سيرياديلي نيوز - وفاء نزار سلطان

لست مع تعظيم دور المرأة السورية، لأنها عظيمة بحضورها ودورها؛ فهي الأم والزوجة والأخت والابنة والزميلة. وما قامت به المرأة السورية على مدى تاريخها القديم والحديث يشهد بانجازاتها وأعمالها ويعطي صورة ناصعة للمرأة التي تشارك في بناء وطنها والذود عن حماه فهي الحاضرة في كل زمان ومكان ربة من ربة منزل ملتزمة إلى العاملة المجتهدة المبدعة في كل ميادين الحياة بصمت وضمير ووجدان.

وبالرغم من انها تشكل نصف المجتمع السوري إلا أنها لم تعط الدور الذي يجب أن يناط بهذه السيدة الوطنية بامتياز، ولم تأخذ حقها كاملاً أو لم تسمح لها الظروف الاجتماعية وبعض التقاليد البالية أن تأخذ دوراً مميزاً في كل ميادين الحياة بالرغم من أن جميع التشريعات والقوانين السورية ساوتها بالرجل ودون أي تميز يذكر.

تشكل المرأة السورية طبقة مثقفة عالية المستوى ولكنها غير فاعلة بشكل كافٍ في إدارة شؤون المجتمع بالرغم من أنها تحمل شهادات جامعية وشهادات دراسات عليا ووصلت إلى أعلى المراتب الوظيفية في البلد وتعد الكادر الفعلي الأساسي في قطاع التربية والتعليم بكلا القطاعين العام والخاص، وأيضاً مربية الأسرة ومدبرة شؤونها ومربية فاضلة للأجيال فهي تعلم الأبناء معنى الوطن وترضعهم حبه والإخلاص له.

ولكن المطلوب منها في المجتمع يتجاوز أحياناً أكثر من طاقتها وقدراتها فهي سند الجميع داخل الأسرة وخارجها في الريف بكل أشكاله والمدينة بكل تنوعاتها.

فهي الأم التي تزف كل يوم عريساً فداءً للوطن، والزوجة التي تبلسم جراح ألمها وحزنها ببسمة أمل تنشرها كطاقة وقوة وعزيمة لأبنائها من أجل مستقبل واعد وغد أفضل، وهي الأخت والابنة التي رفعت الرايات عالياً وكانت الصوت المدوي في كل ساحات الوطن دعماً لسورية ومواقفها ودفاعاً عن سيادتها وعزتها وكرامتها كما هي دوماً سيدة عزيزة شامخة كريمة منحت سورية الكثير من الحنان والخير والعطاء.

أين هي هذه المرأة الآن وما هو الدور المنوط بها؟

أربع سنوات من عمر الأزمة في سورية ولا تزال توتراتها ومشاكلها تضرب المجتمع السوري بقسوة وبلين وبترددات مختلفة الشدة حتى باتت تخنق حياتنا اليومية وتحول حياتنا إلى نوع من الخوف الساكن والقلق المتزايد وان كانت هذه الأزمة قد وصلت إلى ذروتها وهي الآن تهوي تباعاً وبسرعة كبيرة وقد لا نعود إلى ذكراها السيئة إلا من خلال ما ستتركه من آثار غير خافية على احد فالآتي وان كان أفضل فهو لا يزال غير واضح المعالم وغير مستقر إما الآثار والنتائج فهي لا تسر الخاطر ولا تطفئ النار فالمجتمع السوري استعد لمعركته كل الاستعداد وجهز لها ما يستطيع من قوة ومن رباط خيل وتوقف عن رمي همومه على الدولة ووقف بثبات في وجه العاصفة وبرزت المرأة في هذه المرحلة كشريكة في المقاومة والممانعة والتصدي

فالسيدة السورية والتي اعتادت طوال عقود عدة مضت على الأمن والاستقرار تقوقعت في صومعتها البيتية وانعزلت بعد أن فرض انفلات الأوضاع الأمنية معايير جديدة للخروج حتى للعمل وفرضت تواجد الرجل بقربها أكثر من أي وقت سابق ليحميها من شر الإرهاب وجرائم العصابات المسلحة بعد كثرة حوادث السرقة والاعتداء والاغتصاب والقتل وخصوصاً في المناطق المتأزمة رغم مشاركاتها الجبارة في المسيرات الداعمة للمواقف السياسية الوطنية ومساهمتها الإعلامية الواسعة النطاق على الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي فمشاركتها العظيمة قد أثبتت شجاعة وحضور وطني واستمرت في ممارسة أعمالها والنزول إلى الشارع والتأكيد على الوحدة الوطنية والمشاركة بكافة الفعاليات التي أقيمت دفاعاً عن الوطن وكل ذلك بنشاط شخصي ووعي وإدراك عالٍ أن ما يحاك ضد الوطن هو مؤامرة خبيثة تستهدف الجميع بلا استثناء.

أما اقتصاديا فقد تسابقت الأزمة والتجار في تفريغ جيوب السوريين من النقود وخصوصا عدد كبير من العاملات في القطاع الخاص اللاتي خسرن وظائفهن ونلن نصيبهن من الطرد والقهر والتسريح الإجباري بعد أن أغلقت الشركات الخاصة أبوابها وأوصدت مصادر أرزاق المواطنين واكتفت بعدد قليل من العاملين حيث فرض الغلاء والواقع الاقتصادي المتردي ضرورة الاقتصار على الضروريات من المواد الغذائية والألبسة وحتى المواد الصناعية وخصوصا بعد خنق الاقتصاد السوري بالعقوبات الغربية والعربية الجائرة ضد الشعب السوري، وارتفاع قيمة الدولار وهبوط الليرة السورية وبالرغم من ظهور العنصر النسائي السياسي في بداية الأزمة غابت وجوهه عن الإعلام بالرغم من قوة تأثيرها كالدكتورة بثينة شعبان والكاتبة ومستشارة السيد الرئيس السيدة كوليت خوري وان ظهرت وجوه جديدة كانت تقاتل بشراسة وتدافع بذكاء اعتدناه من كل النساء السوريات الشريفات اللواتي وصلن إلى المنابر السياسية كالمحامية كندا الشماط ومجد اليازي طباع وغيرهن  لكن لم تظهر المرأة كمحرك أساسي لحل الأزمة أو شريكة بالجهد والعمل بصحبة الرجل السوري للدفاع عن الوطن وخصوصا بعد صدور قانون الأحزاب فقد كنا نتوقع ظهورا لوجوه جديدة قادرة على صياغة الحدث وجذب التحرك الجماهيري باتجاه حل الأزمة.

أما الجهود الحثيثة لسيدات قافلة مريم برعاية السيدة أمل الحاج والتي حاولن فيها دفع العجلة النسائية الشبه متوقفة والضغط على وسائل الإعلام لإظهار ملامح العمل النسائي على ارض الواقع ودورها في فضح المؤامرة لم تصل إلى مستوى تمثيلي كافٍ ومؤثر في إبراز دور المرأة وتأثيرها، وبدت وكأنها جهود أعمال لسيدات غير سوريات.

وبالرغم من مشاركة العديد من الشابات والسيدات في الحملات الشعبية والاجتماعية كحملة أيدي بأيدك وفريق دمشق التطوعي لم تستطع التركيز على عمق دور المرأة فيها ومدى قوة المشاركة وهي الأم والمربية والطبيبة والمهندسة والممرضة والمعلمة وعضوة مجلس الشعب والوزيرة ونائبة الرئيس ولم ترتق كل هذه الجهود إلى المستوى المطلوب والمأمول والذي كان من المفروض أن تعد لها العدة والعديد فالعنصر النسائي في الحكومة الحالية لم يسجل لهن أي دور فعال في الدعوة إلى فعاليات نسائية مشابهة لقافلة مريم. تصوروا أن أم يوسف ببساطتها كانت قادرة أن تحرك مسيرة كاملة في حين لم تستطيع أي من صاحبات "النيافة والغبطة" تحريك فئة قليلة من السوريين اللهم ان لم يكن من الموظفين التابعين لوزارتهن حصراً ولأهداف إعلامية بحتة.

كل التحركات النسائية كانت عفوية وغير واضحة نظراً لعدم تنظيم العنصر النسائي في إطار محدد ومسجل بالرغم من كثرة المشاركات النسائية فيها فهي بقيت جهود فردية وحتى جهود الإتحاد النسائي كانت ضعيفة وغير متميزة بعد أن قاد لسنوات طويلة معارك وجولات مميزة دفاعاً عن حقوق المرأة السورية المشروعة في التعليم والانتخاب والعمل وتحريرها من العادات البالية والمتخلفة؛ فبدى حضوره اقرب للخروج من بين الأموات.

 سيسجل التاريخ أن النساء السوريات كن بحق درع حماية لهذا الوطن وسيتحدثن لأجيال قادمة عما مررن به وسط غوغائية ثورة الرعاع والمرتزقة واللصوص والمجرمين والقتلة وقطاع الطرق؛ فأمهات الشهداء من عناصر الجيش والقوات الأمنية واللجان الشعبية والمواطنين الذين سقطوا على يد الغدر والإرهاب المسلح كانت كلماتهن بلسماً للقلوب بحق ومشعلاً يرسم البسمة على الوجوه الحزينة (كلنا فدا تراب الوطن) (أنا أم الشهيد ولدي أربعة شباب غيرهم خذوهم ولتبقى سورية) (أرفع رأسي بشهادة ابني وأعتز وافتخر)(كنت أتمنى لو استشهد ابني في أرض الجولان المحتل أو فلسطين العزيزة ولم يقتل غدراً على يد المجرمين والإرهابيين).

لنا فلسفة واحدة في هذه الفترة وهي عشق تراب سورية ومحبة حجارتها والدفاع عنها ضد كل متآمر هؤلاء هن النسوة السوريات حفيدات زنوبيا، واليسار وجوليا دومنا، وخولة بنت الأزور.

أما زوجات الشهداء فهن من سيعلمن أبنائهن أن الوطن غالٍ وعزيز وانه القبة التي سنجتمع جميعنا تحتها وندافع عنها فكانت كلماتهن اشد تأثيراً في الدعوة لحماية الوطن والدفاع وأثبتت مرة أخرى أنها شريكة أساسية للرجل في الدفاع عن معتقداتها الوطنية وانتمائها.

وبالرغم من تأكيد الدولة والحكومة على ضرورة تفعيل دور المرأة وجهودها فقد وجهت للمرأة ودورها وحقها ضربة قاضية فلم يقدم الدستور الجديد أي تغير لصالح المرأة  بقانون الأحوال الشخصية أو إلغاء الطلاق التعسفي أو رفع قيمة النفقة الشهرية للمطلقات. أما قوانين جرائم الشرف فالمحاسب والمتهم الوحيد هو المرأة بالرغم من أن كل الشرائع السماوية تحاسب الرجل قبل المرأة.

وكما يقول المثل الشعبي "وزاد في الطين بلة" أن بعض من يسمون أنفسهم من النساء معارضة الخارج شوهوا صورة المرأة السورية وانتمائها الوطني كالخائنة بسمة قضماني التي ضربت بعرض الحائط كل ما تعلمه المرأة السورية لأبنائها من قيم وأخلاق ومحبة الوطن والدفاع عن أراضيه بعد ظهورها على إحدى القنوات التلفزيونية للعدو الصهيوني ولكن سبحة الخيانة تكر ولم تقف عند هذه المرأة بل امتدت لبعض النسوة اللاتي بعن شرفهم ووطنهم من أجل حفنة من الدولارات وكانوا مرتزقة بيد أجهزة الاستخبارات الأميركية والغربية وخادمات في بلاط الاليزيه والبيت الأبيض والجميع بات يعرف أسمائهن وليس هناك غضاضة لذكر البعض منهن ليكن عبرة لمن يعتبر لأنهن بلا دين ولا شرف ولا ضمير. لن ننسى مرح البقاعي التي كان مثلها الأعلى مصطفى السباعي زعيم الأخوان السابق في سوري، وفلورانس غزلان، وحنان نجمة، وفرح أتاسي، ورولا إبراهيم وغيرهن ممن علت أصواتهن النشاز وصراخهم المقزز والمقرف وتباكوا وزرفوا الدموع الكاذبة خلال هذه الأزمة والمحنة التي مر بها الوطن، وعندما نقارن بينهن وبين السيدة العظيمة كوليت خوري التي عندما رفضت إجراء حديث مع مراسل محطة B.B.C وقالت له: انتم أعداء وطني ولا يشرفني أن أتحدث معكم ولا مع أية فضائية شاركت في الحملة المغرضة ضد بلادي وسفك الدم السوري. هذه هي المرأة السورية الأصيلة الشريفة الوطنية وليست بسمة قضماني وأمثالها ممن امتهنوا العهر بكل أشكاله وحاضروا بالشرف والأخلاق والعفة وهن من هذه الصفات براء.

نحن مقبلون على مرحلة جديدة ولا تزال بعض القوانين مجحفة جداً بحق المرأة السورية والتي أثبتت أنها ترفض الركوع والانهزام.

هذه المرأة التي غزت كل المجالات في سورية طبياً وعسكرياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً ورياضياً مطالبة اليوم بجهود أكبر كي تستطيع الدفاع عن حقوقها وممارسة دورها لتستطيع أن تقود المجتمع؛ مما يتوجب عليها في هذه الفترة تعزيز الجهود لإثبات الفاعلية والقدرة على المواجهة لتطرق المرأة كل الأبواب ولا يتراجع دورها نتيجة الظروف الآنية التي تحاول تهميش دورها وعزلها.

ستفرز انتخابات مجلس الشعب النخبة التي ستمثل سوريا في السنوات المقبلة فاللافتات التي ملأت شوارع الوطن و الصور التي غطت الشجر والحجر وحتى الازمة فكأننا نعيش في كوكب أخر وليس في وطن جراحه  نازفة ويريد من يضمدها وإن كان بكلمة فالتسابق إلى قبة مجلس الشعب لم ينس المواطنين بضرورة اختيار الأفضل وشهدت المراكز الانتخابية إقبالاً جيداً من العناصر النسائية اللواتي يردن التعبير عن رأيهن بشكل حضاري يكون فيه صندوق الاقتراع هو الحكم والفاصل بين المتنافسين  عسى أن يحمل بين أوراق المنتخبين المزيد من التطور و الازدهار لهذه الشريحة الفعالة من مجتمعنا ويعطيها الدور التي تطمح له للمشاركة في بناء سورية ومستقبلها.

سيرياديلي نيوز


التعليقات