ارتفاع بيّن في السيولة سجلته المصارف العامة، وإن كان ارتفاعاً تدريجياً بدأ مع النصف الثاني من العام المنصرم، وهو ارتفاع يسجل في خانة الأرباح الجامدة على المدى الاستراتيجي تبعاً لبقاء هذه السيولة في صناديق المصارف

وعدم قدرتها على توظيفها لأسباب تتراوح بين انعدام الجدوى الاقتصادية في المرحلة الحالية من توظيفها في المشاريع الاستراتيجية وبين القرار الحكومي الشهير القاضي بوقف كل أنواع الإقراض ما عدا التمويلات التي يقوم بها المصرف الزراعي التعاوني باعتبارها ذات صلة مباشرة بالمحاصيل الاستراتيجية وذات طابع سيادي لتأمين الأساسيات المحلية من غذاء المواطنين.‏

وبنظرة سريعة على معدلات سيولة المصارف العامة نجد أن التجاري ورغم كل نشاطاته يمتلك سيولة تصل إلى 36٪ من القطع الأجنبي إضافة إلى سيولة بالليرات تصل إلى 35٪، في حين تصل سيولة المصرف العقاري إلى 31.5 ومصرف التوفير 53٪، أما الصناعي فتصل سيولته إلى 29٪ ، في حين تتراوح سيولة التسليف الشعبي بحسب التصريحات بين 49 إلى 56٪، وبالرغم من ارتفاع السيولة تبقى الأقنية التسليفية مقفلة وتبقى السيولة مجرد أرقام لا تعكس نشاطاً مصرفياً حقيقياً، وهنا يبرز السؤال الأكثر أهمية: لماذا لا يتم استثمار أجزاء من هذه السيولة في تمويل بعض المشاريع في المناطق الآمنة مثل دمشق وطرطوس واللاذقية والسويداء باعتبارها مستقرة وتدعو الحكومة أصحاب المنشآت ورجال الأعمال للعمل فيها ونقل منشآتهم إليها، ومن ناحية أخرى يبدو مصرف سورية المركزي الأقرب إلى فهم المعادلة التي تحدث عنها السيد الرئيس خلال خطاب القسم حين أكد أهمية الاهتمام وتنمية وتوسعة شبكة المشاريع المتوسطة والصغيرة وحتى المتناهية الصغر، بالنظر إلى أن المركزي أعلن عزمه تمويل هذه المشاريع في المناطق الصناعية والحرفية التي يُعاد إليها الأمان والاستقرار بسواعد بواسل قواتنا المسلحة.‏

يقول البعض إن سيولة المصارف تنمو بانتظار لحظة الانطلاق بعمليات إعادة الإعمار حتى تكون جاهزة لتمويل هذه العمليات وهو رأي غير مقنع بالنظر إلى أن عمليات إعادة الإعمار لن تموّل من سيولة المصارف أي من أموالها وودائع الأفراد وجهات القطاعين العام والخاص بل ستخصص لها مبالغ مستقلة ترصد بشكل مركزي لصالح كل من الجهات دون أن يكون للمصارف ضمن خطط الإعمار - حتى الآن - دور حيوي فيها، وهي نقطة أخرى مثيرة للجدل تبعاً لكون المصارف ذات تجربة غير هينة في مجال تمويل المشاريع كل في قطاعه وضمن طبيعة عمله، ثم ما المانع من أن تدرج المصارف ضمن هذه الخطط بشكل مباشر حتى تهيئ نفسها لهذه المرحلة وتكون على استعداد لمباشرة عملها في إعادة الإعمار، مع الأخذ بعين الاعتبار أن ذلك يقتضي بالدرجة الاولى اتخاذ القرار بوضع المبالغ المخصصة لهذه الشأن في حسابات المصارف العامة حسب طبيعة كل منها ليكون التمويل عن طريقها.‏

بالنتيجة تبقى مسألة سيولة المصارف ملف حكومة بكاملها وتبقى مسألة استثمارها وتوظيفها ذات جدوى اقتصادية إن كان لتحريك عجلة الانتاج من جديد أو لاستقطاب قوة العمل السورية وتأمين فرصة العمل لها، أو إعادة شريحة مهمة من الانتاج والمنشآت المنتجة الخارجة عن العمل إلى مجال العمل ولاسيما أن عنوان المرحلة المقبلة سيكون الانتقال من الاستهلاك إلى الانتاج كما كان حال سورية سابقاً.‏

 

سيرياديلي نيوز - الثورة


التعليقات