح بعض هذه المطاعم السورية العديد من المطاعم اللبنانية إلى توظيف طهاة سوريين، فيما أن بائعي اللحوم بدأوا يعرضون على زبائنهم مأكولات سورية.
في بيروت، وجد مصعب حضيري ملاذًا آمنًا، لكن رغبته الوحيدة تبقى رؤية مدينته حلب من جديد، حتى ولو مدمرة. ويقول "لا يمكن أن ننسى جذرونا".
سيرياديلي نيوز
2014-11-20 20:34:20